آمالٌ واعدةٌ في استبدالِ الأطراف المبتورة| زراعةُ أول طرفٍ حيويٍ لجرذٍ في المختبر
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
يقول Harald Ott من مستشفى Massachusetts العام في بوسطن والذي قامَ بتنميةِ الطرف: "نحنُ نركزُ الآن على الساعدِ واليدِ لاستخدامهما كنموذجٍ للنظامِ ودليلٍ على المبدأ، لكنَّ هذه التقنيات تَنطبقُ أيضاً على الساقين والذراعين والأطرافِ الأخرى".
ويقول Daniel Weiss من جامعة Vermont في كليّة الطب والذي يعملُ على تجديدِ الرئة: "هذا هو الخيالُ العلميُّ الذي أصبحَ حقيقةً، وهو أمرٌ رائعٌ حقاً، لكنَّ التحديَ الأكبرَ يَكمُنُ في إنشاءِ عضوٍ أو طرفٍ قادرٍ على العملِ وظيفياً".
إنَّ العديدَ من فاقدي الأطراف يستخدمونَ أطرافاً اصطناعيةً بديلةً تَعملُ عملاً تجميلياً، إلا أنَّها لا تعملُ كالأطرافِ الحقيقيةِ أي أنَّها غير فعالةٍ وظيفياً. في حين أنَّ الأطرافَ الآليةَ البديلة التي تمَّ تَصنيعُها فيما بعد تعملُ جيداً في الوقت الحالي، إلا أنَّها تبدو غيَر طبيعيةٍ. ومن جهة أخرى، فقد نجحت عملياتٌ لزراعةِ اليدِ، لكنَّ المتلقي يحتاجُ لأدويةٍ مثبطةٍ للمناعةِ طوالَ حياتهِ لمنعِ جسمهِ من رفضها.
ومن شأنِ الطرفِ الحيويِّ biolimb أنْ يُجنبنا العديدَ من المعوقاتِ، إذ أنَّه يحتوي على خلايا المتلقي، وبهذا نَتجنّبُ الحاجةَ إلى تثبيطِ المناعةِ، بالإضافةِ إلى أنَّه يبدو يعمل بشكلٍ طبيعي.
إنَّ التقنيةَ التي اُستخدِمَتْ لتنميةِ الطّرفِ الحيويّ للجرذ_يُطلَقُ عليها اسم "decal/recel" - قد اُستخدمَت سابقاً لإنشاءِ القلبِ والرئتينِ والكلى في المختبر. كما تمَّ إنشاءُ أعضاءٍ أكثرَ بساطةً مثل القصبةِ الهوائيّة و أنسجةِ الحُنجرة، وزُرِعَت في أشخاصٍ بدرجاتٍ متفاوتةٍ من النجاح، لكنَّها مع ذلك بقيت مثاراً للجدل.
في البداية، مرحلة decal – وهي اختصارٌ لكلمة decellularisation والتي تعني نزعَ الخلايا- حيث يتمُّ فيها معاملةُ الأعضاءِ المأخوذةِ من متبرِّعينَ متوفينَ مستخدمينَ المُنظفات لتجريدها من الأنسجةِ الرَّخوة، ويبقى فقط الهيكلُ البروتينيُّ للعضو، الذي يتألفُ بشكلٍ أساسيٍ من بروتين الكولاجين الخامل، وهذا الأمرُ يَحفظُ البنيةَ المعقَّدة للعضو الأصلي. في حالةِ ساعدِ الجرذ، تضمنتْ العمليةُ هياكلَ الكولّاجين التي تُشكلُ الأوعيةَ الدموية، الأوتارَ، العضلات والعظام.
في المرحلة الثانية recel، فإن لحمَ العضو يبدأ بالتشكّل عن طريقِ زرعِ الهيكلِ مع الخلايا الموافقة له من المتلقًي. ثم َيتمُّ تغذيتها عن طريقِ مفاعلٍ حيويٍ bioreactor سامحاً للأنسجةِ الجديدةِ بالنمو وملء الهيكلِ البروتيني. ولأنَّ الأنسجةَ الرخوةَ للمتبرعِ لم يتبقَ منها أيُّ شيء، فإنَّ العضَو الجديدَ لن يتمَّ اعتبارهُ كجسمٍ غريبٍ وبالتالي لن يَتمَّ رفضهُ من قبلِ الجهاز المناعي للمتلقّي.
