أنماط العمارة السكنية التقليدية في سورية: أولاً البيوت الريفية.
العمارة والتشييد >>>> عمارة سورية التاريخية
يختلف النمط المعماري السكني في سورية سواءَ في المدن أو الأرياف باختلاف الطبيعة الجيولوجية لتلك المناطق كاختلاف السواحل وضفاف الأنهار والسفوح الجبلية والسهول الداخلية. لكن بالرغم من ذلك، تبقى هنالك عوامل تميز العمارة السكينة في الأرياف عن تلك التي في المدن. على سبيل المثال، يتسم البيت التقليدي في المدينة ببنائه الحجري وأنماطه المتنوعة، ويتألف بشكل أساسي من فناء متوسط تحيط به الغرف المخصصة للنشاطات اليومية. أما فناء البيت الريفي يميل إلى أن يستخدم أكثر كحديقة أو مكان لزرع الخضروات الموسمية أو إقامة الحيوانات، وغالباً ما يحاط بالغرف من جهة واحدة أو جهتين وباقي الجهات تنفصل عن المحيط الخارجي بواسطة سور عال.
إن البيوت الريفية بشكل عام صغيرة، تتراوح بين منازل ذات غرفتين تتقدمهما مسطبة (البيوت التقليدية في قرية مشقيتا قرب اللاذقية) إلى منازل ذات غرف كثيرة تحيط بفناء مركزي مما يعطي مساحة أكبر وإمكانية لسكن أكثر من عائلة مع بعضهم البعض (كمنازل قرية سفيرة في ريف حلب).
يتناسب عدد الأفنية الداخلية بشكل عام في البيت التقليدي السوري طرداً مع الحالة الاقتصادية ودرجة الرخاء والرفاهية التي يتمتع بها المالك.
أنماط العمارة السكنية التقليدية في سورية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: البيوت الريفية
القسم الثاني: البيوت الحضرية
القسم الثالث: البيت ذو الصالة المركزية
القسم الأول: البيوت الريفية
الفارق بين الحياة المدنية والحياة الريفية له تأثير قوي على بناء وتشكيل البيت السكني، كما تختلف مواد البناء بين منطقة وأخرى في الريف السوري. لذلك تصنف المنازل التقليدية الريفية في أربعة أنماط رئيسية: البيت البسيط والبيت ذو الرواق والبيت ذو الإيوان والبيت ذو الفناء.
البيت الريفي البسيط:
يتألف هذا النمط بشكل عام من وحدتين سكنيتين متجاورتين (غرفتين) مفتوحتين على وسط خارجي في الأمام يسمى المسطبة، والمسطبة عادة ما تعتبر القسم الترفيهي في المنزل، حيث تكون مكان جلوس في الهواء الطلق ومكان ضيافة. أما خلف المنزل فقد يوجد وسط خارجي آخر يسمى الزريبة، يستخدم كاسطبل للحيوانات. الغرفتان تتواصلان مع الخارج عبر باب لكل منهما، وقد تتواصلان فيما بينهما عبر باب يربط بينهما. تستخدم الأولى بشكل رئيسي كغرفة للنوم، بينما الأخرى كمطبخ ومكان لتخزين الطعام.
طريقة الإنشاء في البيوت الريفية من هذا النمط عفوية جداً، تستخدم مواد من المحيط، فالجردان حجرية والأسقف خشبية مغطاة بأوراق النباتات وأحياناً الحصى أو التربة، ويتألف المنزل من طابق واحد ويرتبط ببستان محيط. هذا النمط ينتشر بكثر في سلسلة جبال اللاذقية.
البيت الريفي ذو الرواق:
يتألف هذا النمط من عدد من الغرف المتجاورة بشكل أفقي ترتبط ببعضها البعض عبر ممر ذو سقف محمولٍ على أعمدة ومفتوح نحو الخارج يسمى الرواق. يشكل الرواق كامل الواجهة الأمامية للمبنى. ينتشر هذا النمط بشكل أساسي في المنطقة الجنوبية من سورية.
البيت الريفي ذو الإيوان:
يوجد هذا النمط بكثرة في المنطقة الشمالية من ريف دمشق، وهو عبارة عن بناء ثلاثي الأجزاء، جزءان يستخدمان للمعيشة والجزء المتوسط يكون مفتوح نحو الخارج ويسمى الإيوان أو الليوان، الذي يشكل نقطة الاتصال بين قسمي المعيشة. يعتبر هذا النمط من البيوت الريفية من الأنماط التقليدية المتعددة الاستخدامات، حيث يمكن أن يحتوي على ورشة أو مخزن أو حتى مأوى للحيوانات في الفراغ الوسطي (الإيوان).
