التيلومير: أداةٌ واعدةٌ لإيقاف الشيخوخة والسيطرة على السرطان، أم خيال علمي؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
تنتظم مورثاتنا داخل نواة الخلية بشكل بنى (مزدوجة الجديلة double strand) من الدناDNA تجتمع وتلتف على بعضها لتعطي مايسمى بالصبغيات، يتوضع في نهايات أجزاء ال DNA هذا مناطق تسمى بالتيلوميرات telomeres، وهي تحمي بياناتنا المورثية، و تُمكِّن خلايانا من الانقسام و تحمل بعض الأسرار حول آلية التسرطن و التقدم بالعمر (الشيخوخة).
Image: wikimedia
يتألف التيلومير من متوالية قصيرة من الحموض النووية (TTAGGG) متكررة مرةً تلو مرةٍ (3000 مرة عادةً).
ما الغاية من وجود التيلوميرات؟
للتيلوميرات ثلاثة أهداف رئيسة:
1- تساهم في ترتيب و تنظيم كل من صبغياتنا ال 46 داخل نواة الخلية (تمنع تشابك الصبغيات مع بعضها).
2- تحمي نهايات الصبغيات من خلال تشكيلها لغطاء يشبه في عمله الغطاء الحافظ لقلم الحبر أو قطعة البلاستيك الصغيرة في طرف رباط الحذاء، حيث يمكننا التصور أن نهايات الصبغيات ستلتصق و تتشابك ببعضها البعض في حال عدم وجود التيلومير.
3- تسمح للدنا بالتضاعف بشكل صحيح و متقن خلال عملية الانقسام الخلوي: حيث ينقص طول الصبغي في كل مرة يتضاعف فيه (عند الانقسام الخلوي)، و كمعدل عام نفقد 25-200 أساس نووي (A-C-G-T) في كل مرة تقوم فيها خلية ما بعملية تضاعف.
واقعياً، وبما أن نهايات الصبغيات محمية بالتيلوميرات فإن الجزء المفقود سيكون على حساب التيلومير و يبقى الدنا سليماً، بالتالي يمكننا التخيل أنه في حال عدم وجود هذه البنى المهمة (التيلوميرات) فإن جزءاً مهماً من الدنا سيُفقد كل مرة تتضاعف فيها الخلية، مما قد يؤدي بالنهاية إلى ضياع المورثات بأكملها.
ماذا يحدث للتيلوميرات عندما نتقدم بالعمر؟
مما سبق ، من الواضح بأن التيلومير يقصر بنسبة معينة في كل مرة تتضاعف فيها المادة الوراثية (الانقسام الخلوي)، وعندما يصل طول التيلومير إلى حد معين تدخل الخلية في مرحلة سبات (senescence) أو موت خلوي مبرمج (apoptosis)، هذا قد يجعلنا نعتقد أن التيلومير قد يلعب دور الساعة الحيوية لخلايانا، حيث يمكن لها أن تحدد دور حياة الخلية ومنها حياة كامل العضوية (الجسم).
Image: squarespace.com
يتحكم عاملان مهمان بمدى قصر التيلومير:
1- مشكلة قصر الأطراف (النهايات) بمعدل 20 زوج-أساس لكل عملية انقسام (حتى الوصول للحد المعين الحرج لطول التيلومير)وما يرتبط بها من توقف لعملية الانتساخ (التضاعف).
2- إجهاد التأكسد:بمعدل 50-100 زوج-أساس لكل عملية انقسام خلوي، والتي يُعتقد أنها تتأثر بعوامل تتعلق بنمط الحياة مثل الحمية و التدخين و الإجهاد (الضغط)، كما أن السمنة و التعرض لملوثات معينة قد ترتبط بقصر طول التيلومير، بالإضافة لعوامل مقترحة أخرى.
Image: life-enhancement.com
(الصورة تُظهر الصبغيات أثناء الانقسام الخلوي ويظهر فيها التيلومير بشكل نقاط مضيئة في أطراف الصبغيات بالتألق تحت المجهر).
هل هنالك آلية ما للحفاظ على طول التيلومير؟
نعم ، "التيلوميراز" و هو أنزيم يضيف بشكل دائم متواليات ال TTAGGG إلى نهايات الصبغي أي إلى مناطق "التيلومير" .
ولكن هذا الأنزيم يتواجد بنسب ضعيفة جداً في خلايا الجسم العادية ، حيث أن دورة حياة الخلية لا تتطلب وجوده، فتشيخ، مما يؤدي بنا إلى التقدم بالعمر و ما يرافقه من مظاهر الشيخوخة .
وظيفة التيلوميراز حقيقةً تتمثل في الحفاظ على انقسام الخلية و صيانتها ، وكذلك حماية الخلية من الشيخوخة، حيث وجد باحثون أن الخلايا المزروعة في المختبر قد ((تقلب)) عقارب ساعتها الحيوية لتعود قادرة على إبداء مظاهر معينة للشباب الخلوي (قدرة عالية على الانقسام) عند معالجتها بطريقة تسمح بإطالة التيلوميرات .
مما ذكرناه مسبقاً يمكننا أن نفهم الغاية من وجود تراكيز عالية من التيلوميراز في النطاف و البويضات و كذلك الخلايا الجذعية في الجسم.
ما علاقة التيلوميراز بالسرطان؟
من المثير للاهتمام أن العلماء وجدوا تراكيز عالية من التيلوميراز في الخلايا السرطانية، يُعتقد أن هذه التراكيز تسمح للخلية السرطانية بأن تصبح ((خالدة)) و بأن تستمر بالتضاعف إلى ما لا نهاية، حيث يتوقع أنّ إيقاف فعالية التيلوميراز بطريقة أو بأخرى قد يوصل الخلية السرطانية لمرحلة (الحد الحرِج) من خلال تقصير طول التيلومير، وبالتالي قد نمنع الخلية السرطانية من الانقسام بلا حسيب أو رقيب.
رغم أنّ العلماء وجدوا بأن الفئران التي تفتقد للتوليميراز تُظهِر علامات الشيخوخة المبكرة، وأن الأطفال حديثي الولادة يملكون عموماً توليميرات أطول من الأفراد الأكبر عمراً، و أن الخلايا البشرية المزروعة في المختبر توقفت عن الانقسام عندما تم تعطيل التيلوميراز ومن ثم دخلت في مرحلة السبات، ومن ثم عاودت انقسامها عندما عندما تمت إعادة تفعيل التيلوميراز إلا أن القدرة الطبية العملية لهذه المفاهيم لا زالت غير مؤكدة، دون أن ننسى السعي الدؤوب لباحثين كثر لاستغلال هذه المعارف في استهداف التيلوميراز وتثبيطه في الخلايا السرطانية والعمل للاستفادة منه في دراسة خلود الخلية وبقاء الجسم سليم وفي مرحلة الشباب الدائم ، وهي حقا دراسات واعدة وكثيرة في هذا المجال.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا