علم النفس > القاعدة المعرفية
التقلبات المزاجية؛ متى تتحول إلى اضطرابات؟
يصف مصطلح تقلب المزاج التغيّرات السريعة والمفرطة في المشاعر (1) كأن تشعر بالحزن تارة وبالفرح تارة أخرى. وإنّه لأمرٌ عادي أن يصاب جميع الأشخاص بهذه التقلبات (3) شريطة عدم تداخلها مع علاقاتهم بالأشخاص المحيطين بهم، أو تأثيرها سلباً في حياتهم الشخصية أو المهنية (2)؛ فعندها يغدو الأمر مقلقاً ويشير إلى اًوجود حالة خفية تستوجب العلاج (1).
وعلى الرغم من وجود أسباب غير واضحة وراء هذه التقلبات في بعض الأحيان؛ فيمكن للشخص أن يدرك المؤثر الذي أدى إلى تأرجح الحالة المزاجية لديه (1).
بعض المؤثرات الشائعة التي تسبب تقلب المزاج:
1 - التوتر: للحياة اليومية وما فيها من مشاحنات وأحداث غير متوقعة دور كبير في تغير الحالة النفسية لدى الأشخاص -خاصة- الحساسين منهم؛ إذ قد تكون ردة فعلهم تجاه المواقف التي تعترضهم ودرجة تأثرهم بها أكبر من غيرهم (1).
2 - التغييرات الكبيرة التي تطرأ على حياة الأفراد من شأنها أن تؤثر في حالتهم المزاجية (3).
3 – مشكلات النظام الغذائي: فقد يكون الأشخاص الذين يتبعون نظاماً يفتقر إلى المواد الغذائية اللازمة أو لا يحصلون على كميات كافية من الطعام عرضة لتقلبات المزاج بسبب سوء التغذية وتغير مستويات السكر في الدم،، فضلاً عن الاضطرابات الهضمية التي تؤثر في قدرة الجسم على امتصاص المواد الغذائية، وارتباطها في حدوث تقلبات الحالة النفسية، واقترنت هذه الحالاتاً باضطرابات نفسية معينة أيضاً؛ من ضمنها الاكتئاب (1).
4 - مشكلات في النوم: قد يتأثر مزاج شخص ماتأثراً تأثراً كبيراً بكمية النوم الذي يحصل عليه ونوعيته؛ إذ يؤدي الحرمان من النوم -خاصة إذا كان مزمناً- إلى إصابة الأشخاص بتقلبات مزاجية مفرطة، إضافة إلى ظهور أعراض لأمراض نفسية أخرى (1).
5- تناول الأدوية: يمكن أن يكون لبدء تناول دواء معين أو التوقف عنه تأثيراً في الحالة المزاجية للأشخاص؛ ففي حين تعمل بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب على تخفيف اضطرابات المزاج، يمكن لبعض الأدوية الموصوفة لحالات أخرى أن تسبب تقلبات مزاجية كأعراض جانبية. ويمكن أن تشير التغيرات المزاجية -في بعض الأحيان- إلىاً أن الدواء الموصوف ليس الخيار الصحيح للعلاج، أو أنّ تشخيص الحالة المرضية الذي استُنتج خاطئ (1).
6 - مشكلات تحسسية: يمكن لمن لديهم حساسية موسمية أن يتأثر مزاجهم في الوقت السنوي الذي تبدأ فيه أعراض الحساسية بالظهور؛ إذ يسبب العطاس المستمر وتدميع العينين والحكة الإرهاق، لاسيما إذا كانت تتعارض مع فترات النوم، فهذا سيُحدث مشاكلكلات في الحالة النفسية حتماً (1).
ولكن متى تتحول تقلبات المزاج إلى اضطرابات مزاجية؟
إذا كانت تنتابك تقلبات مزاجية حادة على نحو متكرر و مستمر، وتتحول مشاعرك من ابتهاج وسعادة عارمة إلى اكتئاب شديد على نحو منتظم، وإذا كان من الصعب التنبؤ بسلوكك لبضعة أيام أو أكثر؛ فمن المحتمل أن تكون هذه إشارة على وجود ما هو أخطر يدور في حياتك؛ إذ يمكن أن ينطوي على هذه التغيرات في المزاج حالة مرضية تتطلب منك استشارة طبيبك لمعرفة الأسباب الكامنة وراءها.
ويُستخدم مصطلح الاضطرابات المزاجية للتعبير عن هذا النوع من تقلب المزاج غالباً (3).
إنّ الحالات الآتية هي أمثلة عما يمكن أن يكون عليه الأشخاص الذين يقعون تحت تأثير هذا النوع من التقلبات المزاجية الحادة:
- الرغبة في إيذاء النفس والميل للانتحار.
- عدم القدرة على التواصل وزيارة الأصدقاء أو الحصول على قسط كاف من النوم، أو الذهاب إلى العمل، أو افتقار الرغبة في مغادرة السرير كل صباح.
- شدة التأثر والانفعال، وهذا يؤدي إلى أداء أفعال طائشة وغير مسؤولة، كأن تتشكل لدى الشخص رغبة ملحة في صرف المال بلا سبب، أو الانخراط بعمل جنوني وخطير من الصعب التحكم به (3).
إذاً؛ على الرغم من أن التقلبات المزاجية التي تصيبنا بين الفينة والأخرى تبدو أمراً طبيعيَّاً جدَّاً؛ سواء أكان السبب التوتر والقلق أم كان جزءاً من عملية علاج بعض الحالات المرضية، فعلينا أن ننتبه ونتوخى الحذر؛ إذ يمكن أن تكون عرضاً لأحد الأمراض النفسية التي تستوجب العلاج والمتابعة في بعض الأحيان (1).
ويمكن أن تسبب العديد من الأمراض النفسية حالات مزاجية متقلبة حادة، تشمل:
- اضطراب ثنائي القطب: إذا كنت تعاني من اضطراب ثنائي القطب ستكون مشاعرك في تقلب دائم ما بين سعادة عارمة (هوس) واكتئاب شديد، بَيْدَ أن التحولات المزاجية المرتبطة بهذا النوع من الاضطراب تحدث بضع مرات في السنة فقط (3).
- اضطراب دوروية المزاج أو دوريَّة المزاج (Cyclothymia): نوع من أنواع اضطرابات الحالة المزاجية لكنه أقل حدة، وهو شبيه باضطراب ثنائي القطب II، وتتميز مشاعرك هنا بالتأرجح ما بين سعادة وحزن، ولكنها تكون أقل حدة من الأعراض المرافقة لاضطراب ثنائي القطب (1). هنا
- اضطراب الاكتئاب الرئيس (MDD): ويُدعى بالاكتئاب السريري أيضاً؛ فإذا كنت مصاباً بهذا النوع من الاضطراب ستختبر مشاعر حزن شديدة لفترات طويلة من الزمن (3). هنا
- الاكتئاب الجزئي Dysthymia، أو الاضطراب الاكتئابي المستمر (Persistent Depressive Disorder (PDD: وهو نوع مزمن مستمر طويل الأجل من الاكتئاب (3).
- اضطراب الشخصيَّة الحديَّة (Borderline Personality Disorder (BPD: هو نوع من اضطراب الصحة العقليَّة يؤدي إلى حدوث تقلبات مزاجية متواصلة ومفرطة تدوم من بضعة ساعات إلى عدة أيام (1). هنا
- اضطراب السلوك الفوضوي (Disruptive mood dysregulation disorder (DMDD: من الاضطرابات الشائعة في مرحلة الطفولة؛ وهو سلوك انفعالي غير عادي، يعاني فيه الطفل سرعة الغضب وعدم الانضباط في مرحلة نموه (3).
- يترافق هذا النوع من تقلب الحالة المزاجية الحاد مع أمراض نفسية أخرى كالفصام واضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه(ADHD) هنا (1).
تقلبات مزاجية مرتبطة بتغيّرات هرمونية:
للهرمونات، سواء الأنثوية أو الذكرية، ارتباطٌ وثيق مع الحالة النفسيّة للفرد؛ لذلك فإن التغيرات التي تطرأ على مستويات الهرمونات لديك يمكن أن يكون لها دور في حدوث تقلباتك المزاجية.
فعند النساء؛ تؤدي كل من متلازمة ما قبل الحيض والحمل وانقطاع الطمث إلى الإصابة بتقلبات مزاجية من الصعب التنبؤ بحدوثها.
بينما تحافظ هرمونات الرجال على ثباتها واستقرارها حتى عمر 30، ليبدأ بعدها هرمون التستوسترون بالهبوط على نحو تدريجي؛ إذ لدى ما يقارب الثلث من الرجال الذين يبلغون من العمر 73 وأكثر، مستويات متدنية من التستسرون الأمر الذي يمكن أن يسبب تقلب في الحالة المزاجية لديهم (2).
سوء استخدام العقاقير وأثرها في الحالة النفسيّة:
قد يكون الأشخاص الذين يتناولون الكحول ويستخدمون المواد المخدرة أكثرَ عرضًة للإصابة بتقلبات مزاجية شديدة (3)، خاصة إذا كانت هذه المواد غير متوفرة لديهم أو كانوا ممن يحاولون الاستغناء عنها ويقعون تحت تأثير حالة انسحاب المواد المخدرة من الجسم (1).
وقد يقود الإفراط باستخدام هذه العقاقير إلى إدمانها، وهذا بدوره قد يتعارض ويتداخل مع حياتك على نحو سلبي هنا
ومن ثم فإن اضطرابات سوء استخدام العقاقير من شأنه أن يخلّف نتائج غير محمودة على المصاب نفسه والناس المقربين منه، وفي هذه الحال يُنصح بأخذ مشورة أطباء نفسيين مختصّين لتقديم العلاج المناسب الذي يحتاجه المصابون بمثل هذا النوع من الاضطراب (3).
العلاج: كيف السبيل للتخفيف أو الحد من هذه التغيرات في المزاج؟
عندما تتحول تقلباتك المزاجية إلى عائق يمنعك من المضي قدماً في عملك، أو يحول بينك وبين بناء علاقات سليمة مع من حولك، عليك المسارعة لرؤية معالج نفسي كي ينظر في الأسباب (2)؛ إذ يمكنه تقديم المساعدة وإيجاد العلاج المناسب لحالتك، وقد تكون بحاجة للخضوع لجلسات العلاج النفسي أو الدوائي للتخفيف من حدة هذه الاضطرابات المزاجية (3).
كما يمكن اتّباع الطرائق العلاجية الآتية:
- العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral therapy (CBT
هو نوع من العلاج يساعدك في حل مشكلاتك وإدارة حياتك عن طريق تغيير طريقة تفكيرك وسلوكك؛ فمثلاً: إذا كان النقد يسبب لك الإحباط والهلع، فيمكنك من خلال هذا العلاج أن تجد طريقةً للأخذ بالنقد البناء وتقبله.
- العلاج السلوكي الجدلي Dialectical Behavioral Therapy:
يساعد هذا النوع من العلاج الأشخاصَ المصابين باضطراب الشخصيّة الحديّة في كبح نوبات الغضب والهيجان التي تصيبهم، فضلاً عن السيطرة على تقلبات مزاجهم الحادة (2). هنا
في المقابل، يمكن لتغيرات بسيطة تجريها في نمط حياتك أن تعالج حالات تأرجح المزاج الخفيفة التي تصيبك بين الفينة والأخرى، والتي لا تشكل خطراً كبيراً على حياتك، ولكنها أيضاً تسبب لك ولمن حولك الضيق وعدم الشعور بالراحة (3):
1 – واظب على ممارسة التمارين الرياضية على نحو منتظم، فهي تعود بفوائد كبيرة في جميع جوانب حياتك بما فيها حالتك النفسية.
2 – من المهم أن تحصل على قسط كافٍ من النوم؛ لأن الحرمان منه يؤثر سلباً في الحالة المزاجية.
3 – كن أكثر تنظيماً واخلق روتيناً لنفسك والتزم به، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالطعام والنوم.
4 – احرص على اتّباع نظامٍ غذائي صحي متوازن، فهو يساعد في تحسين المزاج.
5 – مارسْ تمارين التأمل والاسترخاء.
6 – تجنب ما يسبب لك التوتر إن أمكن، وإن كان لا مفر منه، تعلمْ كيفية ضبطه والتخفيف منه حين يصيبك.
7 – ابحث عن طريقة تعبّر فيها عمّا يجول في نفسك.
8 – شارك ما تشعر به مع أحد من أصدقائك أو أفراد عائلتك (3).
يمكننا أن نخلص إلى أن الاضطرابات المزاجية هي النوع الذي يشكل خطراً يهدد حياتك النفسية والصحيّة، وتتطلب منك أن تلجأ إلى العلاج الطبي المُمارس من قبل مختصّين محترفين لإرشادك نحو الشفاء منها، في حين يمكن لتغييرٍ تحدثه في نمط حياتك المعتاد أن يساعد في التخفيف وعلاج التقلبات المزاجية الطبيعية (2).
وعليك ألّا تستهين بنوبات تقلب المزاج التي تصيبك، فهي وإن كانت جزءاً من حياة الفرد في بعض الأحيان، وإن اختلفت شدّتها من شخص لآخر، فيجب التفكر في النتائج والآثار التي تحدثها في نفسك والآخرين، إن كانت فعلاً تقوّض حركتك عن المضي قدماً أو لا.
المصادر: