الوحشُ الكامن .. قضية الدكتور جيكل والمستر هايد الغريبة
كتاب >>>> روايات ومقالات
(جابرييل آترسن)، محامٍ يقطن في لندن ويحقق في وقائع غريبة تَحصل بين صديقه القديم الدكتور جيكل والرجل الشرير إدوارد هايد. في بداية الرواية يَستمع (آترسن) من أحد أصدقائه إلى قصة هايد مع فتاة ارتطمت به خطأ في الطريق، فضربها وأسقطها على الأرض دون رحمة. يلتقي فيما بعد آترسن بصديقه الدكتور جيكل الذي اشتدَّ عليه المرض والذي يؤكد في وصيّته أن يكون السيد هايد ذاته وريثه الوحيد في حال موته أو اختفائه لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر.
يشعر آترسن هنا بالاستغراب الشديد ويقع في حيرة من أمره فهو على معرفةٍ تامة بالدكتور جيكل ذو السمعة الطيبة والصفات الحسنة، إلا أن صلته بالسيد هايد تثيرُ الريبة، فيفترض حتماً أن الأخير يهدد جيكل ولهذا يعزم على إيجاده. وعندما يلتقي آترسن به يجده رجلاً قبيحاً ذميماً يثير الاشمئزاز والنفور، وحينما يأتي على ذكره أمام جيكل يصيبه بالارتباك دون الوصول إلى حقيقة الأمر.
يرتكب هايد جانحة أخرى بعد مرور عام، إذ تشهد خادمة على ضربه وقتله لرجل بعصاه الثخينة، يتبين في ما بعد أن الضحية ليس إلا واحد من زبائن المحامي آترسن، والذي كان حاملاً رسالة له قبل موته. لا يتمكن أحد من العثور على هايد لكن آترسن يكتشف أن العصى المستخدمة هي ذاتها عصى كان قد أهداها سابقاً لجيكل.
تزداد غرابة الأحداث في الرواية ويزداد معها تصميم آترسن على الوصول إلى هايد وعلى حل لغز صلته بجيكل، فالرجلان يختلفان عن بعضهما اختلاف الليل والنهار، في الشكل والمضمون معاً، إلّا أنهما متصلان ببعضهما بطريقة ما، الأمر الذي تُفاجؤنا الرواية بكشفه في النهاية.
يروي القصة بأغلبها المحامي آترسن لكننا نستمع إلى إفادةٍ هامّة من الدكتور (لانيون) الذي كان على صلة بجيكل ويعرف تفاصيل علاقته بهايد، هو أول من يُطلعنا على هذا السر، بينما يروي الجزء الأخير من الرواية جيكل نفسه ضمن وصيّة كتبها توضح علاقته بهايد وسرّ مرضه وصراعه مع ذاته. تلعب طريقة سرد هذه القضية الغريبة دوراً هاماً في خلق وتعزيز عامل الخوف والإثارة في القصة، إذ تتسلسل الأحداث بطريقة تثير الغموض عبر مشاهدات آترسن، ثم تنتقل لإفادة لانيون الذي يمرض ويموت بعد وقت قصير من اكتشافه لسر جيكل لعدم تحمله ثقل المفاجأة وغرابتها، وتنتهي برواية جيكل لتقرير مفصل للأحداث توضح الملابسات والخلافات التي ظهرت منذ البداية لكنها تطرح في الوقت ذاته تساؤلات وشكوك ومخاوف يتركها للقارئ.
الملفت بالأمر أنَّ مشاعرَ الخوف التي تتعمّد الرواية خلقها وتعزيزها لا تعود فقط إلى الأحداث القاتمة والجرائم التي يرتكبها هايد ولا إلى الوضع الخطير الذي يعيشه جيكل بفعل علاقته مع هايد، بل إلى التهديد الداخلي الذي يعيشه كل إنسان في مواجهته لعدوه الأول والأخير، أي شيطانه ووحشه الكامن داخله.
تُعد قضية الدكتور جيكل والمستر هايد روايةً قصيرة للكاتب الاسكتلندي (روبرت لويس ستيفنسون) نشرها عام 1886 وهي من قصص الرعب الكلاسيكية والتي اكتسبت شهرة واسعة خاصة ضمن مجال التحليل النفسي الفرويدي. تطرح فكرة الازدواجية في الشخصية والصراع الكامن بين الخير والشر في كل إنسان، حتى أن لقب "جيكل وهايد" أصبح يطلق على كل من يحمل ازدواجاً في الشخصية. كما تعكس الرواية القلق الذي كان سائداً خلال العصر الفيكتوري حول الانقسام في الجانبين العام والخاص في المجتمع، إذ عُرف وقتها بانتشار النفاق الاجتماعي وازدواجيةٍ تجمع بين ظاهرٍ خيّر وباطنٍ شرير.
المؤلف: روبرت لويس ستيفنسن
ترجمة: جولان حاجي
دار النشر: المدى للثقافة والنشر – دمشق
تاريخ النشر: 2008
عدد الصفحات: 115