هل للسياقِ اللغوي أثرٌ على قراراتِنا؟
التعليم واللغات >>>> اللغويات
هل ستنقذُ حياةَ مئتي شخصٍ من أصلِ ستمئة؟
أم ستجازفُ بحياةِ أربعمئةِ شخصٍ من أصلِ ستمئة؟
متى يصبحُ الإنسانُ أكثرَ قابليَّةٍ للمجازفةِ بقراراتٍ قد تكونُ نتائجها كارثيَّةً، ومتى يصبحُ أكثرَ تحفظاً في قرارتِه؟ وماهوَ تأثيرُ السياقِ اللغويِّ على آليَّةِ اتخاذِ القرار. دراسةٌ تلقي الضوءَ على هذا الموضوع.
يؤثِّرُ الأسلوبُ الذي يتمٌّ بهِ تقديمُ المعلوماتِ للأشخاصِ في طريقةِ اتخاذِهم للقراراتِ، ويقومُ الأشخاصُ غالباً باستخدام آليّةٍ محددةٍ في تحليلهم للمعطياتِ تدعى "إشكاليةُ المرضِ الآسيويّ".
يقعُ الناسُ في هذهِ الإشكاليَّةِ عندما يتمُّ وضعُهم في موضعِ اتخاذِ القرارِ بخصوصِ قضيَّةِ انتشارِ وباءٍ معينٍ، ويتمُّ إعطاؤهم مسؤوليَّةَ التصرٌّفِ بمواجهةِ هذا الانتشار.
عندما يتمُّ تقديمُ المشكلةِ في إطارٍ لغويٍّ يركِّزُ على عددِ الأرواحِ التي يمكنُ إنقاذُها تكونُ الخياراتُ التاليةُ هي المتاحةُ أمامَ المشاركين:
الدواءُ (أ) سيقومُ بإنقاذِ حياةِ 200 شخصٍ من أصلِ 600.
الدواء (ب) سيعطي احتماليَّةَ الثُلُثِ أنَّ الـ 600 شخصٍ سيتمُّ إنقاذُهم واحتماليَّةُ الثلثينِ أنَّ لا أحد من الـ 600 شخصٍ سيتمُّ أنقاذهُ.
وفي الحالةِ الثانيةِ يتمُّ تقديمُ المشكلةِ بإطارٍ لغويٍّ يركِّزُ على عددِ الأرواحِ التي سيتمُّ فقدانُها، وتكونُ الخياراتُ هي ذاتُها ولكن بصيغةٍ ثانيةٍ:
الدواءُ (أ) سيتسبَّبُ بخسارةِ حياةِ 400 شخصٍ من أصلِ 600.
الدواءُ (ب) سيعطي احتمالية الثلث بأنَّ لا أحد من الـ 600 شخص سيموت واحتماليَّةُ الثُلُثَينِ بأنَّ جميعَهم سيموتون.
بالرُّغمِ من أنَّ كلا الدواءين يؤديَّانِ في الحالتينِ إلى النتائجِ نفسِها (الدواء أ هو الخيار الأكثر أماناً متجنباً العواقبَ السلبيَّة)، إلّا أنَّ قراراتِ الناسِ قد اختلفت باختلافِ الأسلوبِ اللغويِّ الذي تمَّ من خلالهُ تقديمُ المشكلة.
في الأسلوبِ الأولِ الذي يركِّزُ على عددِ الأراوحِ التي سيتمُّ إنقاذُها يكونُ الشخصُ في حالةِ تحفظٍ ويكرهُ أن يجازفَ بخسارةِ عددٍ أكبرَ منَ الأرواحِ فيأخذُ القرارَ الذي يضمنُ يقيناً إنقاذَ عددٍ كبيرٍ فيختارُ الدواءَ (أ).
أمّا في الحالةِ الثانيةِ التي يرى فيها أنَّ عددَ الخسائرِ كبيرةً، فيميلُ للمجازفةِ والمخاطرةِ لإنقاذِ عددٍ أكبرَ منَ الناسِ، فيختارُ الدواءَ (ب).
قامَ الباحثون أيضاً ببحثِ تأثيرِ الإطارِ اللغويِّ على اتخاذِ القراراتِ في حالةِ استخدامِ الأشخاصِ لغةً أجنبيَّةً ليست لغتَهم الأم، مقارنةً مع أشخاصٍ يستخدمونَ لغتهم الأم، فكانتِ النتائجُ متضاربةً ولم يكن تأثيرُ الإطارِ اللغويِّ على اتخاذِ القراراتِ متشابهاً في الحالتين.
وأظهرت دراسةٌ نُشرت في مجلةِ "علمِ النفسِ المعرفيِّ"* أنَّ هذا التأثير يَظهرُ لدى الناسِ عندَ استخدامهم لغتَهم الأم، لأنَّهم يستطيعيونَ تحليلَ المعلوماتِ بسهولةٍ وسرعةٍ أكبرَ وبمجهودٍ أقل مقارنةً بالحالاتِ التي يستخدمونَ بها لغةً أجنبيَّةً.
حيثُ قامت الدراسةُ باختبارِ مجموعةٍ منَ الطلابِ المتحدثينَ بالتايلنديةِ كلغةٍ أمٍ والإنكليزيةِ كلغةٍ أجنبيةٍ، وطرحت عليهم قضايا على غرارِ قضيَّةِ المرضِ الأسيويِّ لكن بمستوياتٍ مختلفةِ الصعوبةِ.
في حالةِ القضيّةِ الصعبةِ والتي تحتاجُ لمهاراتٍ لغويَّةٍ وتحليليةٍ عاليةٍ، ووقتٍ طويلٍ نسبياً للتفكيرِ واتخاذِ القرارِ لم يظهر تأثيرُ الإطارِ اللغويِّ لدى الطلابِ عندَ استخدامِهم للإنكليَّزيةِ، ولكنّه ظهرَ عندَ استخدامِهم للتايلنديَّةِ.
وفي حالةِ القضيَّةِ السهلةِ التي لا تحتاجُ لمهاراتٍ لغويَّةٍ عاليةٍ ولكنها تحتاجُ لاتخاذِ قرارٍ سريعٍ نوعاً ما، ظهرَ تأثيرُ الإطارِ اللغويِّ لدى الطلابِ عندَ استخدامِهم للانكليزيَّةِ والتايلنديَّةِ.
وتعتبرُ هذهِ الدراسةُ هامةً لأنها تساعدُ على تحديدِ أهميَّةِ الإدراكِ القائمِ على المعرفةِ اللغويَّةِ، وتقودُ إلى فَهمٍ أكبرَ لآليةِ تأثيرِ الإطاراتِ اللغويَّةِ على اتخاذِ القرارات.
الهامش:
*الدراسة نشرتها جامعة Southern Cross University, Australia بالتعاون مع جامعة Chulalongkorn University, Thailand
المصدر:
هنا