نظرية الألعاب!
الرياضيات >>>> الرياضيات
يطبّقُ الجميع الرياضيات يومياً وذلك لمعرفة الطقس وحساب الوقت والتعامل مع الأموال. كما نستعمل الرياضيات لتحليل الجرائم وكشف الأنماط وتوقع التصرفات. بالاعتماد على الأرقام يمكننا أن نحل أكبر الألغاز التي تظهر لنا.
هذه المقدمة من المسلسل التلفزيوني Numbers.
في الحلقة العاشرة من الموسم الأول لمسلسل Numbers يقوم دكتور الرياضيات المتعاقد مع شرطة المدينة بوضع المتهمين الثلاثة معاً في غرفةِ تحقيقٍ واحدة ويعرض عليهم نتائج تقييم مخاطر إرسالهم للسجن مالم يعترفوا عن مكان الشاحنة المسروقة. إنّها إحدى تطبيقات نظرية الألعاب.
هل تريد أن تعرف عنها أكثر؟
هنا
تتشابه ألعاب الشطرنج وألعاب النرد ظاهرياً، فكلاهما تخضعان لقوانين بسيطة ومعيار واضح للفوز. وحقيقة الأمر أن هاتين اللعبتين وشبيهاتهما تندرجان تحت مجالين مختلفين من الرياضيات التطبيقية. فلعبة النرد هي لعبةُ حظٍ محضٍ، بينما تعتبر لعبة الشطرنج لعبة استراتيجية.
تهتم نظرية الاحتمالات بألعاب الحظ وحساب احتمالات الربح والخسارة، بينما تُدرَسُ الألعابُ الاستراتيجية ضمن نظرية الألعاب.
لاشك أن الاحتمالات من أشهر المصطلحات المطروقة في عديد من العلوم التطبيقية وحتى الإنسانية، فهي مفردة دارجة على نطاق واسع. ولكن لنظرية الألعاب تطبيقاتها التي لاتقل أهمية. فقد انتشرت تطبيقاتها انتشاراً واسعاً وخاصة في النصف الثاني من القرن المنصرم.
تعريف بنظرية الألعاب:
قبل أن نبدأ بالتّعرف على نظرية الألعاب، دعوني أوضح لكم ما لا تعنيه نظرية الألعاب. إن المُراد بكلمة لعبة في هذا السّياق لا يعني المعنى الدّارج والذي يقتضي التّسلية والمرح،
إن نظرية الألعاب ليست لتصميمِ ألعابِ الفيديو والألعابِ الجماعيةِ فقط. إن نظرية الألعاب تبحثُ في حسابِ استراتيجيات تفاعلٍ بين عدة أطراف لمنفعةٍ ذاتيةٍ متضاربة. بطبيعة الحال كل طرف يريد ربح أكبر قدر ممكن وبأسرع وبأقل تكلفة ممكنة. لذا تظهر تطبيقات هذه النظرية في مناح عديدة مثل الاقتصاد وعلوم الحاسوب والعلوم السياسية والنفسية وغيرها من العلوم الإنسانية. القاسم المشترك بين جميعِ التطبيقاتِ السابقةِ هي أنّها محكومةٌ بالمصالحِ الذاتيةِ المتضاربةِ للمشاركين فيها والتفكيرِ في تصميم البيئةِ الحاضنةِ لهذه التفاعلات للحصول على االنتائج المرجوة.
إن التحدي المطروح في مثل هذه الأحوال هو أنّه كيف يمكنك أن تبني بيئةً عادلةً تضمنُ للجميعِ إمكانيةَ الفوزِ وتقليلَ الخسائر.
لنّعرف اللعبة:
اللعبة(١) هي البيئةُ المُصممةُ ليتفاعلَ طرفان أو أكثرَ وينتج عن هذا التفاعل تغيرٌ في فرصِ الأطرافِ في الفوزِ أو الخسارةِ.
