مارتن سكورسيزي، أسطورةٌ حية
الفنون البصرية >>>> عالم السينما والتلفاز
ولد سكورسيزي في 17 من نوفمبر عام 1942 في نيويورك، ويعرف بطريقته الدقيقة والحازمة في صناعة الأفلام، ويعتبر واحداً من أهم المخرجين على الإطلاق، وقد بدأ شغفه بالأفلام بعمرٍ صغيرٍ منذ أن كان في الثامنة. والداه من أصول أميركية وإيطالية، ونشأ في حي مانهاتن الإيطالي. عمل والداه في مهنة التمثيل مما ساعد في دفعه لحب السينما.
عانى سكورسيزي في صغره من الربو الحاد مما حد من نشاطاته الطفولية فبدلاً من لعب الرياضة، كان يقضي وقتاً طويلاً أمام التلفاز أو في صالات عرض السينما، حيث أصبح مغرماً بقصص التجارب الإيطالية والأفلام من إخراج مايكل باول. ببلوغه عامه الثامن كان سكورسيزي يرسم قصصه المصورة ويوقعها بالسطر "من إنتاج وإخراج مارتن سكورسيزي"، وبالرغم من أن والداه لم يفهما تماماً جنونه بالسينما إلا أنه كان يشعر أنه يسير على الطريق الصحيح، خاصةً بعد أن نال فلمه الكوميدي القصير ذو العشر دقائق منحةً تقدر بخمسمائة دولار من جامعة نيويورك.
نجاحه السينمائي:
بالرغم من أن أغلب أعمال سكورسيزي المعروفة لم تنل نجاحاً مادياً إلا أنها كانت سبب شهرته، فقد قدمت قصصاً درامية قوية ومتطلبة، إذ لا يعمل إلا ضمن ميزانياتٍ مرتفعةٍ ومع كبار نجوم هوليوود. بعد أن أنهى دراسته الماجستير في الفنون المسرحية ضمن تخصص الإخراج المسرحي، عمل سكورسيزي لفترةٍ وجيزةٍ كمدرسٍ في الجامعة لمادة الأفلام السينمائية. أخرج بعدها فلم "شوارع دنيئة Mean Streets" في عام 1973 وكان فلمه الأول الذي تم اعتباره تحفةً فنيةً. أظهر الفلم عناصر إخراجية أصبحت فيما بعد علامات تجارية خاصة به، مثل المواضيع الكئيبة المظلمة، والشخصيات الرئيسية غير المتعاطفة، ومواضيع الدين والمافيا، وتقنيات تصويرية غير اعتيادية، واستخدامه لموسيقا معاصرة. تعرف أيضاً من خلال الفلم على روبرت دي نيرو، والذي شكل معه واحدة من أهم الشراكات السينمائية في هوليوود.
في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، أخرج عدة أفلام ضاربة ساعدت في إنشاء جيل جديد للسينما، فقد حازت تحفته "سائق التاكسي Taxi Driver" في عام 1976 على جائزة "بالم دور Palme d’Or" في مهرجان كان السينمائي وثبتت مكانة روبرت دي نيرو كأسطورة سينمائية حية.
Image: https://media1.britannica.com/eb-media/51/137451-004-85573293.jpg
كما شهدت التسعينات إطلاقه لاثنين من أهم أفلامه عن المافيا حتى يومنا هذا وهما "أشخاص طيبون Goodfellas" عام 1990 والذي يروي قصة رجل العصابات هنري هيل، وفيلم "كاسينو Casino" في عام 1995 حول صعود وهبوط عالم القمار السفلي خلال السبعينات.
أسطورة حية:
صرح سكورسيزي مرةً أن أكثر أحلامه جموحاً أن يصبح مؤلفاً موسيقياً وبالرغم أنه من المستبعد أن يصبح نجم روك أو أن يقود فرقة أوركسترا، إلا أنه استخدم مهاراته الإخراجية ليضع بصمةً في مجال الموسيقا، فقد أخرج في عام 1978 وثائقياً هاماً بعنوان "رقصة الوالتز الأخيرة The Last Waltz" أظهر فيه أداءً وداعياً لفرقة The Band وتخللها عروض من ضيوف كبوب ديلن وفان موريسن.
جدد سكورسيزي في القرن الواحد والعشرين من ملاحقته لشغفه الموسيقي فأنهى في عام 2003 سلسلة وثائقية تألفت من سبعة أجزاء بعنوان "موسيقى البلوز The Blues"، حيث ربحت مجموعتان من الأغاني المتضمنة فيها جائزة الغرامي.
تميز العقد الماضي في مسيرة سكورسيزي بتألق جديد، حيث أصبح ليوناردو دي كابريو شريكاً جاهزاً له في أفلامه، إذ عمل معه في عدة أفلام حازت نجاحاً كبيراً مثل فلم "عصابات نيويورك The Gangs of New York" عام 2002 والذي كان مشروعاً أراد سكورسيزي أن يعمل به منذ السبعينات وأدى فيه دي كابريو دور شابٍ يبحث عن الانتقام لمقتل أبيه على يد "بيل الجزار". ترشح الفلم لعشر جوائز أوسكار من بينها أفضل فلم وأفضل مخرج.
عمل الثنائي أيضاً في فلم "الطيار The Aviator" عام 2004 والذي يروي قصة حياة الطيار والمنتج السينمائي هاورد هيوز. صور فيه سكورسيزي هوليوود خلال الثلاثينات والأربعينات وأبدع فيه دي كابريو في أداء متقن للشخصية التي تحركها عبقريتها ووسواسها القهري. أحرز الفلم نجاحاً في شباك السينما وحصل على أحد عشر ترشيحاً لجوائز أوسكار من بينها أفضل فلم وأفضل مخرج.
استمر الاثنان في نجاحهما في فلم "الراحلون The Departed" عام 2006 إذ نال عليه سكورسيزي جائزة الأوسكار الأولى كأفضل مخرجٍ ونال الفلم نفسه جائزة أوسكار كأفضل فلم. لعب البطولة إلى جانب دي كابريو مات ديمن. تلا هذا الفلم فلم "الجزيرة المغلقة Shutter Island" عام 2010 وهو فلم رعبٍ نفسيٍ يروي قصة مصحة نفسية معزولة تبحث عن مريض هارب، وكفلم الراحلون حاز الجزيرة المغلقة على نجاحٍ باهرٍ في شباك التذاكر.
رأى العديدون تشابهاً بين عمل سكورسيزي المزدهر مع دي كابريو وعمله السابق مع روبرت دي نيرو، ولم يكن هذا رأي الجمهور فحسب، فحتى دي كابريو ذاته يعترف أن سكورسيزي أنقذ مسيرته الفنية حيث قال: "كنت أسير في طريقٍ كدت أكون فيه ممثلاً من نوع واحد لكنه (سكورسيزي) ساعدني في أن أصبح ممثلاً آخر، تماماً كما أردت أن أكون". عمل الثنائي مرة أخرى في عام 2013 في فلم "ذئب وول ستريت The Wolf of Wall Street" والذي منح سكورسيزي ترشيحاً آخر للأوسكار.
لا يكفي مقال واحد لحصر أعمال سكورسيزي الذي أصبح أيقونة في عالم السينما والإخراج المسرحي فتطول قائمة أعماله ونجاحاته وتعاوناته وإضافاته على هذا المجال، ولكن تتكلم أهم أعماله التي ذكرناها هنا باختصارٍ عن مقدار ما أنجزه وقدمه للسينما الأميركية والذي جعل من مصاحبة اسمه لفلمٍ ما شهادة كافية لإتقانه وتفرده.
المصادر:
هنا
هنا