عتبةُ الألم: هل كلّ الآلام توجِعُنا؟ أم نحن مبرمجون لتحمّلها إلى حدّ ما؟
الطب >>>> علوم عصبية وطب نفسي
هناك مرحلتان للإحساس بالألم؛ الأولى بيولوجية، كالجروحِ أو ألمِ الرأس، إذ تصلُ هذه الإحساسات إلى الدماغ وتخبره أنَّ هناك مشكلةٌ أو خطبٌ ما، أمَّا المرحلة الثانية فهي كيفيةُ تفاعل الدماغ مع الألم: هل نتجاهلُ هذا الألم ونتابع نشاطَنا أم نوقف كلَّ شيء ونركّز على ما يؤلمنا!
إذاً الألم هو ترجمةٌ كيميائيةٌ حيويةٌ وعصبيةٌ لشعور مزعج أو تجرِبة عاطفية.
يقول الدكتور Doris Cope طبيبُ التخدير الذي يقود البرنامج الطبّي للألم في جامعة Pittsburgh: "يُؤثر الألم المزمنُ على الطريقة التي يُعالِجُ بها النخاعُ الشوكيُّ والدماغُ والأعصابُ المنبهاتِ المزعجةَ ليخلقوا حالةً من فرط الحساسية، إذ يُمكن للدماغ أن يُخفّفَ أو يضخّمَ الألم وفقاً للأحاسيس، فالتجارِبُ والحوادث التي خاضها الشخص تؤثّر في حساسيته وردّة فعله للألم.
يُعدُّ تدبيرُ الألم (ألم الشقيقة خاصّة) ومستوى تحمُّل الناس لأعراضه تحدياً كبيراً في أميركا؛ إذ تشير التقارير إلى أنَّ أكثر من 75 مليون شخص يعانون من آلامٍ تدوم أكثرَ من 24 ساعةً -حسبAmerican Pain Foundation- وتزداد معاناةُ الشعبِ الأميركي من الألم بسبب ازدياد العمر والوزن، إذ أصبح الأمريكيون يعيشون مدةً أطول، ويُعاني ثلثاهم تقريباً إما من الوزن الزائد أو البدانة.
إنّ أشيعَ سببٍ للألم المزمن هو ألم الظهر، أمّا الألم الحاد فإصابات الجهاز العضلي الهيكلي بسبب حوادث الرياضة هي المُسبِّب الأشيع.
تختلف القدرة على تحمّل الألم من شخص لآخر، فهي تتأثّر بعواطف المرضى وبنية أجسامهم ونمط الحياة lifestyle، وهناك أسبابٌ عديدة تؤثّر في تحمّل الألم، منها:
1. يَزيد الاكتئابُ والقلق من حساسية الشخص للألم.
2. يستطيعُ الرياضيون تحمّلَ الألم بدرجة أكبرَ من الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة.
3. يعاني المدخّنون والأشخاص البدينون من الألم بنسبة أكبر.
هذا وتُحدّد كلٌّ من: العوامل البيولوجية (كالمورثات)، والإصاباتُ (كإصابات العمود الفقري)، والأمراضُ المزمنة (كالسكري) كيفيةَ استجابَتنا للألم.
نصفك الحساس!
تشيرُ الأبحاث إلى اختلاف شعور الألم من جهة لأخرى في جسم المريض، فقد أظهرت دراسةٌ نُشِرت عام 2009 أنَّ الشخصَ الأيمنَ (الذي يستعمل يده اليمنى في معظم نشاطاته) يُمكن أن يتحمّلَ الألمَ في يده اليُمنى أكثرَ من اليسرى.
