الناعور Hemophilia
الطب >>>> موسوعة الأمراض الشائعة
....................................................................................................
الناعورُ أو الهيموفيليا، وهي كلمةٌ مشتقّةٌ من كلمتين يونانيّتين هما: كلمةُ (Haima) وتعني الدمَ، وكلمةُ (Philia) وتعني الصديق. وهي حالةٌ مرضيةٌ وراثيةٌ يفتقر فيها المريضُ إلى أنواعٍ من البروتيناتِ تُدعى عواملَ التخثرِ، والتي تعمل مع الصُّفَيحاتِ الدمويةِ لوقفِ النزيفِ في موقع الإصابةِ، حيث لا يتخثَّر دمُ المصابِ بمرض الهيموفيليا بشكلٍ سليمٍ مما يجعلُه ينزف لمدة أطولَ، كما أنه أكثرُ عرضةً للنزيف الداخلي.
هناك نوعان رئيسيان من مرضِ الهيموفيليا، هما الهيموفيليا- أ والهيموفيليا- ب. تتميز الهيموفيليا-أ بنقصِ عاملِ التخثّرِ الثامنِ، وهي تشكل حوالي 90% من حالاتِ الإصابةِ بالهيموفيليا، تُعتبر 70% من حالاتِ الإصابةِ بالهيموفيليا-أ من الدرجةِ الخطيرة. أما بالنسبة للهيموفيليا-ب فتتميز بنقصِ عاملِ التخثّرِ التاسع. تُعتبر الهيموفيليا من الاضطراباتِ النادرةِ جداً، حيث يُصاب تقريباً شخصٌ واحدٌ من كلِّ 1000 شخصٍ بالهيموفيليا-أ مقارنةً بشخصٍ واحدٍ من كلِّ 5000 شخصٍ بالهيموفيليا-ب.
وهنالك نوعٌ ثالثٌ من الهيموفيليا وهو الهيموفيليا المكتسبةُ، ويحدث هذا النوعُ بسبب التكوّنِ الذاتيِّ لأجسامٍ مضادّةٍ لاثنين من عواملِ التخثّرِ؛ رقم "9" أو رقم "8". السببُ غيرُ معروفٍ تماماً ولكنْ هنالك عدةُ عواملَ مؤهّبةٍ كالتقدّمِ بالعمر أو الحملِ أو أمراضِ المناعةِ الذاتيةِ أو السرطان.
سُمِّيَ أيضًا بـ"المرضِ المَلَكِيِّ" لأنه كان سائداً عند عوائلِ الأُسرِ الحاكمة، فالملكةُ فيكتوريا نَقلت هذا المرضَ إلى ابنِها وعن طريقِ بناتِها انتقلَ هذا المرضُ إلى العوائلِ الحاكمةِ عبر القارّاتِ، ومنهم الأُسرُ الحاكمةُ في إسبانيا وألمانيا وروسيا.
ما الذي يسبب الهيموفيليا؟
معظمُ حالاتِ الهيموفيليا تكون وراثيةً، فيُولَد الشخصُ مصاباً بهذا المرضِ وفقاً للتركيب الوراثيِّ لديه والناتجِ عن خللٍ في أحدِ مورّثاتِ عواملِ التخثّرِ المحمولةِ على الصبغيِّX (الكروموزوم X).
تصيب الهيموفيليا الذكورَ (XY) بشكلٍ رئيسٍ، وذلك عندما ينتقل الصبغيُّ X المصابُ من الأمِّ إلى الابنِ، حيث يفتقر الابنُ إلى الصبغيِّ X الثاني الذي يمَكِّنُه من التعويضِ عن مورّثاته المَعيبة (أي تلك المورّثات التي فيها مشكلة). في حين أنّ الإناثَ يحمِلْنَ المورّثة المرَضِيّةَ ولكنهنّ يبقينَ معافَياتٍ غيرَ مصاباتٍ بالمرض، فحتى تُصابَ الإناثُ بهذا المرضِ يجب أن تكونَ المورِّثةُ الشاذّةُ محمولةً على الصبْغِيَّين X وهو أمرٌ نادرٌ جداً.
