عُلماءٌ يبتكرون طريقةً جديدة قد تُمكننا من رؤية ما بداخل الثّقوب السّوداء
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
يعودُ الفَضلُ للرصدين الأول و الثاني لِلأمواجِ الثقاليةِ، إذ مكّن هذان الرصدان العُلماء من إيجادِ دليلٍ ملموسٍ على وجودِ الثّقوبِ السّوداءِ. فهذا الرصدُ المباشر للأمواج الثقالية يُخرِجُ الثّقوبَ السّوداءَ من عالمِ الفرضيات وينقلُها إلى عالمِ الواقعِ.
لكنْ وحتى بعدَ أنْ أثبتنا وجودَ الثّقوبِ السّوداءِ ماديًا، فإننا لا نزالُ نواجهُ مشكلةً لم نستطعْ تلافيها وهي أنَّها تقومُ بابتلاعِ كل شيءٍ يتجاوزُ أفُقَ حَدَثِها. حتى الضّوءُ لا يمكنهُ الهروبُ من داخلِ أفُقِ حَدَثِ الثّقوبِ السّوداءِ، هذا يعني أنَّهُ لا يوجدُ أيُ أداةٍ على كوكبِ الأرضِ، مهما كانت متطوّرةً، تمُكنُنا من تخيلِ ما الّذي يَحصلُ هناكَ ¯\_(ツ)_/¯. هل بداخلِها ثقوبٌ دوديّةٌ، أم نقطةُ تفرُّدٍ فيزيائيّةٌ؟
تَتطلبُ دراسةُ الثّقوبِ السّوداءِ إتباعَ الأساليبِ العلميّةِ بالمقلوبِ، في العادةِ نرصدُ شيءً غريبً وجديدً، فنحللهُ وندرسهُ، و من ثُمَ نقومُ بصياغةِ الفرضياتَ التي تفسرهُ وتُصنفهُ، وأحياناً نحتاجُ للقيام بحساباتٍ مُعقدةٍ في طريقنا إلى ذلك. أما في حالةِ الثّقوبِ السّوداءِ، ففي البدايّةِ نأتي بالفرضياتِ والرياضيّاتِ ثم نحاولُ أنْ نبحثَ عمّا تنبّأنا بوجودهُ.
Image: http://thescienceexplorer.com/
لكن ووِفقًا لفريقٍ من العلماءِ من جامعتي Johns Hopkins وTowson، فإنَّ هناك مُشكلةً كبيرةً في هذهِ المنهجيةِ. وتكمنُ هذهِ المُشكلةُ في أنَّ علماءَ الفيزياءِ يبنونَ وجهاتَ نظرهم عن البنيّةِ الداخليّةِ للثقوبِ السّوداءِ اعتمادًا على نظامِ إحداثياتٍ رياضيٍّ مُحدّد.
ولهذا فإنك وفقًا للإحداثيات الرياضيّة التي تختارُها و من منظوركَ، ستحصلُ على نتائجٍ مختلفةٍ جداً عن شخصٍ أخرَ اختارَ إحداثياتٍ رياضية مُختلفة ومنظورًا مختلفًا لدراسةِ الثّقوبِ السّوداءِ.
هذهِ المُشكلةُ تشبهُ الفوضى التي عانى منها البشرُ في رسمِ الخرائطِ والأطالسِ لكوكبِ الأرضِ. حيث كانت الكتلةُ البريّةُ تمثلُ حسبَ وجهةِ نظرِ المراقبِ بشكلٍ موضوعيٍ بحت وليسَ نسبيًّا.
ولهذا فإنَّ إختياَر أيَ نظامِ إحداثياتٍ رياضيٍ لدراسةِ الثّقوبِ السّوداءِ سوفَ يُنتجُ رؤيةً مشوهةً لا صورتها الحقيقيةَ، تماماً مِثلَ محاولةِ رسمِ خريطةِ الكرةِ الأرضيّةِ على سطحٍ مستويٍ.
وحسبَ فريقِ الباحثينَ الذي يترأسهُ العالمُ كيلن ويلكم Kielan Wilcomb من جامعة Towson، فمن أجلِ دراسةِ ما يحصلُ داخلَ الثّقوبِ السّوداءِ وتصورِ ما بداخلِها، فإننا مجبرونَ على دراستها من خلالِ الكميّاتِ الرياضيّةِ غيرَ المتعلقةِ بنُظمِ الإحداثياتِ؛ أي القيمِ الرياضيّةِ التي تبقى ثابتةً بغضِ النظرِ عن إختيارنا لنُظمِ لإحداثيات الرياضيّة.
قدّمَ الفريقُ تقريرهُ في الاجتماعِ رقم 228 لجميعةِ علماءِ الفيزياءِ الفلكيّةِ الأميركيّةِ، والذي عُقدَ في سانتياغو. يقول التقريرُ أنَّهُ يوجدُ 17 قيمةً متعلقةً بدرجةِ انحناءِ الزّمكان يمكنُ أنْ نستعملها لدراسةِ البنيّةِ الداخليّةِ للثقوبِ السّوداءِ. ولكن بسببِ وجودِ علاقاتٍ رياضيّةٍ بينَ هذهِ القيمِ يمكنُ أن نختصرها إلى خمس قيمٍ مستقلّةٍ بحقٍ فقط. تكفينا هذه القيمُ الخمسُ للحصولِ على توصيفٍ كاملٍ للنسيجِ الزّمكاني داخلَ الثّقوبِ السّوداءِ.
نَشرَ الفريقُ عملهُ في موقعِ arXiv.org من أجلِ التحضيرِ لإعادةِ تقييمهِ، حيثُ سيقومُ فيزيائيون آخرونَ باستخدامِ هذهِ المتغيراتِ الخمسِ المستقلةِ من أجلِ تصورِ البُنى الداخليّة لثقوبٍ سوداء افتراضيّة. لا يمكننا التّأكدُ من صحةِ هذهِ الطّريقةِ الجديدةِ على الفورِ، وعلينا الانتظارُ حتى تخضعَ للعديدِ من التجاربِ المستقلةِ لتأكيدِها.
جرَّبَ العالم ويلكم Wilcomb وزملاؤهُ هذه الطريقةَ بأنفسهم وقالوا: "لقد قُمنا للمرة الأولى بحسابِ وطباعةِ انحناءاتِ نسيجِ زمكان ثقوبٍ سوداءٍ دوارةٍ ومشحونةٍ اعتمادًا على الثوابتِ الرياضيّة الخمسة، وكانت النتيجةُ رائعةً حيثُ حصلنا على مشهدٍ أكثرَ تعقيدًا وجمالًا مما كنا نتخيّلُ من قبل".
والآن كل ما علينا فعلهُ هو الإنتظارُ لِنعرفُ ما إذا كان بإمكاننا السّفرُ عبرَ الثّقوبِ السّوداءِ لأكوانٍ موازيّةٍ، وعندها سنبدأُ بالتخطيطِ لإجازاتِنا الكونيّة المتوازية المُقبلة :) .
*أفق حدث الثّقوب السّوداء: هو حد اللارجوع، أي النقطة التي إنْ تجاوزناها تصبح قوة جذب الثّقب الأسود كبيرة جداً لدرجةِ أنَّ الضوء بحد ذاته لا يستطيع الإفلات منها.
المصادر:
هنا
هنا
هنا