أهم 10 إكتشافات فلكيّة.
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
وقد تطورت نظرة الإنسان ومفهومه عن الكون عبر الزمن. لكن هذا التطور لم يكن وليد لحظة عابرة أو إلماحة ذكية، بل كان حصيلة تراكم العديد من الاكتشافات التي تركت أثراً في إدراكنا لكوننا، أو لعلها أكواننا!!
نستعرض في هذا المقال الاكتشافات العشر الأكثر أهميةً وتأثيرًا في علم الفلك، مُرتّبةً من الأقل أهميةً تدرجًا نحو الأكثر أهمية.
ونشير هنا إلى أن المقال يستعرض الاكتشافات وحسب، دون التطرق للعديد من النظريات (مثل نظرية النسبية مثلًا) التي لها - ولا شك - أثرً كبير في دفع علم الفلك لاستقصاء مناطق مجهولة من المعرفة البشرية.
10- تطابق إشعاع الخلفية الكونية مع طيف الجسم الأسود (COBE، 1990) :
شكَّل التوهج الخافت للإشعاع الميكروي الذي يسود الكون دليلًا جيدًا على نظرية الانفجار العظيم لمعظم الخبراء. ذلك أن هذا الإشعاع لو كان ناتجًا بحق عن الانفجار العظيم، لأبدى نمطًا محددًا لشدته على مختلف الأطوال الموجية. ويتطابق هذا النمط مع طيف الجسم الأسود. ولو كان هناك أي انحرافٍ عن ذلك الطيف لكان من المحتمل ألا يكون الانفجار العظيم مسؤولًا عن هذا الإشعاع. لكن أتت القياسات المأخوذة من الساتل (التابع الاصطناعي) المكرَّس لقياس هذا الإشعاع والمسمَّى COBE في العام 1990 مطابقةً تمامًا لطيف الجسم الأسود. مما دحض الادعاء بأن ليس لفرضية الانفجار العظيم ما يدعمها.
9- لا تناحي لإشعاع الخلفية الميكروية الكونية (COBE، 1992):
أدرك العلماء أن إشعاع الخلفية الميكروية الكونية لا يمكن أن يكون تامَّ التماثل في جميع أرجاء الكون، وإلا لكان من غير الممكن للمجرات أن تكون موجودةً في يومنا هذا. ذلك أن تلك "البذور الصغيرة" من المادة، التي نمت في نهاية المطاف لتُشكِّل المجرات، لا بد وأن تكون تركت أثرًا مميزًا في درجة حرارة إشعاع الخلفية، ومسببةً ظهور فروقاتٍ طفيفة في درجات الحرارة بين مختلف النقاط في أرجاء السماء، وهو ما يُسمى لا تناحي. كان COBE الساتل الأول الذي رصد تلك الفروقات وقاس مقدارها، مقدِّمًا مساهمةً حاسمةً في تجميع الأجزاء المُشكِّلة لتاريخ الكون.
8- الفضاء مُسطح (BOOMERanG، 2000):
في انتصارٍ كبيرٍ للتجارب العلمية التي تستخدم المناطيد تمكّن مشروع BOOMERanG من قياس الزوايا ما بين التموجات في إشعاع الخلفية الميكروية الكونية، ليستنبط منها أن هندسة الفضاء (أو المكان) تكاد أن تكون إقليديةً تمامًا، أي أنه عمليًا "مُسطَّح".
وكان منطاد مشروع BOOMERanG قد أُطلق ليحوم حول القطب الجنوبي ويعود إلى نقطة الانطلاق.
ساعد الاكتشاف بأن الفضاء بمجمله مسطحٌ على تأكيد اكتشافٍ مهمٍ آخر وهو الطاقة المظلمة Dark Energy (انظر الاكتشاف رقم 5).
حيث أنه بدون وجود الطاقة المظلمة فإنه لا تتوافر في الفضاء المادة والطاقة الكافيتين لجعله مسطحًا.
7- الكوازار (أشباه النجوم) (Maarten Schmidt، 1963) :
كانت مفاجأةً كبيرةً في ذلك الوقت وجود أجرامٍ لامعةٍ بشكل ٍكبيرٍ على مشارف الجزء المرئي من الكون. فقد بدت الكوازرات كالنجوم، ولكنها كانت بعيدةً جدًا لتتم رؤية لمعانها، ما لم تكن تأوي ظواهرَ مفعمةً بالطاقة الهائلة.
أطلقت الكوازرات الأشعة الراديوية وغيرها من الأشعة الكهرومغناطيسية في جميع أرجاء الكون، موفرةً بذلك مصادر جديدةً للمعلومات عن أحداثٍ منتشرة في هذا الكون.
6- المادة المظلمة (Fritz Zwicky، 1931):
لاحظ العالم زويكي Zwicky أن حركة المجرات في العنقود المجري Coma لا يمكن تفسيرها بالاعتماد على الكتلة الظاهرة لهذه المجرات وحدها. لذا افترض أن الكثير من المادة في هذا الكون هي مادةٌ خفية أو مظلمة. وكتب حينها: "في حال تم تأكيد وجود مثل هذه المادة، فإننا سنصل لاستنتاج واضح بأنها ذات كثافة أعلى بكثير من المادة المرئية (أو العادية)".