إنَّ الساعدَ الأمامي هو عضوٌ يَصعُبُ اصطناعهُ بالمقارنةِ مع القصبةِ الهوائية، إذ أنَّهُ يحتاجُ إلى نموِّ عددٍ من عدةٍ أنواعٍ مختلفة من الخلايا. بدأ Ott بتعليقِ الطَّرف العلوي بالمفاعلِ الحيويِ بعدَ نزعِ الأنسجةِ منه في المرحلة الأولى، مُحولاً شريانَ الكولاجين إلى دورةٍ دمويةٍ اصطناعيةٍ لتوفيرِ الموادِ الغذائيّة والأوكسيجين، والتحفيزِ الكهربائي للطَّرف. ثم قامَ بحقنِ الخلايا البطانيّة البشريّة في هياكلِ الكولاجين لإعادةِ تشكيلِ أسطحِ الأوعيةِ الدمويةِ، وهذا أمٌر بالغٌ في الأهميةِ لأنَّه يَجعَلُ الأوعيةَ أكثرَ قوةً ويمنعُ تمزقها عندَ دورانِ السوائلِ فيها.
عندَ ذلك، قامَ بحقنِ خليطٍ من الخلايا المأخوذة من الفئرانِ التي تحوي الأرومة العضليّة، هذه الخلايا التي ستنمو لتصبحَ عضلاتٍ في تجاويف الهيكلِ البروتيني حيثُ تَتوضعُ العضلاتُ عادةً. وخلالَ أسبوعين أو ثلاثة، تمَّ إعادةُ بناءِ العضلاتِ والأوعيةِ الدمويّة. وأخيراً أنهى Ott الطرفَ الذي قامَ بتنميتهِ بتغطيتهِ برقعٍ من الجلد.
لكنْ هل عضلاتُ هذا الطرف ستعملُ؟ لمعرفةِ ذلك، استخدمَ الفريقُ النبضاتِ الكهربائيّة لتنشيطِ العضلاتِ، ووجدوا أنَّ مخلبَ الجرذِ كانَ يتقلَّصُ ويسترخي "هذا يُوضحُ أننا نستطيعُ أنْ نَثني اليد"، كما قامَ الباحثون بوصلِ الطّرف الحيويّ إلى جرذانٍ سليمةٍ بعد تخديرها، ووجدوا أنَّ دمَ الجرذِ يدورُ في الطرفِ الجديدِ.
في الوقتِ الذي تمَّ فيهِ نَزعُ الأنسجةِ من نحو 100 طرفٍ أماميّ لجرذانٍ، وإعادةِ ملء نصفهم على الأقل، لا يزالُ هناكَ الكثيرُ من العملِ للقيامِ به على حَدِّ قولِ Ott. ففي البدايةِ يجبُ زراعة الطرفِ مع العظام، الغضاريف والخلايا الأخرى لمعرفةِ إمكانية تجديدها. ثم يجبُ التأكدُ من أنَّ النظامَ العصبيَّ سينمو ويتطور، وقد أظهرت نتائجُ زرعِ اليدِ أنَّ هذا يحدثُ من خلالِ تَغلغلِ الأنسجةِ العصبيّة للمتلقِّي داخلَ اليدِ المزروعةِ سامحاً لهم بالتحكُّم بالعضوِ الجديد.
أظهرَ Ott وزملاؤه أنَّ الأطرافَ الأماميةَ للثديّاتِ الراقيةِ يُمكن أنْ تفرغ من أنسجتها بنجاحٍ أيضاً، حيث قامَ فريقه بإعادةِ مَلء الهياكلِ الرئيسيّة بالخلايا البشريّة التي تشكلُ الأوعيةَ الدمويةَ، وهي المرحلةُ الأولى في تنميةِ العضوِ الحيوي بمقاييس بشرية، وبدأ التجاربَ باستخدامِ أرومةٍ عضليةٍ بشريةٍ في الجرذان عوضاً عن استخدام تلكَ الخاصة بالفئران. لكننا نحتاجُ إلى المزيِد من العملِ ويتطلَّبُ الأمُر عقداً من الزمنِ على الأقل، قبلَ أنْ يُصبحَ أولَ عضوٍ حيويٍ قابلٍ للتجربةِ على الإنسان على حدِّ تعبير Ott.
