تعرّف على عمليةِ إعادَةِ الارتِباط المغناطيسي العَجيبة
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
لا تتصرفُ البلازما في الفضاء بنفس الطريقة التي تتصرفُ بها في الأرض، ذلك لأنَّها تتحرك وبداخلها مجموعتها الخاصة من المجالات المغناطيسية الملتصقة بها حيث تنحصر جزيئات البلازما المشحونة في مداراتٍ دائريةٍ حول خطوط الحقل المغناطيسي. وبالتالي فإنَّ أي تغييرٍ في حقول البلازما المغناطيسية، يؤثرُ على الطريقةِ التي تتحرك بها جسيمات البلازما المشحونة والعكسُ صحيحٌ.
في الأحوال العادية، لا تنكسرُ خطوطُ المجالِ المغناطيسي في داخلِ البلازما ولا تندمج مع أي خطوطٍ ميدانيةٍ أخرى. ولكن في بعض الأحيان، تقترب خطوط الحقل المغناطيسي من خطوط حقلٍ آخر مُعاكسةٍ في الاتجاه فيتغير نمطُ الحقلين المغناطيسيين ويُعاد ترتيب كل شيءٍ من جديد، فيما يُسمّى "عملية إعادة الارتباط المغناطيسي".
Image: wikimedia.org
إنّها الآلية ذاتها المسؤولةُ عن انتشارِ الطاقة المغناطيسية في الكون، لهذا فمن المهم جدًا أن نفهمَ طبيعة هذه العملية لنتوصل إلى فهمٍ أعمقَ لبعض الظواهر الكونية التي يشكل فهمها تحديًا للعُلماء؛ مثل الانبعاثات الشمسيّة وتأثير العواصف الشمسية على مجال الأرض المغناطيسي. وقد أطلقت وكالة ناسا في آذار\مارس 2015 مهمة MMS الأولى من نوعها لدراسة عملية إعادة الارتباط المغناطيسي، وذلك عن طريق الدوران حول الأرض والمرور بشكلٍ مباشر بِمناطق إعادة الربط المغناطيسي المجاورة ومراقبة التفاصيل الدقيقة لهذه العملية.
كيف تحدث عملية إعادة الإتصال المغناطيسي؟
كما ذكرنا سابقًا، إعادة الإتصال المغناطيسي هو عملية كسر وإعادة وصل خطوط حقلين مغناطيسيين متعاكسين في الاتجاه. فإذا تخيلنا تَجمعين منفصلين من البلازما المُمغنطة بحيث تتجه خطوط الحقل المغناطيسي لكل منهما باتجاهٍ مُعاكسٍ للآخر، و لم يكن هناك أي حقل مغناطيسي بينهما أو لربما وُجد حقلٌ مغناطيسيٌ لكنه ضعيف الطاقة، فإنه يُمكن لهذين الحقلين المغناطيسيين في ظل الظروف المناسبة أن يقتربا من بعضهما، الأمر الّذي يُحدِثُ تفاعلًا شديدًا يؤدي إلى تفكك خطوط كل من الحقلين المغناطيسيين و إعادة ترتيبها معُا في صيغةٍ جديدةٍ. ويعدُ أبرز ما ينتج عن هذه العملية تحول الطاقة المغناطيسية إلى طاقةٍ حركيةٍ وحراريةٍ تقذف جُسيمات البلازما المُنفصلة عن حقولها المغناطيسية إلى الخارج بسرعاتٍ كبيرةٍٍ.
تتشوّه خطوط الحقل المغناطيسي على جانبي التدفق العاموديين، في حين تنشأ خطوط حقلٍ مغناطيسيٍ جديدٍ بفعل عملية إعادة الارتباط، تَظهر هذه الحقول على جانبي المنطقة الأفقية.
إنِّ عملية إعادة الربط المغناطيسي هي الأساس للعديد من الأحداث المثيرة في نظامنا الشمسي. على سبيل المثال، يُعتَقدُ أنّ إعادة الربط المغناطيسي هي المسؤولةُ عن التّوهُجاتِ الشّمسيَة الّتي تَحدُث بِالقُربِ مِنَ البُقعِ الشّمسية. يُؤدي النَشاطُ المغناطيسي الشمسي، بما في ذلك التّوهجاتُ الشمسية، إلى قذفِ أعدادٍ هائلةٍ من الجُسيماتِ المشحونة ذات الطاقة العالية في الفضاء. وإن وصلت هذه الجُسيمات إلى الأرض، فإنها قد تُعطِل شبكات الكهرباء وأنظمة الاتصالات وقد تُشكِلُ خطرًا يُهدِدُ المركبات الفضائية والأقمار الصناعية.
هناك أيضًا ظواهر أخرى مُرتبطةٌ بعملية إعادة الربط المغناطيسي، مثل ظاهرة الشفق القُطبي التي تحصُل عند أقطابِ الكُرةِ الأرضية والكواكب المغناطيسية الأُخرى، يعود ذلك إلى اضطراب الحقل المغناطيسي الأرضي بتأثير الرياح الشمسية.
Image: nasa.gov
تضرِبُ العواصِفُ الشمسيةُ القوية منطقة ذيل الأرض المغناطيسي Magnetotail أحيانًا مما يؤدي إلى حدوثِ عملية إعادَةِ الارتباط فيها، ولأن هذهِ المنطقة هي جزءٌ من الغلاف المغناطيسي الأرضي، فإنَّ عملية إعادة الارتباط تؤدي إلى تَسارع البلازما في تلك المنطقة في اتجاه خطوط الحقل المغناطيسي الأرضي مُتجهةً نحو الأقطاب الأرضية إلى أن تخترق الغلاف الجوي الأرضي، مؤديةٍ إلى استثارةِ ذرات الأكسجين والنيتروجين والذرات الأُخرى الموجودة في الغلاف الجوي. تؤدي استثارةُ هذه الذرات إلى انبعاث الأضواء الرائعة التي تُعرفُ باسم ظاهرةِ الشفق القطبي.
إن مُعظَمُ ما نعرفه حاليًا عن فيزياء هذه العملية، هو نتيجةٌ للدراسات النظرية، ونماذج الحاسوب والتجارُب المخبرية. لكن العُلماء يطمحُون إلى معرفة المزيد عنها. وأحدُ أكثر ألغاز إعادة الربط المغناطيسي غرابةً هو أنَّها تكون نشيطةً جدًا في بعض الحالات، وفي حالاتٍ أُخرى تكونُ ثابتةً، وفي بعض الحالات، لا تحدُثُ على الإطلاق.
يريدُ العُلماء أن يتوصلوا إلى فهمٍ أعمقَ للشروط ونقاط التحول الّتي تُسبب عملية إعادة الربط المغناطيسي. لكن التعمُق في دراسة هذه العملية المُثيرة للاهتمام يتطلب مُراقبتها عن قرب، وهل من مكانٍ أفضل من الفضاء الغني بالبلازما، لدراسة هذه العملية؟
هذا ما تقوم به مهمةُ MMS المتخصصة بدراسة مجال الأرض المغناطيسي في مُختبر الفضاء الواسع وتحت وطأة مجموعةٍ من الظروف المُختلفة وغير المتوقعة أحيانًا.
تتألفُ مُهمةُ MMS من أربعِ مَركباتٍ فضائيةٍ متطابقةٍ. تَطيرُ على شكلِ هرمٍ، لِتُشكل خريطةً ثُلاثيةَ الأبعاد للظواهر الّتي ترصُدها. وفي شهر تشرين الأول\أكتوبر عام 2015، سافرت المركبة الفضائية مباشرةً في داخل حدثِ إعادة الارتباطِ المغناطيسي على الحدود بين مجال الأرض المغناطيسي وحقل الشمس المغناطيسي. وفي بضع ثوان فقط، واعتمادًا على 25 جهازِ استشعارٍ لِكُلِ من المركبات الفضائية، تمكَنت المُهمةُ من جمعِ الآلاف من الملاحظات. وفتحت هذه التجربةُ الغير مسبوقة الباب أمام العُلماء لدراسةِ التغيرات في المجالات المغناطيسية والكهربائية، فضلًا عن دراسةِ سُرعةِ واتجاهِ مُختلفِ الجسيمات المشحونة.
المصادر: هنا
هنا
هنا
هنا