وعَزَت ذلك إلى أنَّ اليدَ المسيطرةَ (وهي يدُك اليمين إذا كنت تكتب باليمين) يُمكن أن تفسِّر الألمَ بسرعةٍ ودقةٍ أكثرَ من اليد غير المسيطرة، وهذا ما يفسِّرُ استطاعةَ النصف المسيطر تحمّلَ الألم. كما أظهرت هذه الدراسة أنَّ النساءَ كنَّ أكثرَ حساسيةً للألم من الرجال، ولكن قد يتساوى الجنسان في قابلية تحمّلهما لشدة الألم.
تجدون في هذا المقال دراسةً مُفصَّلة عن اختلاف تحمُّل الألم بين الرجال والنساء:
هنا
ويمكنكم مشاهدة هذا الفيديو أيضاً:
هنا
Image: http://www.makeit-loveit.com/wp-content/
ذوو الرؤوس الحمر أكثر حساسية للألم؟
أظهر تقريرٌ نُشِر عام 2009 في مجلة Journal of the American Dental Association أنّ ذوي الشعر الأحمر كانوا أكثرَ حساسيةً للألم، واحتاجوا جرعاتٍ أكبرَ من المخدّر خلال الإجراءات السنّية، ولكن لماذا ذوو الشعر الأحمر بالتحديد؟
يقول الباحثون أنَّ ذوي الرؤوس الحمراء يملكون طفرةً في مورثة تسمَّى مستقبل الميلانوكورتين1 Melanocortin-1 receptor (MC1R)، وهي الطفرة التي تُكسِبهم صفةَ اللون الأحمر للشعر، وتنتمي هذه المورثة إلى مجموعة من المستقبلات التي تتضمَّن مستقبلاتِ الألم في الدماغ، ويعتقدُ العلماءُ أنَّ الطفرة في هذه المورثة بالتحديد يُمكن أن تُؤثّر على الحساسية تُجاه الألم.
تطوير تحمُّل الألم:
يُمكن أن يؤثّرَ التكوينُ البيولوجيُّ للشخص على احتمال تطويره مقاومةً لأدوية الألم، وهذا يعني أنَّ الدواءَ الذي كان فعالاً في القضاء على الألم أو تخفيفه، لن يكونَ ذا فائدة الآن، وهذا ما يُسمى بالحلقة المفرغة؛ ففي هذه الحالة ستُستَخدم أدويةٌ وعلاجاتٌ أكثرُ، ما يؤدي إلى ازدياد المقاومة لهذه الأدوية وقلة النشاط ومن ثمَّ زيادة الألم.
لا نستطيع تغييرَ مستقبلاتِنا الوراثية، أو لونِ شعرنا أو يدنا، ولكن هناك آلياتٌ يُمكن أن تؤثّرَ على طريقة تفاعل دماغنا مع الألم، وقد ركّز الباحثون على محاولةِ تغيير التفسيرات النفسيةِ للألم من خلال إعادة تدريب الدماغ اعتماداً على العلاجات البديلة مثل تِقْنيات الاسترخاء التي تُعلّم الأشخاصَ صرفَ تفكيرهم عن الألم، إذ يستطيعُ المرضى تقويةَ أنفسهِم من خلال تعلُّم تِقْنيات الاسترخاء - مثل تمرينات التنفس خلال الولادة الطبيعية- فعندما يتعلَّق الأمر بالألم، يُمكننا أن نصرِفَ تفكيرَنا عنه بأشياءَ بسيطةٍ يُمكن أن نفعلَها كالتأمُّل، وإلهاء النّفس بشيء ما، والتفكير بإيجابية.
قياس شدّة الألم:
لأنَّ العاملَ الشخصيَّ يتدخلُ في التعبير عن الألم؛ تمّ الاعتماد على أجهزةٍ لقياس الألم للحصول على شدّة الألم الحقيقية، وتُستعمل هذه الأجهزةُ في بعض المراكز لأغراض البحوث والدراسات، ومنها VAS وMPQ اللذان يُبيّنان طبيعةَ الألم وشدّته.
Image: http://www.highlightpress.com/
المصدر:
هنا
هنا
هنا