"تُعدُّ هذه خطوةً هامةً تعتمدُ على أساسٍ علميٍ سليم، لكنْ يوجدُ بعضُ التحديّات التقنيّة التي يجبُ على فريقِ Ott معالجتها" يقول Steve Badylak من جامعةِ بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، والذي استخدمَ رُقعاً مبنيةً على هياكلٍ بروتينيةٍ مصنوعةٍ من عضلاتِ الخنزير لإعادةِ تشكيلِ عضلاتِ ساقٍ متضررةٍ لأكثرَ من 13 شخص. "إنَّ التحدي الأكبَر في كلِّ هذه التجربة هو الدورةُ الدمويةُ، والتأكدُ من تَوضعِ أصغرِ الشُّعريات الدمويّة بشكلٍ صحيحٍ على الخلايا البطانيّة بحيث لا تنهارُ مسببةً تجلُّطاتٍ وخثراتٍ، فهذا الأمُر يشبهُ إلى حدٍ كبيرٍ المبادئَ الأساسيةَ المُتبعةَ في نهجِ الهندسة".
ويقول Oskar Aszman من كليّة الطب بجامعة فيينا في النمسا وهو مخترعُ اليدِ الإلكترونيةِ التي يستطيعُ الناسُ التحكمَ بها من خلالِ أفكارهم: "في عضوٍ معقدٍ مثلَ اليدِ، هناكَ الكثيرُ من الأنسجةِ والأجزاءِ، الأمرُ الذي يَجعلُ من غيرِ الممكنِ تطبيقُ هذا البروتوكول، فاليدُ تُغَذّيها آلافُ الأعصابِ التي تملكُ وظائفاً محددة، وهذا بحدِّ ذاته مشكلةٌ لا يمكنُ تجاوزها، وإنْ كانَ هذا الجهدُ يستحقُّ الثناءَ، لكنَّهُ يجب أن يبقى في هذه المرحلةِ ضمنَ حدودِ الدراساتِ الأكاديميّة، وأنْ لا يتعداها إلى الدراسات السريرية".
في البشر، يتصوّرُ Ott توسيعَ نطاقَ برامجِ التبرعِ بالأعضاءِ لتشملَ الأطرافَ. فالخلايا اللازمة لإعادةِ تشكيلِ الأوعيةِ الدمويّةِ يمكنُ الحصولُ عليها من الأوعيةِ الثانويةِ للشخصِ المتلقّي، في حين أنَّ خلايا العضلات يمكن أنْ تأتي من خزعاتٍ مأخوذةٍ من العضلاتِ الكبيرةِ كالفخذ. فإذا أخذنا 5 غرام أي ما يعادلُ حجمَ الإصبع، يمكننا أنْ نستخدمهُ لتنميةِ أرومةٍ لهيكلٍ بشريّ كامل.
"بوجود 1.5 مليونِ شخصٍ من مبتوري الأطراف في الولايات المتحدة وحدها، فإنَّ هذا العمل بالغُ الأهميةِ، ففي الوقت الحالي إذا فقدَ شخصٌ ذراعاً، ساقاً أو نسيجاً رخواً خلالَ علاجهِ من السرطان أو من الحروق على سبيلِ المثال، فإنَّ الخيارات المتاحة له محدودةٌ للغاية" يقول Ott.
على الرغمِ من أنَّ هذا النوع من الدراسات قد يكونُ أملاً بحصولِ نقلةٍ نوعيةٍ في طرقِ علاجِ واستبدالِ الأعضاءِ المبتورةِ، إلا أنَّ هذا المجال ما يزالُ يواجهُ صعوباتٍ شتّى، وقد يتطلبُ الأمرُ سنواتٍ طويلةٍ من العملِ والدراسةِ والتجاربِ المخبريةِ قبلَ أن نستطيعَ اصطناعَ أعضاءً معقدةً في المختبر، حتى أنَّ البنى الأكثرَ بساطةً كالقصبةِ الهوائيّةِ لم تصل إلى مرحلةٍ نهائيةٍ موثوقة، فبالرغم من حصولِ عملياتِ زرعٍ سابقاً، إلا أنَّ النتائجَ لم تكنْ جميعها جيدة، فقد انتهت بعضُ الحالات بموتِ المتلقّي، وتمّت محاكمةُ بعض الباحثينَ بتهمةِ سوءِ السلوكِ العلمي أيضاً، لذلك لا يُمكن حالياً تقديرُ الوقتِ الذي يحتاجهُ العلمُ ليصلَ إلى هدفهِ في هذا المجال.
رابط الفيديو: هنا
المصادر:
هنا