غير أن العديد من العلماء لم يدرك إلا بعد فترةٍ طويلةٍ بأن المادة في الكون في معظمها هي مادةٌ مظلمة، كما أنها من طبيعةٍ مختلفةٍ كليًا عن المادة المرئية في الكون، والتي تتكون بشكلٍ أساسي من البروتونات والنترونات.
5- الطاقة المظلمة (Saul Perlmutter et al، Brian Schmidt et al، 1998):
شكَّلت الطاقة المظلمة صدمةً أخرى لمجتمع الفلكيين. وأتتهم من فريقين مستقلين في العام 1998. فقد أظهرت البيانات الخاصة بلمعان المستعرات الفائقة (سوبرنوفا) البعيدة جدًا أن هناك شيئًا غير صحيح في حالة كان توسع الكون يتباطأ بشكل خفيف، كما كان الاعتقاد سائدًا في الأوساط العلمية في ذلك الوقت ولفترة طويلة. فبدلاً من ذلك بيّنت أن الكون يتوسع أسرع فأسرع. وهذا التوسع المتسارع يعني أن هناك شيئًا ما في الكون (يطلق عليه حاليًا الطاقة المظلمة) يدفع أجزاء الكون للتباعد سريعًا عن بعضها. بالطبع فإن تحديد ماهية هذه الطاقة سيكون من أهم الانجازات التي ستُضاف إلى هذه القائمة حالما ينجح عالم ما في اكتشاف ذلك.
4- موجات الجاذبية البدائية: (BICEP2، 2014) :
مثَّل هذا الاكتشاف حتى الآن أحد أهم اكتشافات القرن الواحد والعشرين الفلكية. فهو لم يؤكد على حقيقة وجود موجات الجاذبية فحسب (مما يسهم في تأكيد صحة نظرية النسبية العامة) بل إنه شكَّل علامةَ يقين على التضخم الذي حدث مباشرةً بعد الانفجار العظيم وحدَّد مستقبل التطور الكوني. وربما يُفضي هذا الاكتشاف أيضًا إلى وجود عددٍ لا نهائيٍ من الأكوان المتوازية، حيث أن معظم نسخ نظرية التضخم التي تمت دراستها تقتضي أن يكون كوننا واحدًا من عدة فقاعات زمكانية كبيرة أي الأكوان المتعددة.
بالطبع ستظل فقاعتنا هي الأفضل من بين جميع الفقاعات المحتملة.
3- إشعاع الخلفية الميكروية الكونية (Arno Penzias and Robert Wilson، 1964):
تم هذا الاكتشاف بطريق الصدفة! فقد لاحظ مهندسا الاتصالات بنزياس وويلسون Penzias and Wilson أنه ومهما تشددا في تنظيف الهوائي المستقبل سيظل هناك تشويشٌ ثابتٌ يرِد من جميع أنحاء الكون. لقد كان هذا التشويش الثابت صدى ولادة الكون! أو بمعنى آخر كان بقايا الدخان المنبعث من بندقية الانفجار العظيم، لكن على شكل أشعة ميكروية. مثَّل هذا الإشعاع بقايا كرة النار للانفجار العظيم، فقد كان الكون حارًا جدًا عند ولادته، لكنه أصبح باردًا جدًا الآن، فلا تتجاوز حرارته الثلاث درجات فوق الصفر المطلق، أي على مقياس كالفن.
2- المجرات (Edwin Hubble، 1925):
في ما يمكن أن يكون استباقاً لفكرة الأكوان المتعددة، أثبت العالم هابل أن بعض بقع الضوء الخافتة، التي كان يُطلق عليها اسم السُّدم، لم تك مجرد سحبٍ داخل مجرتنا درب التبانة، بل كانت مجرات بحد ذاتها، أو كما سماها هابل Hubble الجُزُر الكونية "Island Universes ". فقد كان التصور السائد قبل اكتشاف هابل هذا بأن مجرة درب التبانة التي تحوي الأرض والشمس تُشكِّل الكون بمجمله. وينسب هذا التصور إلى العالم هارلو شابلي Harlow Shapley، غير أن هابل استطاع باستخدام أقوى المقاريب ( التلسكوبات) المتاحة في ذلك الوقت الكشف عن نجمٍ في سديم المرأة المسلسلة Andromeda تتباين درجة سطوعه بشكل دوري ومنتظم. وكان هارلو نفسه قد استعان بمثل هذه "المتغيرات القيفاوية" Cepheid variables لقياس أبعاد مجرة درب التبانة، ، مما اضطره للتنازل عن فرضيته عندما أثبت هابل أن ذلك النجم بعيد إلى الحد الذي لا يمكن معه أن يكون داخل مجرة درب التبانة.
1- الكون يتوسع (Hubble، 1929) :
على الرغم من أن العديد من العلماء قد وصل إلى احتمال أن الكون في حالة توسع، إلا أن العالم هابل واستنادًا إلى تحليل المعطيات التي جمَّعها الفلكيان سليفر وهوماسون (Vesto Slipher and Milton Humason) ، كان أول من قدّم تحليلًا حاسمًا يثبت أن الكون يكبر (أي يتوسع). وشكَّل هذا الاكتشاف أعظم ثورة فكرية في التصور البشري للكون منذ زمن العالم كوبرنيكوس. ولا شك أن إزاحة هذا الاكتشاف عن المرتبة الأولى في هذه القائمة سيتطلب شيئًا استثنائيًا بحق، قد يكون فرضية الأكوان المتعددة مثلًا.
المصدر: هنا