اكتشاف صنف جديد من فيروس الهربس عند الخفافيش قد يفتك بالبشر!
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
من المعروفِ أنَّ الخفافيشَ قد تحملُ الكثيرَ من الأمراضِ التي تُصيبُ البشر، وعلى الرَّغم من نَدرة ذلك، إلّا أنّها قد تؤدي إلى حدوثِ جائحاتٍ عند التماسِ مع الإنسانِ أو الحيوان. فقد عُرِفَت الخفافيشُ سابقاً كناقلٍ للإيبولا، ووُجّه إليها إصبعُ الاتهامِ فيما يخصُّ الجائحةَ التي انتشرتْ في غينيا عام 2014، إلَّا أنَّ اختصاصييّ الفيروساتِ اختلفوا حولَ هذا الإدعاء!
اتَّضحَ الآن أنَّ بعضَ فصائلِ هذه الثدييات الطَّائرة تحملُ نوعاً جديداً من فيروس الحَلَأ. إذ اكتشف الباحثون من جامعة إيكان للطب Medicine Icahn School of ومعهد ج.كرايج فنتر J. Craig Venter Institute الفيروسَ الجديدَ ـ صُدفةً ـ عندما كانوا يُجرُون دراساتٍ على خلايا سرطانيةٍ مأخوذةٍ من جناح خُفَّاشٍ صغيرٍ من نوعِ Myotis velifer incautus، وُجِدَ في كهفٍ في ولايةِ تكساس.
وأثناء دراسةِ العلماءِ لتسلسلِ الجينومِ في تلك الخلايا السَّرطانية بهدفِ التعرُّفِ أكثرَ على الاستجابةِ المناعيةِ لدى الخَفافيش، لاحظوا أنَّ كثيراً من المورثاتِ التي دُرِسَ تسلسلُها لم تكنْ مورثاتِ خفافيشٍ، بل كانت مورثاتٍ مرتبطةً بنوعٍ من الفيروسات الحَلَئيَّة، واكتشفَ الباحثون بعد بحثٍ مُطوَّل في ذلك الموضوع، أنَّه فيروسُ حلأ جديد كلياً، لم يتم التعرُّف عليه بدراسةِ التسلسل المورثي من قبل.
سُمّي الفيروسُ الجديدُ بفيروس الخُفَّاش جاما الحَلَئي 8 (bat gammaherpesvirus 8)، الذي يرمز له اختصاراً بـ (BGHV8)، ويُعدُّ أوَّلَ فيروسِ قابلٍ للاستنساخ يُعزَلُ من هذا النوع. ويتميَّزُ هذا الفيروسُ بأنَّه لا ينمو في الخلايا المُخصَّصةِ لاستنساخِ الفيروساتِ، المُسمّاة خلايا الفيرو Vero cells فقط، بل يمكنه أنْ يُعديَ خلايا الإنسان أيضاً. ويؤكّدُ ريد شابمان Reed Shabman الباحثُ الرئيسي في هذه الدراسة ذلك بقوله: "تمكَّنَ الفيروسُ من القضاءِ على خلايا الفيرو خلال 18 ساعةً فقط. كما استطاعَ أن يُعدي خلايا رئويةً وكبديةً بشرية". ولكنَّ كلَّ ما ذُكِرَ حتّى الآن لا يعني أنَّه باستطاعةِ الفيروسِ إصابةَ الخلايا البشريةِ في ظلّ ظروفِ الحياة الحقيقية، أو أنَّه يُشكّلُ أيَّ خطرٍ علينا فيما إذا حدث ذلك، فلا حاجةَ لأنْ تُصابَ بالذُّعر!
تضمُّ عائلةُ الفيروساتِ الحلئية مجموعةً ضخمةً من الفيروسات، تشمَلُ بالإضافةِ إلى الأنماطِ الثمانيةِ من الفيروساتِ الحَلَئيَّة التي تصيبُ الإنسان، مجموعةً خاصةً من الفيروساتِ الحلئيَّة لكلِّ فصيلةٍ من الثدييات التي دُرِسَت تقريباً. ولكنَّ معظمَ هذه الفيروساتِ شائعةٌ وغيرُ مؤذية، أو ذاتُ درجةِ سميَّةٍ محدودة.
فمثلاً: على الرَّغمِ من الانزعاج وعدم الراحةِ والبثور التي تُرافِقُ قرح البرد cold sores أو ما يُعرَفُ باسم الحَلَأ الفموي، التي يُسبّبها فيروسُ الحَلَأ البسيط herpes simplex، فإنَّه لا ينتجُ عنها أيُّ ضررٍ طويل الأمد، كما قد يُصابُ أكثرَ من 90% من البالغين بفيروس إيبشتاين- بار Epstein-Barr أو ما يُعرف باسم الفيروس الحَلَئي رقم 4، في مرحلةٍ ما من حياتهم، دون أن يلحَظوا ذلك عادةً.
فمعظمُ الفيروساتِ الحَلَئية ليست غيرَ ضارةٍ فحسب، بل يندُرُ انتقالُها من الحيوان للإنسان أيضاً. إذ لم يبلَّغ إلا عن 17 حالةَ إصابةٍ بداء الكَلب Rabies ناتجةٍ عن انتقالِه من الخفافيش إلى الإنسان بين عامي 1997 و2006 في الولايات المتحدة، مع العلمِ أنَّ داءَ الكلبِ معروفٌ بسهولةِ انتقالِه إجمالاً.
ولكون احتماليةُ الإصابةِ بـ BGHV8، أو أيِّ فيروس حَلَئي تنقلُه الحيواناتُ للبشرِ منخفضةً، فإنَّ البحثَ في كيفيةِ الإصابةِ بالفيروسِ الجديدِ ليست محطَّ أنظارِ العلماءِ في الوقت الحاضر، فالأهمُّ من ذلك هو معرفةُ كيف يُمكنُ لهذه الحيواناتِ الطائرةِ أن تنقلَ الأمراضَ للإنسان.
إنَّ 75% من الأمراضِ الخمجية جديدةِ الظهورِ التي تُصيبُ الإنسانَ هي أمراضٌ تنتقلُ إلى الإنسانِ عن طريق الحيوانات، ولسوءِ حظِّ محبي الخفافيش؛ فإنَّ بعضاً من أهمِّ الفيروساتِ الجديدةِ تنتقلُ بواسطةِ الخفافيش! فالخفافيشُ متورّطةٌ في العديدِ من الأمراضِ ابتداءً بالإيبولا Ebola والمتلازمةِ التنفسيةِ الحادة الشديدة Severe Acute Respiratory syndrome أو ما يُعرَف بال SARS، وانتهاءً بالكَلَب أو السُّعار وفيروس الـ هندرا Hendra المميت.
ويشيرُ الباحثون إلى أنَّ هذا الفيروس الجديدَ الذي تعرّفوا عليه عند الخفافيش قد يساعِدُ في فهمِ استجابةِ الخفافيشِ للأخماجِ الطبيعيةِ، والأحياء المجهرية ودراستِها؛ ما قد يعطي فكرةً عن السببِ الذي يَكمنُ وراءَ الصّلةِ الكامنةِ بين الخفافيش والأمراضِ التي تنتقلُ إلى البشرِ.
ويُعدُّ الابتعادُ عن الخفافيشِ وفضلاتِها، أفضلَ وسيلةٍ وقائيةٍ يُمكن إتباعُها في الوقتِ الرَّاهن للبقاءِ في مأمنٍ من الإصابةِ بأيٍّ من تلك الأمراضِ بما فيها الفيروس الحَلّئي الجديد.
المصادر:
هنا
هنا