خمسُ حقائِق عَن الانفجار العظيم
الفيزياء والفلك >>>> علم الفلك
يُطلق على هذا التوصيف للكون اسم: نموذج الانفجار العظيم. وقد أثبت هذا النّموذج نجاحًا مُبهرًا خلال العقود الماضية. فما هو هذا النموذج و كيف يصف الكون؟
1. حدث الانفجار الكبير في كل الأرجاء, في اللحظة ذاتها:
ليس للكون مركز أو حافة، وكل جزء من الكون آخذ في التّوسع. وهذا يعني أنّنا لو أردنا إعادة عقارِب السّاعة إلى الوراء، يمكننا معرفة متى كان كلّ شيء متراصًا معًا. فكل مكان في الكون اليوم قد احتل نفس المكان منذ 13.8 مليار سنة، إذ لم يحصل الانفجار العظيم في مكانٍ منفصل في زاويةٍ من زوايا الكون، بل حدث في كل مكان في وقتٍ واحد.
2. قد لا يصفُ الانفجارُ العظيم البداية الفعلية لكل شيء:
يشير مصطلح الانفجار العظيم بشكلٍ كبير لنظريّة التوسع الكوني والكون المُبَكِر الساخن. ومع ذلك، فإن العلماء استخدموا هذا المصطلح لوصف اللحظة اللتي كان فيها كل شيءٍ مُحتوىً في نقطة واحدة. المشكلة هي أنهُ ليس هنالك أية نظرية تصف تلك اللحظة الّتي تُسمى اعتباطيًا " نقطة التفرّد الأولي ".
نعرفُ أن نقطة التفرّد الأولي تُمثّل بداية الكون، ولكننا لا نعلمُ مالّذي سبقها. يعودُ السّبب في ذلك إلى أنَ مُعظم أو ربما كل المعلومات الّتي تصف أي تاريخٍ سبقَ الانفجار العظيم قد فُقِدت في وقت مبكرٍ وحارٍ جدًا من عمر الكون وخلال مرحلة التوسع السريع "التضخم الكوني" Inflation الّذي تلا نقطة التفرّد الأولي. يُحاول عُلماء الفيزياء باستمرار التوصل إلى أي علاماتٍ أو دلائل عن كونٍ سابق. وبالرغم من أنهم لم يحصلوا على أي منها حتى الآن، إلا أن الأمرغيرُ مُستبعد.
3. توضّحُ نظريةُ الانفجار العظيم مصدر الهيدروجين والهليوم في الكون:
قام العالمان رالف الفر Ralph Alpher وجورج جامو George Gamow في الأربعينات بحساباتٍ تشيرإلى أن الكون المبكر كان ساخنًا وكثيفًا بما فيه الكفاية لصناعة مُعظم الهيدروجين ومن ثُمّ الهيليوم والليثيوم و الديوتريوم الموجودة في الكون اليوم. تُعرفُ هذه العملية باسم "الاصطناع النووي للانفجار العظيم" أو Nucleosynthesis. ويعتبر الاصطناع النووي أحد أنجح تنبؤات نموذج الانفجار العظيم من الناحية النظرية. تجدر الإشارة إلى أن العناصر الأثقل ( كالأكسجين والحديد و اليورانيوم )قد تشكّلت في النجوم و انفجارات السوبرنوفا.
إن خيرَ دليلٍ على الانفجار الكبير هو الخلفية الإشعاعية الميكروية للكون. ففي وقتٍ مُبكر، كان الكون كثيفًا بما فيه الكفاية لدرجة تجعلهُ مبهمًا تمامًا. لكن لاحقًا عندما أصبح عمر الكون نحو 380،000 سنة، أصبح الكون واسعًا بفعل التضخم الكوني بما فيه الكفاية لجعله وسطًا شفافًا ينتقلُ فيه الضوء بحرية. إذ أدى توسّع الكون إلى انخفاض حرارته تدريجيًا لدرجةٍ كافيةٍ تسمحُ بتشكيلِ الذّرّاتِ المعتدلة وتحرير الفوتونات من البلازما السّاخنة المؤلّفةِ من الإلكتروناتِ والأنويةِ الخفيفةِ، الأمر الّذي أفسح المجال للفوتوناتِ كي تُسافر عبرَ الكونِ مُشكِّلةً الفوتوناتِ ذاتِها الّتي نراها في الإشعاعِ الميكرويّ الخلفيّ للكونِ.
لاحظَ العالمان أرنو بينزياس Arno Penzias و روبرت ويلسون Robert Wilson إشعاع الخلفيّة الميكروية للكون أول مرة في عام 1960. وقد عزّز هذا الاكتشاف نظرية الانفجار العظيم باعتبارها أفضل وصف للكون. ومنذ ذلك الحين، تم توظيف هذا الإشعاع للحصول على معلوماتٍ كثيرة عن هيكل الكون الكليّ ومحتواه.
4. أول من فكر في أصل الكون بشكلٍ علميّ هو قسّ كاثوليكيّ:
إضافةً إلى دراسته و تدريبه الكاثوليكي، كان جورج لوميتر فيزيائيًا درسَ النسبية و توصّل في الفترة ما بين العشرينات و الثلاثينات من القرن الماضي إلى معرفة بعض الظّروف الّتي مرّ بها الكون في مراحله المُبكرة.
وصف لوميتر أصل الكون بالبيضة الكونيّة، وأحيانًا سمّاه الذرّة القديمة. من المؤسف أن هذه التسميات لم تستمر و تنتشر للدلالة على أصل الكون.
5. يبدو أن مصطلح "الانفجار العظيم" لا يُعجبُ أحدًا:
ظلّت فكرةُ أن الكون غير أبدي بل هو كون له بداية، فكرةً جدلية حتى السّتينات من القرن الماضي. أطلق العالم الفلكي Fred Hoyle مصطلح الانفجار العظيم للمرة الأولى ساخرًا من الفكرة خلال حوارٍ معه على إذاعة BBC. وقد سخر فريد هويل من الانفجار العظيم لأنه يدعم فكرة ان الكون أبدي لا بداية أو نهاية له.
تعدُّ نظرية الانفجار العظيم حجر الزاوية بالنسبة لعلم الكونيات اليوم، لكنها ليست القصّة الكاملة. فقد مرّت هذه النظرية بمراحل عديدة من التعديلات منذ أن صاغها العالم جورج لوميتر لكي تلائم الأرصاد و الظواهر الغريبة التي يكتشفها العلماء باستمرار في الكون. وتعدُّ كل من المادة المظلمة (التي تُبقي المجرّات متماسكة) و الطاقة المظلمة (الّتي تسرّع التمدد الكوني)، أهم الألغاز التي عجز النموذج الحالي لنظرية الانفجار العظيم عن تفسيرها.
المصدر: هنا