مراجعة كتاب (تاريخ موجز للزمن): من الإنفجار الكبير حتى الثقوب السوداء
كتاب >>>> الكتب العلمية
وللإجابةِ عن هذه الأسئلة؛ أخذَ هوكينغ القارئَ خطوةً خطوةً مِن الصفحاتِ الأولى للكتاب، للتعريفِ بصورتِنا الأوَّليَّة للكون، وكيف تطوَّرتْ وتغيَّرتْ هذه الصورةُ حتى القرنِ العشرين.
في الفصلِ الأول، يتحدَّثُ الكاتبُ عن كيفيّةِ تطوُّرِ تصوُّراتِنا عن الكونِ وماهِيَّتِه عبرَ العصور، بَدْءًا بأرسطو وبَطْلَيموس وكوبّرْنِيكوس، ومرورًا بغاليليو، ثُمَّ نيوتن فأينشتاين.
يبدأُ بعدَها في الفصلِ الثاني مِن الكتاب، فصلِ (الزمانُ والمكان)، بالحديثِ عن النظريةِ النسبيَّةِ التي جاء بها أينشتاين عامَ 1905، التي اقترحتْ منظورًا جديدًا للفيزياء، ومفهومًا آخرَ للزمانِ والمكان، أو ما يُدعى اصطلاحًا: (الزمكان). فكانت النظريَّةُ النسبيَّةُ ثورةً علميَّةً على المفاهيمِ القديمةِ للكون؛ فالفكرةُ القديمةُ عن كونٍ لا يتغيَّر، حلَّتْ مَحِلَّها نظريَّةٌ عن كونٍ متمدِّدٍ ديناميكيّ، يبدو أنَّه قد بدأَ منذ وقتٍ معيَّن، وسينتهي عند وقتٍ مُتَنَاهٍ في المستقبل. فنحن الآنَ ننظرُ إلى الكونِ على أنه متمدِّد، ولمْ نعُدْ نظنُّ أنَّ الكونَ هو مجرَّتُنا فقط. وقد برهنَ على هذا العالمُ الأمريكيُّ (إدوين هابل Edwin Hubble (1889-1953، حين قال إنَّ الحقيقةَ أنَّ مجرَّتَنا ليست المجرَّةَ الوحيدة؛ فهناك مجرَّاتٌ غيرُها، ثم قام بحسابِ المسافاتِ إلى تسعِ مجرَّاتٍ أخرى. لكننا الآن على يقينٍ بأنَّ مجرَّتَنا ليست إلا واحدةً مِن آلافِ ملايينِ المجرَّات. وبما أنَّ المجرَّاتِ كلَّها تتباعد؛ فليس غريبًا أنها كانت كلُّها في المكانِ نفسِه.
أمّا مِن ناحيةِ الزَّمان، فقد نَبَذَ أينشتاين فكرةَ الزمانِ المطلَق، وقالَ بأنَّ لكلٍّ مِنّا مقياسُه الخاصُّ للزمن، حيث لا وجودَ لإطارٍ مرجعيٍّ مُطلَق، وأنَّ الزمنَ بدأ عند الانفجارِ العظيم. أما عن نهايةِ الكون، فحسْبَ النظريةِ النسبية، سيصلُ الكونُ إلى نهايتِه عندَ (الانْسِحَاقِ الشديد)؛ وهو أحدُ السيناريوهاتِ المحتملةِ لنهايةِ الكون. والانسحاقُ الشديدُ عمليةٌ معاكِسةٌ للانفجارِ العظيم؛ فعندَ الانسحاقِ يبدأُ الكونُ بالتقلُّص، لينتهيَ نقطةً بالغةَ الصِّغَرِ والكثافة.
بعدَ الحديثِ عن الزمانِ والمكان، ينتقلُ الكاتبُ إلى مسألةٍ مهمة، وهي الثقوبُ السوداء. ومصطلحُ الثَّقْبِ الأسودِ Black hole مصطلحٌ حديث، جاءَ به العالمُ الأمريكيُّ جون ويلر عامَ 1969. ولفَهْمِ الثقوبِ السوداء؛ علينا أولًا فَهْمُ دورةِ حياةِ النجم، الذي يتكوَّنُ عندما تأخذُ كميةٌ مِن الغازِ بالتقلُّصِ بسبب جاذبيَّتِها، وتبدأُ ذَرَّاتُها -التي تتألَّفُ في معظمِها مِن الهيدروجين والهيليوم- بالاصطدامِ بتواتُرٍ أكثرَ وسرعةٍ أكبر، حتى يَبْلُغَ الغازُ مِن السُّخونة ما يجعلُ نَوَى الذَّرَّاتِ تندمجُ مع بعضِها؛ فيشتعلُ النجم. والحرارةُ التي تنطلقُ مِن هذه التفاعلاتِ هي ما تجعلُ النجمَ ساطعًا. وتظلُّ النجومُ ذاتُ الكُتَلِ الكبيرةِ مستقرَّةً زمنًا طويلًا حتى يَنْفَدَ وُقودُها، عندَها ينهارُ النجمُ ويبدأُ بالانكماش؛ ليشكِّلَ ثَقْبًا أسود. وبسببِ الكثافةِ العاليةِ للثَّقْبِ الأسود؛ فإنَّ جاذبيَّتَه تكونُ قويَّةً جدًّا؛ مما يجعلُ مخروطاتِ الضَّوءِ تنحني للداخل؛ فيَصْعُبَ فِرَارُ الضوء. وبما أنه ما مِن شيءٍ أسرعُ مِن الضوء؛ فكذلك ما مِن شيءٍ آخرَ سيمكنُه الفِرار.
ومِن صفاتِ الثَّقْبِ الأسودِ أنّ حجمَه لا يَنْقُص، بل إنه كلّما سقطت مادّةٌ أو إشعاعٌ في الثَّقْب؛ ازدادَ حجمُه، وإذا اصطدَمَ ثَقْبانِ أسودان؛ كوَّنَا ثَقْبًا أسودَ واحِدًا. ولكنْ في حالِ كانت النجومُ ذاتَ كُتَلٍ صغيرةٍ كشمسِنا؛ فستكونُ لها القدرةُ على التوقُّفِ عن الانكِماش، ولن تتحولَ إلى ثَقْبٍ أسود، بل ستستقرُّ بحالة (قَزَمٍ أبيض).
هنا
ثمّ ينتقلُ هوكينغ إلى الحديثِ عن محاولاتِ العلماءِ لإيجادِ نظريَّةٍ موحَّدَة، يمكنُها أنْ تجمعَ بين ما يمكنُ أنْ تفسِّرَه نظريَّةُ الكَمِّ والنظريَّةُ النسبيَّة. والبحثُ عن نظريةٍ كهذه يُعرَف بـ(توحيدِ الفيزياء)، لكنْ ثَمَّةَ مشكلةٌ تواجِهُ العلماء، وهي أنَّه في حالِ وُجِدَتْ نظريةٌ كهذهِ تَصِفُ الكونَ بأسرِه؛ فستكونُ نَموذجًا رياضيًّا معقَّدًا؛ ومِن ثَمَّ فلن نستطيعَ حسابَ تنبُّؤاتٍ مضبوطةٍ صحيحة.
معلومات الكتاب:
صدرَ كتابُ (تاريخٌ موجَزٌ للزمان) لأوّلِ مرةٍ عامَ 1987، وصدرَ مترجَمًا عن الهيئةِ العامَّةِ المصريَّةِ للكتاب عامَ 2000، في 167 صفحة، بترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي.
الترقيم الدولي ISBN: 9780553380163