العلاقة بين تأثير حمض التانّيك على اللُّعاب وقفازات صيد الأسماك
الكيمياء والصيدلة >>>> كيمياء
والمشروباتِ في الفم مفيدةً في التقاط وجباتِ الطعامِ في المستقبل؟
كان هذا احتمالاً أثارَه فينغ تسو Feng Zhou وزملاؤه في معهد لانتسو Lanzhou للفيزياء الكيميائيةِ في الصين، عبر دراسة ظاهرةِ جفاف الفم المعروفةِ باسم العُفُوصةِ أو الصفةِ القابضة astringency.
لقد قاموا بقياسِ إلى أيِّ درجة يقلّل حمضُ التانّيك من التأثير المزلِّقِ لبروتينات اللعاب، ومن ثَمّ أظهروا بأنّ تأثيراً مماثلاً لذلك يسهّل عمليةَ الإمساكِ بالأسماك الزَّلِقة. ومن المحتمل التعرضُ لهذه الظاهرة؛ أي الصفةِ القابضة، فى حياتنا اليومية، فعند أكلِ فاكهةٍ غيرِ ناضجةٍ أو حتى شُربِ فنجانٍ من القهوة، فأنت تختبر على الأرجح ذلك الإحساسَ بالتجعُّد أو التغضّنِ في الفم، وهذا ما ينتُج عن فقدان القدرةِ المزلِّقةِ العجيبة للُّعاب، كما يوضّح باول بريسلين Paul Breslin من مركز مونيل Monell، وهو معهدٌ لأبحاث الذوق والشمِّ في فيلادلفيا وبنسلفانيا وجامعة روتجرز في ولاية نيو جيرسي الأمريكية.
إنّ بروتيناتِ المُوسين Mucin المُفرَزةَ في اللعاب تمتلك قدرةً غيرَ عاديةٍ على القيام بعملية التزليق أو التليين، في ظلّ وجود الضغط العالي المبذولِ من الأسنان، ولولا هذا لما كانت ستبقى لدينا أسنانٌ عند بلوغ سن الثلاثين عاماً؛ إذ كانت ستتآكل بالكامل!
من الشائع أن تتفاعلَ البروتيناتُ مع مركبات البوليفينول المتواجدةِ بالأغذية والمشروبات، بما في ذلك مركبات حمض التانّيك (أو العَفص)، بواسطة روابط كارهة للماء وهايدروجينية. نتيجةً لذلك يُستخدم حمضُ التانّيك على نطاق واسعٍ كعاملٍ مرسِّبٍ للبروتينات، يساعد على استخلاص البروتينات من المحاليل صناعياً لتنقيتها. عندما يتم وضعُ هذه المركباتِ في الفم فإنها ستعمل على ترسيب البروتيناتِ الموجودةِ في اللعاب، وتتداخل مع عمليةِ التزليق. فالصفةُ القابضة التي نختبرها وقتَما نتذوق طعاماً غنياً بالتانّينات أو مركباتِ التانّين هي ليست مجردَ طَعمٍ نتذوقه، بل هي شعورٌ بزيادة الاحتكاك.
رغم أنّ العلماءَ يعرفون بالفعل ذلك المبدأَ الأساسيَّ، أراد فريق فينغ تسو الحصولَ على قياساتِ الاحتكاك المفصَّلة. وبإجراء عددٍ من التجارب مستخدمين أداةً تدعى tribometer وتعتمد على تمرير كرةٍ ناعمة من مادة السيليكون على سطحٍ زجاجيٍّ مطلي ببروتين الموسين (الذي تحدثنا عنه سابقاً)، توصّلوا إلى أن إضافةَ حمضِ التانّيك سبّب زيادةَ الاحتكاكِ بين السطحين سريعاً، وأنّ زيادةَ تركيز حمض التانّيك قد زاد من شدة الاحتكاكِ ومن الوقت الذي تستغرقه عمليةُ التزليق للعودة إلى الوضع الطبيعي. كذلك سبّبتْ إضافةُ كل من النبيذ الأحمر وحبوب القهوة زياداتٍ مماثلةً بالاحتكاك. وعلى العكس فقد عمل الحليبُ بتركيبته الغنيةِ بالبروتين والدسمِ كمادة مزلِّقة.
بعد جمعِ هذه البياناتِ، انتقل الفريق لتفسير معناها. ولتحويل النتائج السابقةِ إلى طريقة تُحاكي (أو تُشابِه) الوضعَ داخل الفم صنع العلماءُ نموذجاً من فقاعة على شكل لسانٍ من الهلام المائيِّ "البُولي أكريلاميديّ"، تلك المادة ذاتِ التركيبِ الكيميائيِّ الحساسِ لمادة البولي فينول. كان سطحُه مرناً في الماء حيث الاحتكاكُ بسيط، وكان سريعَ الانزلاقِ من بين أصابع العلماء. إلا أنّ حمضَ التانّيك جعل الهلامَ لزجاً ودبِقاً وأدّى إلى تقلّصه نتيجة الجفاف. مثل تلك البروتيناتِ المليّنةِ غيرُ موجودة حصراً في الفم بل كذلك فى الأسماك، وهى ما تجعل منها لزجةً أيضاً، وهذا يزوّدها بوسيلة للهرب من الكائنات المفترسة.
من هذه المعلومات تمكن فريقُ تسو من صنع قفازاتٍ مطاطيةٍ تحتوي على مكامِن لحمض التانيك ضمنَها، وتجعل صيدَ الأسماك باليد أكثرَ سهولةً من ذي قبل. وقد استطاعوا أن يصطادوا سمكةَ سِلَّوْر صفراءَ على الفور بتلك القفازات، وذلك كان يُعد مستحيلَ الحدوثِ تقريباً بالقفازات العاديةِ، فالبروتينُ على جلد السمكة يترسّب بسرعة، وهذا ما يدمّر طبقةَ التزليقِ اللزجةَ سريعاً، ويسهّل صيدَ الأسماك.
تعتبر هذه الدراسة شيقةً جداً وشديدةَ الإبداع، لكن تلك التجربةَ أُجريت فى المياه العذبة وهناك احتمالية أن تقلّل المياهُ المالحة من كفاءة القفازاتِ، أي أنّ الاحتكاكَ بين حمض التانيك والبروتيناتِ ربما سيتأثر بهذا الاختلافِ في نوعية المياه. فى المقابل يؤكد العلماءُ أن هذه التجربةَ كانت مجردَ ظاهرةٍ شيّقةٍ، مع الاعتراف بأنّ أمامَها شوطاً طويلاً كي تصبح طريقةَ صيدٍ شائعةً، لكنها بالتأكيد سوف تفتح العديدَ من المجالات.
المصادر:
هنا
هنا