كيف نقيس الارتفاعات على سطح المريخ و الكواكب الاخرى؟
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
يَستخدمُ العلماءُ مُستوى سطح البحر كمرجعٍ لقياسِ الارتفاعات على سَطحِ الأرض. إذ نقول: إن قمةَ جبل قاسيون مثلاً، يبلغُ ارتفاعها 3.7 كيلومتر عن مستوى سطح البحر. لكن ما هو المستوى الّذي يرجعُ العلماءُ إليه لقياسِ الارتِفاعاتِ عَلى سَطحِ المَريخ أو سَطحِ القمر؟ يُجيبُ الدكتور سيمون أوتول Simon O'toole من المرصد الفلكي الأسترالي، عن هذا السؤال قائلاً :إنه سؤالٌ خدّاع في الحقيقة. فقد يعتقدُ العديدُ مِنَ النّاس بأننا نَقومُ بِحسابِ الارتفاع نسبةً للمتوسط بينَ أعلى و أخفض نُقطة على سطح الكوكب ليكونَ هذا المستوى الوسطي مرجعاً لقياسِ الارتفاعات. حسناً إن الأمر ليس بهذه البساطة.
جميعنا يعلم أنهُ لا وجود للمياه حالياً على سطح المريخ، أي ليس هُناك بحرٌ أو محيط لاعتماد سَطحٍه كمستوىً مرجعي، لذلك تَمَ تحديدُ هذا المستوى ليكون المنطقةَ التي يكونُ مِقدارُ الضغطُ الجوي فيها 610،5 باسكال. أي تقريباً 6 ميلي بار. وقَد تَمَ اختيارُ هذهِ القيمةِ دونَ غيرها لأَنها نُقطَةُ الماءِ الثُلاثِيةُ على كوكب المريخ أي النُقطة التي يُمكنُ للماءِ فيها الوجود بِحالاتِه الفيزيائية الثلاث: صلب وسائل و غاز. و لِحسابِ ارتِفاعِ جبلٍ أو عُمقِ وادٍ ما، يعتَمدُ العُلماءُ على بياناتٍ تجَمعُها سفينةٌ فضائيةٌ مدارية تدورُ حول المريخ. حيثُ تُجمعُ هذه البيانات عن طريقِ قياس انعكاس نوعٍ من الأمواجِ الكهرطيسية عن سطح الكوكب. وغالباً ما تُستخدمُ أجهزةُ الرادارِ للقيام بهذه المهمة. لكن المسحَ الشامِلَ الذي قامَت بهِ NASA لسطح المريخ، اعتمدَ على مِقياسِ ارتفاعاتٍ ليزري، يقومُ بإرسالِ نبضاتٍ من الأشعةِ الليزرية تحتَ الحمراء بمُعدلِ عشر نبضاتٍ في الثانية، و بالمُقارنة بين البيانات المختلفة للنقاط المختلفة على سطح المريخ، تمكّن العلماءُ من تشكيلِ خريطةٍ دقيقةٍ لسطحِ المَريخ.
استُخدِمَت أجهِزةٌ وأدواتٌ مشابِهة، عَلى مَتنِ المتتبع الاستطلاعيّ القمريّ التابع لناسا، لِتشكيلِ نموذجٍ طبوغرافيٍ دقيقٍ لسطح القمر. لكن لعدم وجودِ مُسطحاتٍ مائيةٍ على سطح القَمر، إضافةً لِعدمِ وجودِ غلافٍ جويّ، فقد تمَ اتخاذُ نِصفِ القُطرِ الوَسطي للقَمر كمستوىً مرجعيٍّ لقياسِ الارتفاعاتِ على سطحه.
بالعودةِ إلى حسابِ الارتفاعات على سطح الأرض، يُستَخدَمُ مُتوسِطُ مُستوى سَطحِ البَحرِ كَنُقطةٍ مَرجعيةٍ لِقياسِ الارتفاع. ويقول أوتول: "يَتمُ قياسُ مُتوسِط مُستوى سَطحِ البَحر على مَرِ الزَمن، حتى نتمَكنَ من حسابِ متوسطِ التغيُّيرات التي تحصُلُ في مَنسوبِ مياهِ البَحر، بسببِ الأمواجِ والمد والجزر والعواصف".
و يضيفُ فيقول: "و لأنَّ هُناكَ الكثيرَ مِن مَحطاتِ قياسِ المَدِ والجَزر في الموانئ والمرافئ حول العالم، فإنهُ يُمكنُنا الحُصولُ على قراءةٍ دقيقةٍ حقاً لهذه التّغيرات الحاصلة في منسوب المياه."
لكنَ هذا المُستوى يَختَلفُ مِن مُحيطٍ إلى مُحيطٍ آخر، مع اختلافاتٍ كبيرةٍ في الحساب قد تَصِلُ إلى مِترين. وأحدُ أسبابِ ذلكَ يعودُ إلى أنَّ الأرضَ ليست ذاتَ شكلٍ كرويٍ مثالي. إذ يُسبِبُ دورانها حول نفسها انتفاخًا عِندَ خَطِ الاستواء، وتَسطُحاً خفيفاً عِندَ القُطبين، مما يؤدي إلى اختلافٍ بين مُحيطِ المنطقة الاستوائية ومُحيط المنطقةِ القُطبية، يُقدرُ بنحوِ عشرةِ كيلومترات.
تتأثرُ المُحيطاتُ أيضاً بالجاذبيةِ الأرضية، إذ إنها ليسَت ثابتةً في كُل الأماكن. ففي بَعضِ الأماكن، يكونُ هُناكَ كتلةٌ إضافية تحتَ سَطحِ الأرض، مما يؤدي إلى جاذبيةٍ أكبر نسبيًا. تؤدي هذه الاختلافات الطفيفة في قوةِ الجاذبية إلى انتشارِ مَناطِقَ مُرتفعةٍ قليلاً و مناطقَ أُخرى منخفضة عن سطح المحيط.
وهكذا كما تَرون، فإنَّ حساب مُتوسِطُ مُستوى سَطحِ البَحرِ لاستخدامه كَنُقطةٍ مَرجعيةٍ لِقياسِ الارتفاعات على سطح الأرض هوَ أمرٌ مُعقدٌ بعض الشيء.
المصدر: هنا