روبوت من الذهبِ الخالصِ والخلايا الحيّة
الهندسة والآليات >>>> الروبوتات
هيا بنا سويّةً نتابعُ في هذا المقالِ أحد آخر التطويرات في عالم الروبوتات، والتحكم الآلي والمستوحاة من الكائنات الحية.
يحاولُ الباحثون في سعيهم الدائمِ للوصولِ لأعلى، وأقرب درجة من تطور الروبوتات لتكون أكثر شَبَهَاً بالكائنات الحية. لكنّ الأمر يبدو غايةً في الصعوبة خصوصاً عندما نتحدثُ عن الحركات المتحكم بها، لكن العلماء يعتمدون طريقة لتجنب الدخول في طريق تطور الكائنات الحية من البداية، وهو إجراء عملية نسخ لكاملِ العضو، فعلى سبيل المثالِ يتمُّ نسخُ شكل وبنية كرات العيون الكاملة باستخدام كاميرات خاصة ودقيقة جداً، وتبدو هذه النماذج مفيدة في حالات معينة، ولكننا نسعى دوماً لامتلاك القدرة على تصميم، وتطوير روبوت يشابه أو يضاهي الحيوان من ناحية الهيكل وليونة الحركة.
استطاعَ فريقٌ من الباحثين بقيادة سونغ-جين بارك والبروفيسور كيفن كيت باركر من جامعة هارفرد، اكتشاف طريقة لدمج تقنيات الروبوتات مع التقنيات المستوحاة من الكائنات الحية، والتحكم بها لخلق روبوت صغير يمكن التحكم به بشكل كامل، عبر خلايا عضلية مأخوذة من الفئران يمكن التحكم بها عبر نبضات ضوئية وتمتلك القدرة على السباحة.
تبدو في الصورة التالية على اليمين سمكة رّاي batoid fish حقيقية وصغيرة، حيث تستطيعُ هذه السمكة السباحة بسرعة وسهولة من خلال حركة زعانفها في حركة متموجة، مشكلةً تموجات تنتقل من مقدمتها إلى الخلف مسببة دفعها في الماء نحو الأمام، تمتازُ حركةُ هذه السمكة رغم بساطتها بأنها فعّالة، وذات قدرة عالية على المناورة، ما يجعل هذا النوع من الأسماك نموذج حي لتطبيقه على الروبوتات بحسب ما يراه الباحثون، حيث نرى إلى اليسار من الصورة نفسها روبوت صغير مسطح:
Image: IEEE
توضح الصورة التالية الروبوت السمكة بشكل مكبر:
Image: IEEE
بنية الروبوت وآلية الحركة:
يتكونُ هذا الروبوت من جسدٍ مصنوعٍ من المطاط الصناعي، وهيكل عظمي من الذهب مع طبقة وحيدة من الألياف العضلية المرتبة بدقة عالية، والمأخوذة من قلب فأر حديث الولادة. تمّ تعديلُ هذه الألياف وراثياً؛ لتصبحَ ذات استجابة لنبضات من الضوء الأزرق وموزعة على طول جسم الروبوت بشكل مُجَعّد، حيثُ تؤدي تقلصاتها إلى حركة متموجة بشكلٍ متكررٍ دون الحاجة الى وجود أي نظام تحكم.
وبما أن هنالك طبقة واحدة من العضلات تتقلص؛ للحصولِ على تموجٍ سفليّ، فإن التموج العلوي يتم الحصول عليه بالاستعانة بالهيكل الذهبي الذي يتمتعُ بقساوة متباينة، وغير متماثلة على طوله تجعله يَسلك سلوك نابض، فعندما يحدث التموج السفلي ينضغط الهيكل، وعند ارتخاءِ العضلة سيرتد لحالته الأولى تلقائياً.
استغرقَ بناءُ هذا الروبوت حوالي سبعة أيام، بسبب وجود عملية نمو خلال البناء.
تتشكلُ الطبقةُ العضلية التي تحرك الروبوت من حوالي 200،000 خلية حيّة، ويبلغُ طولُ الجسم 16.3 مم، كما يزنُ حوالي 10 غ، أما أعلى سرعة سباحة فهي 3.2 مم/ثا والتي تعتبر سرعة جيدة لجسم صغير كهذا.
زيادة تواتر النبضاتِ الضوئيةِ سيؤدي إلى تموج أسرع، أما عمليةُ التوجيهُ فتتم من خلال تطبيق تواتر نبضات ضوئية على جهة أعلى من الجهة الأخرى، علماً أن أسماك الرّاي تستعمل نفس هذه الطريقة عند الالتفاف.
أجرى الباحثون تجاربَ كثيرةً حتى توصلوا إلى الطريقة المثلى لبناء الطبقة العضلية، بحيث تتوافق مع تصميم، وشكل جسم الروبوت (فالزعانف على سبيل المثال في المقدمة أعرض من الخلف) مما أعطى سرعة ومردوداً عاليين.
تظهرُ عمليةُ قيادةِ وتوجيهِ الروبوت في الفيديو التالي، ضمن قوس بطول 250 مم، ويمكنكم ملاحظة الوقت في الجانب الأيسر الأعلى من الفيديو:
لا يمكننا من الفيديو السابق معرفة المادة التي يسبح فيها الروبوت، إنها تشبه الماء ولكنها ليست كذلك حيث تُدعى محلول تايرود "Tyrode"، حيث يُعتَبر مسؤولاً عن تغذية الروبوت أثناء سباحته خلاله، هذا المحلول يحوي كل المواد التي يحتويها الدم تحديداً السكر الذي تستهلكه العضلات كوقود لتقوم بعملها، بمعنى آخر إذا وضعنا هذا الروبوت في الماء، فإنه لن يتحرك مهما أثرنا عليه بنبضات ضوئية في حين أنه قد يعمل بنشاط في دم الإنسان.
قد يبدو هذا الروبوت صغيراً وضعيفاً، لكنه يملكُ من القوةِ ما يجعله قادراً على أن يسبح وبمردود يصل إلى 80% لمدة 6 أيام بعد "الولادة"، طالما أنك تطعمه وتُشرِبه. وهذا يقدم فكرة أنه ربما وعند نقطة ما سيقوم بشئ مفيد، كما يجب أن لا ننسى فكرة أنه لن يعمل خارج وسطه الخاص.
في النهاية، لابد أن نقدمَ لكم مفاجأة أخرى تتمثلُ بعنوان الورقة البحثية التي نشرها الباحثون في مجلة العلوم، حيث أشاروا إلى ما صنعوه باسم "حيوان متكيف على السباحة adaptive swimming animal " وأطلقوا عليه أيضاً اسم "روبوت النسج المُعاد هندستها"، وهذا يبدو دقيقاً رغم أنه يُسبب القلق من ناحية كون هذا الشيء يحوي خلايا حية، وقد يعتقد كثيرون بسبب ذلك أنه كائنٌ حي، لكن هذا غير صحيح.
تطمحُ الورقةُ البحثية أيضاً إلى أن هذا الروبوت سيمهدُ الطريقَ لتطويرِ مخلوقات صناعية تتمتعُ بتحكم مستقل وقابلة للتكيف، ومن المثير للاهتمام التفكير فيما قد نستطيع الوصول إليه من هذه الفكرة، لربما في المستقبل سيصبحُ العالم مليئاً بالروبوتات التي تستخدم البيولوجيا لتصنيع حيوانات هجينة قد تكون أكثر تطوراً وقدرةً من الآلات الميكانيكية أو الأنظمة البيولوجية.
المصدر:
هنا