المادة المظلمة_ خفايا الكون 1
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
في الحقيقة لا احد يعلم. ومع كل ما توصلنا إليه حتى اليوم، هُناك فجوتانِ واسعتانِ في فهمنا للكَون، أَطلقَ الفيزيائيون على إحداهما اسمَ المادَّة المُظلمة Dark Matter وعلى الأخرى الطَّاقةِ المُظلمة Dark Energy.
فالمادَّة المُظلمة Dark Matter هي بالضبط كما يُشيرُ اسمها، مادَّةٌ لا نستطيعُ كشفَها إلا من خلالِ جاذبيتها الهائلة الّتي تقوم بتحريكِ النَّجومِ والمجرَّات. أما الطَّاقة المُظلمة فهي كما يُشيرُ اسمها أيضًا، شيءٌ غامضٌ يؤدي إلى توسَّع الكون بسرعةٍ مُتزايدة.
ولا نعلم إن كانت المادَّة المُظلمة والطَّاقة المُظلمة مرتبطتين، ولكن من المُرجَّح أنَّهما ظاهرتان مُختلفتان تمامًا، دعيت كل منهما بالمُظلمة لعدم قدرتنا على رؤيتهما.
سنتحدثُ في مقالنا هذا عن المادَّة المظلمة، وسنخصص مقالًا آخر للحديث عن الطاقةِ المُظلمة.
المادةُ المُظلمة
كيفَ تم اكتشافُها؟
عرَفَ الفلكيونُ منذُ ثلاثينياتِ القرنِ العشرينِ أنَّ دَوَرانَ المجرَّات لا يبدو منطقيًا. فالنُّجوم عند حافَّةِ المجرَّات تتحرَّكُ بسرعةٍ أكبرَ من المُتوقَّع، لذلك فمن المُفترض أن تُقذفَ خارجَ هذه الدَّوَّامة الكونية إلى أعماقِ الفضاء. ولم يكنْ من الممكنِ تفسيرُ هذه الحركاتِ إلا بوجودِ المزيدِ من المادَّة داخلَ وحولَ المجرَّات، لكنَّها مادةٌ لا يُمكن رُؤيتُها. وهذه «المادَّة المظلمة» هي ما يُبقي المجرَّات متماسكةً.
ومنذُ ذلكَ الحين تواردتْ الأرصادُ التي تشير إلى الأمرِ عينه، وعلى مستوىً أكبر من المجرَّات الدَّوَّامة، مثل رقَصاتِ العناقيدِ المجرِّية، واصطدام السُّدُم مع بعضها.
على الرغم من اقتراح بعض الفيزيائيين نظرياتٍ أُخرى، كالتعديلات على الجاذبية، إلا أنَّ مُعظمَ الفيزيائيين اليومَ مُتأكدون من وُجودِ المادَّة المظلمة، فهي التَّفسيرُ الوحيدُ الذي يتوافقُ مع جميعِ البيانات.
مالذي نعرفُه عن المادةِ المُظلمة؟
- المادَّة المظلمة لا تُصدِر الضوء، كما أنَّها لا تمتصُّ ولا تعكسُ أيَّ ضوء أيضًا، وعليه فهي لا تتكوَّن من كواكبَ مُتشرذمة، أو من غيومٍ من المادَّةِ العاديَّة.
- نعرفُ أن المادة المُظلمة «باردةٌ» ما يَعني وفقَ مفهومِ الفيزياء أنَّها تتحركُ ببطءٍ مقارنةً مع سرعةِ الضَّوء.
- للمادة المُظلمة جَاذبية ثقالية.
- لا تتفاعل المادة المُظلمة بشدةٍ مع أيِّ شيء، حتى مع نفسِها، وإلا لكانتْ انهارتْ على نفسِها لتُشكِّل بُنى مستويةً مثلَ المجرَّات، بدلًا من الفجواتِ الكُرويَّة التي رصدناها.
- تُشكِّل المادة المُظلمة حوالي 27 % من الكون.