على الرغم من أنّ معظمَ الحالاتِ موروثةٌ، إلا أنه يمكن للشخصِ أن يكتسبَ الهيموفيليا من خلال طفرةٍ وراثيةٍ تلقائيةٍ، كما من الممكن أن تحدثَ في حالِ قام الجسمُ بتشكيلِ الأجسامِ المضادّةِ أو الأضدادِ لعوامل التخثرِ في الدم والتي تمنعها من العمل (الهيموفيليا المكتسبة).
ما هي أعراضُ الهيموفيليا؟
تتميز أعراضُ الهيموفيليا بالنزيفِ الحادِّ وسهولةِ التكدُّمِ، وتختلف شدّةُ الأعراضِ تِبْعاً للنقصِ في عواملِ التخثرِ، كما يمكن أن يحدثَ النزيفُ خارجياً أو داخلياً. قد يُشخَّص الناعورُ لأول مرةٍ عند الطفلِ بعد الخِتانِ حيث ينزف الطفلُ دون توقّف.
تشمل علاماتُ النزيفِ الخارجيِّ: نزيفاً في الفمِ ناتجاً عن جُرحٍ أو رَضٍّ أو فقدانِ الأسنانِ، نزيفاً عفويّاً من الأنفِ، نزيفاً حادّاً من أيِّ جُرحٍ بسيط، في حين تشمل علاماتُ النزيفِ الداخليِّ: دماً في البول أو البُرازِ، وكدماتٍ عميقةً ونزوفاً مِفصليّةً عميقةً ونزوفاً في العضلات، ومع مرورِ الوقتِ يحدث ضِيقٌ في الجوفِ المِفصليِّ بسبب النزفِ المتكرّرِ والتليّفِ الناجمِ عنه، خاصةً في الكاحِلَين أو الركبتين أو المِرفقَين أو المفاصلِ الأخرى، ومن الممكن أن تتورّمَ المفاصلُ مسبّبةً آلاماً عند الحركة
Image: www.shutterstock.com
قد يتعرض المصابُ بالهيموفيليا إلى نزيفٍ داخليٍّ في الدماغ نتيجةَ التعرّضِ لرضٍّ ما أو التعرّضِ لإصابةٍ أكثرَ خطورةً. وتشمل أعراضُ نزيفِ الدماغ: الصداعَ، الهياجَ، الإقياءَ، الخمولَ، تغيّراتٍ سلوكيةً، اضطراباتٍ في الرؤية، نوباتِ صرَع، وغيرها.
كيف يتم تشخيصُ الهيموفيليا؟
نشتبه بالهيموفيليا عند ملاحظةِ أيِّ مشاكلَ بالنزفِ، فيقوم الطبيبُ بدايةً بالاطّلاعِ على تاريخِ العائلةِ الطبّيِّ، وقد يقوم بالفحصِ البدنيِّ كما يطلب تحاليلَ دمويةً فهي تقدم معلوماتٍ عن زمن تخثّرِ الدمِ ومستوياتِ عواملِ التخثرِ، وتساعد بالتحقّقِ من كَوْنِ أيٍّ منها مفقوداً لتحديدِ نمطِ الهيموفيليا وشدّتِها.
تَجري معايرةُ عواملِ التخثّرِ الثامن والتاسع لتأكيدِ التشخيصِ وتحديدِ شدّةِ المرض، إضافةً لدراسةٍ دمويةٍ تخثّريةٍ بمعايرةِ زمنِ النزفِ (bleeding time) وزمنِ التخثرِ (coagulation time) وزمنِ الثرومبوبلاستين الجُّزْئي PTT (Partial Prothrombin Time).
القيمُ الطبيعيةُ للعامل الثامنِ أو التاسعِ في الدمِ والكافيةُ لتخثّرِ الدمِ بشكلٍ طبيعيٍّ هي ما بين 50-150%، وعندما تكون النسبةُ بين 5-50% يُعتبر المرضُ خفيفا،ً ويكون متوسطاً اذا كانت النسبةُ 1-5%، في حين عندما تقلُّ النسبةُ عن 1% تكون الأعراضُ شديدةً جداً.
فيما يتعلّقُ بالسيداتِ الحواملِ اللواتي يحمِلنَ الهيموفيليا، فبإمكان الأطباءِ إجراءُ اختباراتٍ للجنينِ ليتحقّقوا من كونِه مصاباً بالمرض أم لا، وذلك في الأسابيعِ العشَرةِ الأولى من الحمل.
ماذا عن كيفيّةِ علاجِ الهيموفيليا؟
يتم التعاملُ مع مريضِ الهيموفيليا بتقديمِ العلاجِ التعويضيِّ له، وهو إعطاءُ أو استبدالُ عواملِ التخثّرِ لديه -والتي هي إما منخفضةٌ جداً أو مفقودةٌ- برِكازاتِ العاملِ الثامنِ أو التاسعِ، أو يكون العلاجُ بنَقلِ بلازما طازجةٍ للمريض، وأحياناً يُلجَأُ للعامل السابعِ المفعَّلِ. ويتلقّى المريضُ عاملَ التخثرِ إما عن طريق حُقَنٍ يتلقاها تحت الجلد أو وريدياً بعد بدء النزفِ الحادِّ، أو قبلَ وأثناءَ وبعد الإجراءاتِ الجراحيةِ بما فيها الإجراءاتِ السنّيةِ أو بشكلٍ وقائيٍّ في حال الإصابةِ بالنمطِ الشديد.
إنّ العلاجاتِ المعاوضةَ لعوامل التخثرِ يمكن أن تُستخلَصَ من الدم البشريِّ أو تُنتجَ صناعياً في المختبر وتسمّى حينَها "عواملَ التخثّرِ المأشوبة". يحتاج بعضُ المرضى لتلقّي العلاجِ بشكلٍ دائمٍ وبانتظامٍ لتجنّبِ النزف (علاج وقائي)، في حين لا يتلقى البعضُ الآخرُ العلاجَ إلا بعدَ بَدْءِ النزفِ وعدمِ توقفِه.
تحمل العلاجاتُ البديلةُ مخاطرَ مثل:
إمكانيةِ تطويرِ الأجسام المضادّةِ، انتقالِ بعضِ الفيروساتِ (كفيروسات التهاب الكبد) عبرَ نقلِ عواملِ التخثرِ البشريّةِ الملوَّثة، أو أن تُصابَ المفاصلُ والعضلاتُ وأجزاء أخرى من الجسم بضرر.
يتضمن علاجُ الهيموفيليا-أ متوسطةِ الشدّةِ: الديسْموبْرِيسّين Desmopressin وهو هرمونٌ يصنّعه الجسمُ ليحفّزَ إنتاجَ عواملِ التخثرِ المخزّنةِ في الدم، أدويةً مضادةً لحلِّ الفيبرين والتي تساعد على تشكلِ الخثْرةِ، ولربما يتمكن الباحثون في المستقبل من تقديم علاجٍ وراثيٍّ (جينيّ) حيث توصلت دراساتٌ أُجريَت مؤخراً إلى استفادةِ الفئرانِ المصابةِ من العلاج الوراثيّ.
وفي شهر حزيرانَ من عام 2013 أوصَت إدارةُ الغذاءِ والدواءِ الأمريكية FDA بإعطاء Rixubis (وهو بروتينُ العاملِ التاسعِ منقّىً ومأشوبُ الـDNA) للمرضى المصابين بالهيموفيليا-ب بعمر أكثر من 16 عاماً للوقاية والتخفيفِ من شدّة النزف.
هنالك العديدُ من الطرقِ لتجنّبِ النزفِ وحمايةِ المفاصلِ، لعلّ أهمَّها ممارسةُ التمارينِ الرياضيةِ بانتظام، تجنّبُ بعضِ الأدويةِ مثل الأسبرين ومضاداتِ الالتهابِ اللا ستيروئيدية (NSAIDs) ومميّعاتِ الدمِ مثل الهيبارين، كما يجب الاعتناءُ بالصحة الفمويّةِ وأخذُ الحيطةِ والحذرِ أثناء القيامِ بالإجراءات السنّيةِ سواءٌ الروتينية أو الجراحية للشخص المصابِ، وارتداءُ واقياتٍ للرأس والمرفقين والركبتين أثناء القيامِ بنشاطٍ بدني.
تُعطى اللقاحاتُ لمريضِ الناعورِ بشكل حقنٍ تحت الجلدِ وليس عضلياً لتجنّب حدوثِ النزف.
تقييم وظيفةِ المفاصلِ بشكل منتظم.
يمكنكم قراءةُ مقالِنا عن سبب تسميةِ الناعورِ بمرضِ الملوكِ وكيف أصاب الأسرَ الحاكمةَ في أوروبا من خلالِ الرابطِ التالي:
هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا