الاضطرابات النفسية عند المراهقين: الجزء الأول
علم النفس >>>> الأطفال والمراهقين
إضافة إلى ذلك فإن العديد من المراهقين يعانون من مشاكلَ أخرى خاصة، مثل كون أحدِ الوالدين عاطلًا عن العمل وتردّي وضع العائلة المالي، أو طلاق الأب والأم، أو التأقلم مع أمراض الأب أو الأم النفسية الناتجة عن تعاطي الكحول المُفرط أو لأيّ سببٍ آخر. وعلى الرغم من كل هذه الضغوط يجب أن نذكر بأنّ الغالبية العظمى من المراهقين يصبحون فيما بعد أشخاصًا بالغين ذوي صحةٍ نفسيةٍ وجسديةٍ جيدة.
لكن في بعض الأحوال قد يُصاب بعضُ المراهقين بمشاكلَ عاطفية كبيرة تحتاج لعناية خاصة.
ونحن هنا سنتكلم عن بعض الاضطرابات النفسية الشديدة التي قد تصيب المراهقين مما يُساعدنا على اكتشاف إصابة مراهقٍ ما بأحدِها وبالتالي محاولة مساعدته للحصول على العناية الطبية النفسية اللازمة:
1-فرط تناول الكحول والمخدرات:
يُعتبر تناولُ المراهقين للكحول والمخدرات أمرًا شائعًا جدًا وقد ينتج عنه العديد من العواقب الخطيرة. ففي إحدى الدراسات وجد أنّ لفرط تناول الكحول والمخدرات دورًا في 50% من حالات الوفاة بسبب الحوادث وجرائمِ القتل والانتحار لمن همْ في عمر (15-24) سنةً، كما يُتَّهم تناول الكحول والمخدرات في التسبّب بحالات الاعتداء الجسدي والجنسي كالاغتصاب مثلًا.
وتتضمن المراحل التي يمرّ بها المراهق الذي يتناول الكحول أو المخدرات غالبًا الامتناعُ عنها في البداية، ثمّ تجربتها، ثم تناولها بشكلٍ منتظمٍ لسببٍ أو بدون سبب، ثم فرط تناولها وأخيرًا الإدمانُ عليها.
يقود التعاطي المستمر للكحول أو المخدرات إلى العديد من الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب، وبالمقابل قد يلجأُ بعضُ المراهقين إلى التعاطي المنتظم بهدف الهروب من مشاعر القلق والاكتئاب وواقع عدم امتلاكهم للمهارات الاجتماعية اللازمة لاستقامة حياتهم. إنّ اجتماعَ كلٍّ من فضولِ المراهقين وجرأتهم وتعرضهم لضغوط اجتماعية معيّنة هو ما يقودهم إلى طرح السؤال التالي (هل سيضرُّني إن جرّبت)؟
من العلامات التي تشيرُ إلى أنّ هذا المراهق أو ذاك يتناول الكحول أو المخدرات بكثرة نذكر:
أ.تراجعٌ في أدائه الدراسي.
ب.تغييرُه لأصدقائه القدامى.
ت.اتصافُه بسلوك المهمل المستهتر.
ث.تراجعٌ في علاقاته مع أهله.
من المحتمل أيضا ترافق هذه الصفات مع بعض الأعراض الجسمية كالسعال المستمر والعيون الحمراء والتغيّر في عادات الأكل والنوم.
2-القهم العصبي (فقدان الشهية العصبي):
يحدثُ القهم العصبي عندما يرفضُ المراهقُ أنْ يكونَ وزنُه مساويًا أو أكثر من الحدّ الأدنى الملائمِ لطوله وعمره. وعادةً ما يكون المصابُ بهذا المرض فاقدًا لحوالي (85)% من الوزن المتوقّع لشخصٍ في عمره وطوله. تحدثُ هذه الحالةُ غالبًا عند الإناث لكنّها قد تحدث عند الذكور، ويكون لدى المراهقِ المصاب بهذا المرض بشكلٍ عام خوفٌ شديدٌ من اكتساب الوزن أو من السمنة، ويكون تقييمُ المريض لشكله ووزنه مختلًّا ولا يعترف المريض بالأخطار الصحيّة التي سيعاني منها بسبب نقص وزنه الشديد.
تتضمنُ الأعراضُ الجسدية للمصابين بهذا المرض ما يلي:
أ.غيابُ الدورة الشهرية عند الإناث.
ب.جفافُ الجلد.
ت.انخفاضُ تواتر النبض.
ث.انخفاضُ ضغط الدم.
وغالبًا ما تحدثُ بعضُ التغيرات السلوكية لدى المرضى مثل:
أ.العزلةُ الاجتماعية.
ب.حدةُ الطبع.
ت.تقلّبُ المزاج.
ث.الاكتئاب.
إذا لمْ تعالج هذه الحالة فإن هذا الاضطراب قد يصبح مزمنًا وقد يموت بعض المراهقين بسبب الجوع الشديد.
3-القلق:
القلق هو ترقّبُ حدوثِ أخطارٍ أو مشاكلَ معينةٍ بخوفٍ، مترافقٌ مع شعورٍ مزعجٍ جدّا أو أعراض جسدية معينة. ويُعتبر القلقُ أمرًا غيرُ نادرٍ بين الأطفال والمراهقين، ويتظاهر عند الأطفال كما يلي:
أ.اضطراب قلق الانفصال: وهو قلقٌ شديدٌ يتمحور حول ابتعاد الطفل عن بيته أو عن الأشخاص المتعلّق بهم. وقد يصلُ هذا القلق إلى مرحلةٍ يرفض فيها الطفل الذهاب للمدرسة أو البقاء وحيدًا أو النوم وحيدًا. وقد يبدي الطفلُ المصاب بعضَ الأعراض كتكرّر الكوابيس أو الصداع أو ألم البطن أو الغثيان أو الإقياء.
ب.اضطراب القلق المعمّم: وهو قلقٌ شديدٌ وخوفٌ من أحداثٍ ونشاطاتٍ معينة كالمدرسة مثلًا، حيث يكون لدى الطفل أو المراهق صعوبةٌ في التحكّم بمخاوفه. وقد يعاني المصاب أيضًا من التململ والتعب الشديد وعدم المقدرة على التركيز وحدّة الطباع والتوتّر العضلي واضطرابات النوم.
ت.اضطراب الهلع: يتجلّى بنوباتِ هلعٍ مفاجئةٍ ومتكرّرة إضافةً إلى خوفٍ مستمرٍ من التعرّض لنوبة. ويقصد بنوبةِ الهلع الشعورُ المفاجئُ بالخوف الشديد والذي يترافق غالبًا مع الاحساس باقتراب الموت والهلاك. وقد تترافق النوبة أحيانًا مع قصرٍ في التنفّس أو خفقانٍ في القلب أو ألمٍ في الصدر أو شعورٍ بالاختناق أو الخوف من الجنون وفقدان السيطرة.
ث.الرُهاب: هو الخوف المستمرّ وغير المبرّر من شيءٍ ما أو من نشاطٍ أو موقفٍ ما (كالطيران أو المرتفعات أو الحيوانات أو رؤية الدم)، وهذه المخاوف الشديدة تجعلُ الطفل أو المراهق يتجنّب تلك الأشياء التي أدّت إلى خوفه.
4-اضطراب قلّة التركيز وفرط النشاط:
يتمُّ تشخيصُ هذا الاضطراب عادةً منذ سنواتِ المدرسةِ الابتدائية، وتستمرّ أعراضُ هذا الاضطراب إلى عمرِ المراهقة.
يعاني المراهقُ المصاب بهذا الاضطراب من مشاكلَ في التركيز و/أو فرط في النشاط وسلوك اندفاعي، لذلك قد لا يستطيعُ المراهقُ أن يُصغي بشكلٍ جيّد أو أنْ ينظّمَ أعمالَه أو أنْ يتّبعَ التعليمات. إضافةً إلى أنّ أداءَه في الألعاب الجماعية قد يكون صعبًا، وغالبًا ما تسبّبُ تصرفاتُه الصادرةُ عنه دون تفكيرٍ مشاكلَ مع أهلِه ومعلّميه وأصدقائه.
غالبًا ما تظهرُ أعراض هذا الاضطراب قبلَ عمر الثانيةِ عشرة، وقد تكون تصرّفاتُ هذا المراهقِ مزعجةً جدًّا له ولمن حولَه. لكن تصبح هذه الأعراض أقلَّ حدّةً في أواخرِ سنين مراهقته وبدايةِ العشرينات من العمر.
5-الاضطرابُ النفسي ثنائيّ القطب (الهَوَس الاكتئابي):
هو اضطرابٌ في المزاج يتّصفُ بتغيراتٍ واضحةٍ في مزاج الشخص بين السعادة والابتهاج الشديدين والاكتئاب الشديد. وتدعى نوبةُ الابتهاج الشديد بالهَوس mania. حيث يصبح مزاج المراهق خلالَها هائجًا وقد يصبح المراهقُ فائقَ النشاط وعصبيًّا، وقد لا يستطيع النوم إلا لفترةٍ قصيرة وقد لا ينام أبدًا، ويشغلُ نفسه بالعديد من النشاطات، كما يفقدُ قدرته على المحاكمة الصحيحة للأمور. كما قد ينغمس المراهق في سلوكيات خطرة على الممارسات الجنسية أو التصرفات غير الاجتماعية الأخرى، وقد تتطوّر الحالة لدى بعض المرضى خلال مرحلة الابتهاج إلى ظهورِ بعضِ الاضطرابات العقلية الشديدة كالهَلْوسة والهذيان.