ممّ تتكوَّن المادَّة المظلمة ؟
هي في الغالبِ مكوَّنةٌ من صِنفٍ جديدٍ من الجُسيمات، أو لعلَّها عائلة من الجُسيماتِ الجديدةِ، لم يسبقْ لنا أن كشفنا عَنها من قَبل. ربّما تكونَ جُسيمات المادَّة المظلمة حولَنا في كلِّ مكانٍ، وربما هيَ تتحرك في جسدَكَ في هذه اللحظة.
مما يعني أن الإجابةَ على هذا اللغزِ الكوني الكبير، الذي يؤثِّر في الكونِ على مقياسِ ملايينَ السنينِ الضوئية، قد يقبعُ في فيزياء الجُسيماتِ الدقيقةِ، التي هي أصغرُ بكثيرٍ من الذرَّات.
خلال الثلاثين عامًا المنصرمة، محَّص الفيزيائيون العشراتِ من الجُسيمات المُرشَّحة لتكون مكوِّناً للمادَّة المظلمة. والمُرشَّح الأبرز في الوقت الراهن هو نوعٌ من الجسيمات يُدعى: الجُسيمُ الثقيلُ ضعيفُ التفاعل Weakly Interacting Massive Particle أو اختصارًا WIMP. وهو نوعٌ من الجُسيمات كبيرة الكتلة، والتي تتأثر بالقوَّةِ النووية الضعيفة فقط.
ويُعدُّ البحثُ عن جُسيمات WIMP أحدَ الأهدافِ المرتقبة لمُصادم الهادرون الكبير Large Hadron Collider الكائنِ في مُختبر الأبحاثِ النوويةِ الأوروبي CERN. ومن المتوقع أنَّ هذه الجُسيمات المُراوغة الخاصَّة بالمادَّة المظلمة تتشكّل عندما تتصادمُ البروتونات بِسُرعاتٍ قريبةٍ من سرعةِ الضَّوء.
هل يمكن لنا الكشفُ عن المادَّة المظلمة؟
يوجد إلى جانب مختبر CERN أكثرُ من 30 تجربةً حول العالم مُكرَّسةٌ لإيجاد المادَّة المظلمة، بعضها يعتمدُ على مقاريب (تلسكوباتٍ) مخصصةٍ للبحث عن آثار الجسيمات الناتجة عن فناء جسيمين من جُسيمات المادَّة المظلمة. وبعضها الآخر يعتمِدُ على براميل ضخمةٌ تحوي مادة الزينون xenon السائل الّذي يُضيء عند اصطدام جسيم للمادَّة المظلمة مع نواة إحدى الذرات.
لم يُقدِّم أيٌّ من هذه التجارب دليلًا حاسمًا على اكتشافه جُسيمات المادَّة المظلمة، إلا أن بعض التجارب أفضت إلى استبعاد بعض الاحتمالات المرتبطة بطبيعة هذه الجُسيمات.
و بالرّغم من كل ما سبق، ما تزال احتمالية أن تكون المادَّة المظلمة غير قابلةٍ للكشف بشكلٍ مباشرٍ قائمةً، وخاصَّةً إذا ما تبيَّن أنها لا تتفاعل وفق القوة النووية الضعيفة.
القوَّة المظلمة والفوتونات المظلمة:
اقترح بعض الفيزيائيين أن جسيماتِ المادَّة المظلمة يُمكنها التفاعل مع بعضها البعض عبر قوةٍ جديدةٍ أسمَوْها – كما هو مُتوقع – القوَّة المظلمة وتنتقل عن طريق فوتوناتٍ مُظلمة، أو ما يُعرف باسم الإشعاع المُظلم.
وقد يكون هناك أنواعٌ مختلفةٌ من المادَّة المظلمة، لعلَّ بعضها يستشعر القوة المظلمة، وبعضها لا.
المصدر: هنا
لقراءة الجزء الثاني، الطاقة المُظلمة إضغط هنا
بإمكانك أيضًا أن تقرأ مقال "ماهي المادة المظلمة وكيف تؤثر على بنية المجرات؟"، بالضغط على الرابط هنا