العلاج الخلوي ومقارباته الحديثة (1): هل سنتمكن من قهر بعض أنواع السرطان قريباً؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
تعتمد إحدى المقاربات المطروحة على هندسة خلايا المريض المناعية للتعرّف على الورم ومهاجمته، ومع أنَّ هذه المقاربة ظلت محصورةً في عدد من الدراسات الصغيرة إلا أنَّها أظهرت نتائجَ مثيرةً للاهتمام في بعض الحالات، إذ إنّ استعمالَ استراتيجيةِ نقل الخلايا المُتبنّاة Adoptive Cell Transfer (تكون تلك الخلايا من المريض نفسِه أو من غيره) في دراساتٍ مبكّرة أدّى إلى اختفاء المرض في بعض حالات ابيضاض الأرومات اللمفاوية الحاد Acute Lymphoblastic Leukemia المتقدمة عند مرضى لم يعد لديهم الكثير من الخيارات العلاجية، كما أدى في بعض الأوضاع إلى إبقاء مرضى خالين من المرض مدةً طويلة. كما أظهرت دراساتٌ أخرى حول اللمفومات نتائجَ مشجعةً، ولكنَّ هذا كلَّه يبقى في نطاق إثبات المبدأ فحسب، وما زال الموضوع بحاجةٍ إلى المزيد من البحث نظراً لحجوم الدراسات الصغيرة وعواملَ أخرى.
تعتمد هذه الطريقة على خلايا المريض اللمفاوية التائية التي تُسهم في الوضع الطبيعي في حماية المريض مناعياً، إذ تخضع-بعد جمعها- إلى تقنيات الهندسة الوراثية لتنتِجَ وتُظهِرَ على سطحها مستقبلاتٍ خاصةً، تستمدّ الخلايا المعدلة اسمَها منها فيما بعد، فتدعى الخلايا التائية هجينية (خَيمرية) مستقبلات المستضد Chimeric Antigen Receptors. تسمح هذه المستقبلاتُ لخلاياها الحاملة بالتعرف على بروتينات معينة على خلايا ورمية معينة، بآلية تشبه التناسبَ بين القفل والمفتاح، ما يُسهّل تدميرَها في التجارِب المخبرية. ومن ثم تُنمَّى هذه الخلايا التائيةُ المعدلةُ في المختبر حتى يصل عددها إلى المليارات.
في الخطوة التالية يُحقَن المريض بالخلايا المناعية الناتجة، وإذا جرت الأمور كما هو مخطط، فإنّها ستتضاعف في جسمه، ومن ثم ستتعرَّف على الخلايا الورمية التي تحمل المُستضدَّ الملائم لمستقبلها المذكور آنفاً وتقتلها.
رغم كلِّ هذا كانت بعضُ التجارِب الأولى في الجسم الحي (ضد سرطان المبيض مثلاً) مخيبةً للآمال، إلّا أنَّ الأجيالَ اللاحقةَ من هذه الخلايا تميّزت بإضافة أجزاء جديدة إلى المستقبِل تسمح للخلية بالتمتع بإشارة ثانية (للتحريض) تتلو الإشارة الأساسية، ما أسهم في حل مشكلتَي وهن التفعيل anergy أو الموت المُحرَّض بالتفعيل Activation Induced Cell Death اللذَين قد يُفسّرا – على الأقل جزئياً- ضَعف فعالية علاجات الجيل الأول.
تُعد ُّالخلايا التائيةُ هجينية (خيمرية) مستقبلات المستضد chimeric antigen receptors الحجرَ الأساس في العديد من التجارِب السريرية، منها ما يستهدف أوراماً صَلبة، كالميلانوما، ومنها ما يستهدف خباثاتِ اللمفاويات البائية (نوع آخر من الخلايا المناعية) كالابيضاض (اللوكيميا) اللمفاوي الحاد والمزمن.
ولتتّضح أهميةُ هذا الخيار لا بدَّ من طرح الأمثلة، فبالنسبة لـ اللوكيميا اللمفاوية الحادة الناجمة عن الخلايا البائية -النوع الأشيع من اللوكيميا عند الأطفال- قد يكون شفاء 80% من المرضى ممكناً باستخدام العلاج الكيماوي المركز (بشكل رئيسي)، ولكنَّ الخياراتِ تبقى محدودةً لأولئك المرضى الذين يعاود (ينكس) لديهم المرض بعد العلاج الكيماوي المركز أو زرع الخلايا الجذعية الدموية، بل إنَّ هذه الخيارات قد تتناهى للصفر كما صرح Stephan Grupp البروفيسور في مشفى أطفال فيلادلفيا والباحث الرئيسي في الدراسة السريرية حول فعالية هذا العلاج عند الأطفال المصابين بالابيضاض اللمفاوي الحاد. صُممت الخلايا المذكورة كمثال لاستهداف المستضد المسمى (CD19) وهو مستضدّ موجود على كل الخلايا البائية تقريباً خبيثةً كانت أم سليمة.
أظهرت الدراسة التي تمت بالتعاون مع جامعة بنسلفانيا أنَّ كلَّ أعراض المرض اختفت (استجابة كاملة) عند سبعةٍ وعشرين مريضاً من أصل ثلاثين عولجوا بالخلايا التائية خَيمرية مستقبلات المستضد، وفق الدراسة المنشورة في New England Journal of Medicine، إذ بقي تسعةَ عشر مريضاً منهم في حالة هدأة remission (فترة شفاء من السرطان)، كما أنَّ خمسة عشر مريضاً منهم لم يتلقّوا علاجاتٍ إضافية، في حين انسحب أربعةُ مرضى آخرين من الدراسة ليتلقّوا علاجاتٍ أخرى.
ورغم أنّ هذه النتائجَ قد تُعدّ مشجّعةً إلّا أنّه ما زال أمامنا الكثير لنتعلَّمَه حول هذا العلاج، وربما نكون راضين مستقبلاً في حال تم التصديق على هذه المعالجات كجزء من ترسانتنا الموجهة ضد السرطان.
المصادر:
هنا
هنا
الدراسة الأصلية: هنا