مراجعة رواية (ذئب السهوب): ليست للمجانين فقط!
كتاب >>>> روايات ومقالات
تبدأ الرّواية بشهادةٍ يُقدّمها شابٌ مجهول عاش بالقربِ من هاري -بطل الرواية الرئيسي- لفترة وجيزةٍ يَتحدّثُ فيها عن غموضِ وغرابةِ شخصيّةِ هذا الرجل، وعن مخطوطهِ الذي تَركهُ في غرفتهِ قبل أن يختفي للأبد.
في القسم الأوّل من الرواية وعنوانهُ "مدوّنات هاري هاللر/ للمجانين فقط"، نتابع تحليلًا لشخصيّةِ هاري، صِراعاتهِ وعلاقاتهِ بالمجتمع المُتشوّق لخوضِ حربٍ جديدة.
أمّا في القسم الثاني، يروي لنا هاري مجموعةً من الأحداث الغرائبيّة التي عاشها، ويُحدّثنا أكثر عن الصّراعِ الدائر بين هاري الإنسان ونصفهُ الآخر الذئب، وكيف أنه قد نظّمَ حياته بجَعلِها لا تناسب أحدًا، وجعل حُرّيّته تكمن في موته، واستقلاله في عزلته، ورغبته الجامحة بالانتحار، وبحثه عن هذا المسرح "المخصص للمجانين فقط".
وفي الثلث الأخير يتصاعد النّسقُ تدريجياً، ويُسيطرُ عالمٌ من السوريالية على رحلة ذئبِ السّهوب، الذي سيتعرّف من خلالها على صديقته ماريّا وعازف الجيتار بابلو، ويذهب معهم لمعرفةِ آلاف الشخصيّات التي تَسكُنُهُ وتتصارع داخِلهُ، فيلجُ عشرات الأبواب والعوالمِ السّحرية والتي تقوده مرّةً ليُصبِحَ قاتلاً بلا رحمة، ومرّة تُعيده إلى طفولته وحبّهِ الأول، ثم تُحيلنا الرواية إلى إقدام هاري على قتلِ صديقته ماريّا، وكيف أُصدِرَ بحقّه حُكمٌ بالحياة المؤبّدة، تكتنفهُ الرمزيّة ويَحتمل دلالاتٍ نفسيّة عميقة.
في النهاية يعملُ هاري على تصميم حياتهِ بناءً على ما جَمع من قطعٍ مبعثرة لصورِ شخصيّته المتشابكة، إلى أن يصل إلى الصّورة المُثلى لحياته وخلوده، وهكذا تمرّ بنا الرواية من خلال أجزاءٍ متداخلة، وتَلاعبٍ مُتقَن مَارسهُ "هيرمان هيسّه" في الأبعاد الزمانية والمكانيّة للنص، ومزجِ اللاواقع بالحياة، والخلود بالفناء والسحر بالحقيقة، حتّى نَصل إلى خاتمةٍ لا تبخل علينا بالمفاجآت التي صادفتنا خلال قراءة هذه الرائعة الأدبية.
الرواية ملأى باللوحات والموسيقى والشعر، يتداخل فيها عمقُ الفلسفة مع روح الإيمان، لتشكّل ذروة فكر هيرمان هيسّه، رائد أدب التجربة، الذي آمنَ في معظم أعماله الأدبيّة بأنّ دَور الكاتب ليس تحسين الواقع، بل إسقاط معاناته الشخصيّة وأحلامه، لإطلاع القارئ على عالمٍ أفضَل يمكن أن يصل إليه يومًا ما.
معلومات الكتاب:
عنوان الرواية: ذئب السّهوب.
المؤلّف: هيرمان هيسّه.
ترجمة: أسامة منزلجي - دار حوران للطباعة والنشر - دمشق 1997.
تقع الرواية في 255 صفحة.