اللعبة(٢) رياضياً تُعرَّف على أنّها تضاربٌ للمصالح بين خصمين أو أكثرَ يخضعون لقوانين ناظمة.
نحتاج الآن أن نُعرّف مصطلحي الأطراف ذات المصالح المتضاربة (Self_Interested Agents) ودالة المنفعة (Utility Function )
الأطراف ذات المصالح المتضاربة:
بطبيعة الحال، إن الأطراف المشتركة في لعبةٍ أو مفاوضاتٍ ما تسعى لأن تزيدَ فرصها بالكسب، ولكن الكسب نفسه يرتبط بمنظور الشخص للعالَم لذا فإن الاختلاف بين الأشخاص سيولِّد مكاسب متنوعة، فمثلاً قد يفضل البعض اكتساب الوقت على الغنى (مثلاً العجوز الغني قد لا يكترث لمخاطرة تدر عليه بربح وفير ولكنها تأخذ الكثير من جهده ووقته الثمين)، وقد يرى البعض الآخر أن تقليل الجهد المبذول للحصول على أمرٍ ما هو أنفع بالنسبة له من اكتساب العلم (لذا يقوم البعض بنسخ نص جاهز من كتاب بدل أن يكتب بنفسه ) ، وقد تكون الخبرة مثلاً هي المنفعة المرجوة من فعلٍ ما بغض النظر عن أي خسارة ممكنة (لذا نرى الفرق التطوعية والمنظمات اللا ربحية) .من هنا ينشأ لدينا أهمية البحث عن دالة المنفعة وتعريفها عند كل طرف من الأطراف المتفاعلة.
دالة المنفعة: هي أداة رياضية تقدم قياساً عددياً لرغبة اللاعب أو عدم رغبته في الوصول لحالةٍ ما. تسمح هذه الدالة للاعب بترتيب أولوياته ورغباته عددياً، وتقوم بتوصيفٍ محددٍ للحالةِ التي لايرغب بها. وعندها فإن القرار سيُتخذ لتكون قيمة هذه الدالة أكبر ما يمكن.
مثال: لنفترض أن لدينا شابٌ متخرجٌ حديثاً من الجامعة، يسعى للحصول على وظيفة ما ولديه الفرصتين التاليتين للعمل ويريد أن يختار ما يناسبه:
أ. فرصة العمل الأولى: عدد ساعات العمل 50 ساعة، الأجر 100 ليرة أسبوعياً.
ب. فرصة العمل الثانية : 40ساعة، والأجر 80 ليرة أسبوعياً.
أنشأ هذا الشاب دالة المنفعة التي تتعلق باختيار العمل المناسب له. فهو لا يمانعُ العملَ لعددٍ كبيرٍ من الساعات لعدم ارتباطه بالتزاماتٍ أخرى ولكنّه يحتاج أجراً جيداً لادخاره. لذلك قدّر أن عامل الأجر ((income ) يكافئ +5)) وقدّر عامل عدد ساعات العمل(( hours ) بأنه عامل سلبي ويساوي -1)). ومنه تكون دالة المنفعة التي أنشأها على الشكل التالي:
U(income،hours)=5*income +(-1)*hours
العرض الأول:
U(100،50)=5*100+(-1)*50=500-50=450
(دالة المنفعة تساوي خمسة ضرب مئة زائد سالب واحد ضرب خمسون وهذا يساوي خمسمئة مطروحٌ منها خمسون والناتج أربعمئة وخمسون)
العرض الثاني:
U(80،40)=5*80+(-1)*40=400-40=360
(دالة المنفعة تساوي خمسة ضرب ثمانون زائد سالب واحد ضرب أربعون وهذا يساوي أربعمئة مطروحٌ منها أربعون والناتج ثلاثمئة وستون)
بالمقارنة بين النتيجتين السابقتين نجدُ أنَّ العرضَ الأولَ أكثرُ ملائمةً ومنفعةً لهذا الباحثِ عن العمل.