أما خلال النوبة الاكتئابية فيعاني المريضُ من شعورٍ مستمرٍّ بالاكتئاب يؤثر على قدرته على ممارسة حياته بشكل طبيعي. إذ يفقدُ إحساسَه بالمتعة خلال ممارسته لأنشطته المفضلة، يقلُّ نشاطَه ويزداد شعوره بالتعب، تزداد شكواه من الشعور بالضجر، تضطّربُ عاداتُه الغذائية (إذ قد تقل ّشهيته أو على العكس يزداد أكله)، يقلّ تركيزُه ويضطرب نظامُ نومه، أو قد يفكّر بالموت أو الانتحار.
يرتكز علاجُ الاضطراب ثنائي القطب على التشخيص الصحيح للحالة من قبل الاختصاصي الماهر، وتناولِ بعضِ الأدوية المثبّتة للمزاج. ويساعد العلاج النفسي في تفهُّم المراهق لذاته، وتأقلمه مع الضغوطات واستعادة احترامه لذاته وتقوية علاقاته الاجتماعية.
6-النُّهام العصبي (فرط الشهية العصبي):
يحدث النهام العصبي عندما تتكرّر لدى المراهق نوباتٍ من الإسراف في تناول الطعام إضافةً إلى إسهال البطن. هذا الإسراف يظهرُ على شكل تناول كمياتٍ كبيرةٍ من الطعام خلال فترةٍ زمنيةٍ محددة، كما يرافق المراهقَ شعورٌ بعدم القدرة على التوقّف عن الأكل إضافةً إلى انعدام السيطرة على كمية الطعام المأكول. عادةً وبعد هذه النوبة يحاول المراهق منعَ زيادة الوزن عن طريق التقيّؤ القسري أو تناول المسهّلات أو مدرّات البول أو الصيام أو ممارسة الرياضة بكثرة.
يمكن أن يصابَ المريضُ بعددٍ من المشاكلِ الصحية بسبب النهام العصبي كفتاق المعدة أو المريء واضطراب النظم القلبي والفَشل الكلَوي والصَرَع، إضافةً إلى بعضِ الاضطرابات النفسية كالاكتئاب وقلّة احترام الذات، كما يساعدُ التشخيص والعلاج المُبكّرين في تحسين إنذار هذا المرض وتقليلِ خطرِ تفاقم الاكتئاب والخجل والتغيّرات الضارّة في الوزن.
7-اضطراب السلوك وسوء التصرف:
يتّصف المراهقون المُعانون من اضطراب السلوك بممارستهم المستمرّة والمتكرّرة لسلوكيات تنتهك وتتجاوز حقوقَ الآخرين أو تنتهك القواعدَ الأخلاقية لمن هُم في مثل عمرهم، ويجب الانتباه إلى أنّ هذه السلوكيات تكون أكثرُ حدّةً وخطورةً من المزاح والأذى البسيط بين الأطفال واليافعين. يعاني هؤلاء المرضى من صعوباتٍ شديدةٍ في المنزل والمدرسة وفي المجتمع المحيط بهم، وفي كثيرٍ من الأحيان يمارسُ المراهقُ النشاط الجنسي بشكلٍ مبكّرٍ جدًّا. عادةً ما يكون احترام هؤلاء المراهقين لذواتهم منخفضًا على الرغم من محاولتهم إظهارَ أنفسهِم على أنهم أقوياء. قد يظهر بعض هؤلاء المراهقين أعراضًا لاضطرابات نفسية أخرى (كالاكتئاب وفرط تناول الكحول والمخدرات).
8-الاكتئاب:
على الرغم من أن كلمة "اكتئاب" قد تصف شعورًا إنسانيًا طبيعيًا، إلا أنها قد تشير أيضًا إلى اضطرابٍ نفسيٍّ محدّد.
يتضمّن مرض الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين عدّةُ أعراضٍ يُبديها هؤلاء المرضى بشكلٍ مستمرٍّ لفترةٍ لا تقلّ عن أسبوعين، فبالإضافة إلى مشاعرِ الحزن وحدّة الطبع، فإنّ مرض الاكتئاب يتضمّن عدّة مظاهر، منها:
أ.تغيرا في الشهية يؤدي إما لخسارة الوزن أو لزيادته.
ب.تغيّرًا واضطرابًا في نظام النوم (كصعوبة النوم أو الاستيقاظ في منتصف الليل أو الاستيقاظ بوقتٍ أبكرَ من العادة أو النوم لفتراتٍ طويلة).
ت.فقدانُ المتعة في النشاطات التي كان المريضُ يستمتع بها سابقًا.
ث.فقدانُ الطاقة، والتعب الشديد، والشعور بالخمول بلا سبب.
ج.الشعورُ بالذنب ولومُ النفس على أمورٍ لم يخطئُها المريض.
ح.انعدامُ القدرة على التركيز والتردّد في اتخاذ القرار.
خ.الشعورُ بفقدان الأمل وانعدام الحيلة.
د.التفكيرُ المتكرّر بالموت والانتحار، أو حتى محاولة الانتحار.
كما قد يعاني المرضى من عدّة أعراضٍ جسدية غير نوعية كالمغْصِ والصداع.
سنكمل بقّية الاضطرابات في جزءٍ آخر تابعونا
المصدر:
هنا