أسرار الصبغيّ الجنسيِّ X
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
تختلف الصبغيّات الجنسية عند البشر بين الذكر والأنثى، فبينما تتمثل الصبغيّات الجنسية عند الذكر بالصيغة XY فإنها تتمثل عند الأنثى بالصيغة XX، ولكن واحدةً من هاتين النسختين تكون فعَّالةً فقط. بمعنى آخر؛ كلا الجنسين يملكان نسخة فعالة واحدة فقط من الصبغيّ X.
وقد اكتشف العلماء عام 2002 أنَّ الصبغيّ X هو صبغيٌّ غير عاديٍّ، لأنه يحتوى على مورثاتٍ قليلةٍ جداً من تلك المورثات الهامة التي تحتاجها الخليةُ في وظائفها الأساسية، والتي يطلق عليها اسم "مورثات التدبير المنزلي"(housekeeping genes)*، وكنتيجة للأبحاث المتتالية وتحليل أكبر مجموعةٍ من البياناتِ حول نشاط وتعبير المورثات الموجودة على الصبغيّ X ومقارنتها مع تلك الموجودة على باقي الصبغيّات، استطاع العلماءُ تفسيرَ سببِ غرابةِ هذا الصبغيّ، ففي دراسةٍ نُشرت في مجلة Plos لعلم الأحياء، وجد القائمون على هذه الدراسةِ أنَّ أعلى معدلٍ لمستوى التعبير الوراثي للمورثات الموجودة على الصبغيّ X كان أقل من النصف تقريباً مقارنةً مع الصبغيّات التي تمتلك نسختين فعَّالتين!
أشرف على هذه الدراسةِ البروفيسور Laurence Hurst الذي أوضح أن المورثات المرتبطة بالصبغيّ X تميل نسبياً لأن تكون في أنسجةٍ محددةٍ جداً (Tissue specific genes)**، ولقد تم توضيح ذلك منذ أكثر من عشر سنوات، وتفسِّر هذه الدراسة السبب الذي يجعل الصبغيّ X غريباً جداً، حيث يضيف البروفسور Hurst قائلاً: لقد وجدنا أنَّ الإجابةَ بسيطةٌ للغاية، وهي تتلخص في أنَّ جميع الصبغيّات تعمل ضمن أزواج، أي أنه يوجد من كل مورثة نسختان في كل خلية، بينما يوجد نسخة فعَّالة واحدةٌ في الصبغيّ X .
من المعروف أنَّ مورثات "التدبير المنزلي" تميل إلى أن تكون نشطةً جداً، وبالتالي لا يمكنها أن تنجو إذا بقيت متموضعة على الصبغيّ X ، ولقد حدد فريق العمل المورثات التي انتقلت من الصبغيّ X إلى كروموسوماتٍ أخرى على مرِّ الزمن التطوري، وتلك التي انتقلت بالاتجاه الآخر، وقد وجدو أنَّ المورثات التي هاجرت الى الصبغيّ X لديها معدلاتُ ذروةٍ منخفضةٍ في التعبير الجيني مقارنةً بتلك التي هاجرت برحلةٍ معاكسةٍ، وشبَّهَ Hurst ذلك بحركة المرور على طريقٍ سريعٍ ذو مسربين مرورييِّن، حيث تكون فيه الحركة المرورية أسرع، مقارنةً مع طريقٍ بمسربٍ واحد، فالصبغيّ الوحيد أشبَهُ بالطريق الذي يملك مسرباً واحداً، وبالتالي سوف يكون هناك ازدحامٌ شديدٌ للتعبير الجيني على الصبغيّ X وخاصة في فترات الذروة، ولهذا لن يكون الصبغيّ X مكاناً محتملاً للمورثات ذات التعبير الجيني المرتفع. فعلى سبيل المثال المورثات التي تنشط في بعض الأنسجة كالبنكرياس والتي تفرز عدداً كبيراً من الهرمونات البروتينية، تُعتبر نادرة الوجود على الصبغيّ الجنسي X مقارنة مع الصبغيّات غير الجنسية.
كما وجدت الدراسة أيضاً أنَّ المورثات ذات التعبير الجيني المرتفع على الصبغيّ X أقل عرضةً لزيادة مستوى التعبير الجيني على مرِّ الزمن التطوري، بخلاف تلك التي وجدت على الصبغيّات الأخرى والتي تميل لزيادة مستوى التعبير الجيني لديها مع الزمن.
ورغم ذلك فإنَّ أياً من التفسيرات التي تمَّ شرحها سابقاً، لا تعطي حلاً شافياً للأسرار والغموض الذي يكتنف الصبغيّ X فمثلاً اذا تمَّ استثناء المورثات التي تعبِّر عن نفسها فقط في النسج التي توجد في جنس واحد (كالأنسجة التي تشكل الأعضاء الجنسية)، أو تلك التي تشارك في تشكيل الحيوانات المنوية، فإن ما تبقى من المورثات لديه فعاليّةٌ نسبيةٌ في أنسجةٍ محددةٍ فقط.
كان لهذه الدراسة أثرٌ على العلاجات الطبية الحديثة، كالعلاج الجيني لأنها توضح أن الجينات البديلة والتي يتم ادخالها الى الصبغيّات لا ينبغي ادراجها في الصبغيّ X ، لأن الطوابير الكبيرة للجينات يمكن أن تحدَّ من مدى التعبير الجيني لهذه الجينات المستبدلة.
وكنتيجةٍ عامةٍ يقترح المقال أن سبب فقر الصبغيّ X بالمورثات الأساسية، هو هجرة هذه المورثات إلى صبغيّات أخرى حيث تتمكن من التعبير عن نفسها بمعدلٍ أعلى، وذلك لعدم وجود نسختين فعَّالتين لهذه الصبغيّ ضمن الخلايا في كلٍ من الجنسين.
الحاشية:
*مورثات "التدبير المنزلي" housekeeping genes: هي مورثات يتم التعبير عنها في جميع خلايا الجسم للحفاظ على وظائف الجسم الطبيعية.
**المورثات الخاصة بالنسيج Tissue specific genes: هي مورثات يتم التعبير عنها في نسيج معيّن للقيام بوظيفة معينة، مثل المورثات المسؤولة عن إنتاج الإنسولين والتي لا يتم تفعيلها إلا في نسيجٍ محدد وهو البنكرياس، أما في باقي الأنسجة كالجلد مثلاً فتكون مُعطلة وغير فعَّالة.
المصادر:
هنا
البحث الأصلي: هنا