يمكننا أن نطرح أمثلة أعقد وأن نضيف عوامل أكثر ضمن دالة المنفعة وتبقى استراتيجية اتخاذ القرار هي ذاتها.
إن بناء تلك الدالة أمر قد يكون شاقاً ومعقداً، فقد تدخل الطبولوجيا في بناء دوال منفعة يُطلب فيها عوامل مؤثرة من أبعاد مختلفة. تعتبر نظرية Von Neumann & Morgenstern، 1944 من أشهرِ النظرياتِ المُستخدمة لمجرد معرفة ما إذا كانت دالة منفعة ما تحقق التوازن لمجموعة من المزايا موجودة أم لا.
سنعرض هنا لعبة تدعى معضلة السجنين:
هي لعبة يقوم فيها سجينان باتخاذ قرار بأن يتعاونا أو لا في حل مشكلةٍ ما، فإن تعاونا معاً فسيحصُل كل منهما على مكافأةٍ تساوي a وإن لم يتعاونا يحصل كلاهما على عقوبة b وإن تعاون أحدهما ولم يتعاون الآخر حصل الأول على أكبر قيمة ممكنة كمكافأة c ويحصل الآخر على أكبر عقوبة ممكنة d.
يمكننا أن نرتب هذه القيم كالتالي: c > a > b > d
إنه مثال على المصالح المتضاربة تماماً، إن اخترنا قيم لكل من {a،b،c،d } بحيث يكون مجموع هذه القيم يساوي عدداً ثابتاً.
مثال آخر:
لعبة ذات المجموع الصفري.
لاعبان لديهما قطعتي نقد، يضع ( لا يرميها* ) كل منهما قطعته على جهة محددة الصورة أو الكتابة. إن اختار اللاعبان الجهة نفسها يربح اللاعب الأول ويخسر اللاعب الثاني، وإن اختلفا يربح اللاعب الثاني ويخسر اللاعب الأول.
يمكننا بناء جدول يوضح القيم العددية المناسبة التي تعكس جميع الإمكانيات:
Image: http://www.syr-res.com
يمكنك أن تلعب هذه اللعبة في الرابط التالي:
هنا
بعض الألعاب المشابهة تجدها على الروابط التالية:
هنا
هنا
بالنتيجة: نظرية الألعاب هي ملاذك الآمن إن أردت أن تعرف كيف تبني دالة المنفعة المتضمنة لمصالحك ،وهي العلم المناسب لدراسة أي قرار من جهة كونه أفضل القرارات الممكنة. كما أنّ الألعاب التوافقية المندرجة تحت نظرية الألعاب هي تلك القائمة بين خصمين كل منهما لديه معلومات تامة عن اللعبة -كالشطرنج و الضاما- ولاتعتمد هذه اللعبة على عنصر الحظ ويتبادل فيها كل من اللاعبين الأدوار أي يتناوبان اللعب .
أما بالنسبة للألعاب التقليدية التي يخفي فيها اللاعبِين معلومات مهمة عن الآخرين، أو أنها تعتمد على معلومات ناقصة فهذا مكانه نظرية الاحتمال.
أتمنى أن يكون هذا المقال قد وضّح لك طريقة عملية لما قد يساعدك بالفوز في معظم قراراتك، سواءً كانت قرارات مصيرية أم أنها مجرد لعبة.
*: إن قام اللاعبان برمي قطعة النقد فإن هذه التجربة لن تكون ضمن نظرية الألعاب بل هي من نظرية الإحتمالات.
المصادر:
الأمثلة الواردة في هذه المقالة مأخوذة من موقع كورسيرا الأسبوع الأول المحاضرة الرابعة:
الرابط: هنا
(١) التعريف الأول لنظرية الألعاب : من كتاب (2007) Short Introduction of Game Theory، Oxford A very Ken Binmore
(٢ ): من منهاج Game Theory على موقع Coursera تقدمة جامعة ستانفورد، Dr. Mathew O. Jackson، Kevin Leyton- Brown، Yoava Shoham