غالباً ما يواجه الإيوان الجهة الشمالية لاعتدال درجة حرارته ولتظليله كل أوقات النهار، بالتالي يشكل مأوى ومكان للجلوس وتمضية الوقت مع أفراد العائلة بعيداً عن حرارة شمس الصيف.
البيت الريفي ذو الفناء:
يتطلب نمط الحياة الريفية، الذي يعتمد على الزراعة وتربية الماشية، وجود فناء مرتبط بالمنزل، يستخدم كمساحة خاصة ولا يكون بالضرورة محاطاً بالغرف من كل الجهات، ويمكن أن يحتوي الفناء مساحات مخصصة للحياوانات والدواجن ومساحات لزراعة الخضروات الموسمية.
تم العثور على أمثلة في محيط مدينة حلب، في سفيرة، حيث تهيمن المنشآت الطينية والأسقف ذات القباب الطينية على المشهد. يعتمد هذا النمط على استخدام واحدة رئيسة بأبعاد 4×4 متر مسقوفة بقبة، وتتكرر هذه الوحدة حول الفناء الداخلي.
كلما كانت مساحة المنزل أكبر، كلما دل هذا على غنى المالك، وكلما زاد عدد الوحدات (الغرف)، كلما زادت مساحة الفناء. على الرغم من أن هذه المنازل لا ترتفع أكثر من طابق أرضي واحد، إلا أنها قد تتكون بشكل عام من عدة أقسام: القسم النهاري ذو غرف مخصصة للرجال وغرف مخصصة للنساء والمطبخ وغرف مخصصة لخدمات أخرى، بما فيها التنور، وقسم غرف النوم، وغرف مخصصة للحيوانات.
مع مرور الزمن، وبعد إدخال البيتون والمسلح والاسمنت ووحدات البناء الأسمنيتة (البلوكات الاسمنتية)، أصبحت أسقف هذه البيوت مستوية كبديل عن استخدام القباب الطينية، واستخدم الخشب والأوراق النباتية والتراب لصنع الأسقف. بينما بقيت الجدران طينية تستخدم على نطاق محدود واستبدلت مواد البناء بالحجر أو البلوكات الاسمنتية في أغلب المناطق، بسبب متانتها وعدم حاجتها لعلمليات صيانة متكررة. سبب آخر لقلة استخدام الطين هو قلة اليد العاملة القادرة على إنشاء وصيانة مثل هذه المنشآت. إن الحل الجديد لم يؤمن العزل الحراري اللازم، فالمباني التقليدية تتغلب على المباني الجديدة بهذه النقطة، حيث توفر مواد البناء التقليدية عزلاً أكبر للصوت والحرارة. فالجدران التقليدية سميكة وقد تصل سماكتها إلى 70 سم، حيث أن الطين ذات نفسه يمتاز بقدرة عزل قوية، فإنه يبقي درجة الحرارة الداخلية ثابتة في الفصول الباردة والحارة على السواء.
إن أكثر الخصائص الظاهرة لهذا النمط من المباني هي العدد المحدود من الفتحات (الأبواب والنوافذ)، التي تقلصت إلى باب أمامي وعدد قليل من النوافذ الشاقولية الطويلة التي تنفتح جميعها على الفناء الداخلي. كما لوحظ أن السكان المحليين يصنعون فتحة في قبة الغرفة المخصصة للتخزين لملئها بالقمح، ثم يغلقون هذه الفتحة بعد امتلاء الغرفة.
تم استخدام الطين كمادة بناء رئيسية في مناطق ريفية أخرى ومع أنماط وأشكال بناء أخرى. يمكن إيجاد البيوت الطينية أو البيوت الحجرية في محيط دمشق والغوطة، حيث تبنى البيوت بوساطة إطارات خشبية وغالباً ما تكون مؤلفة من طابقين. في حالات أخرى، يفضل القرويين استخدام الأنماط المدنية، يتضمن ذلك الفناء الداخلي الخاص الذي يكون محاطاً بغرف من كل الجهات. وفي أحيان أخرى، تطبق عناصر معمارية مدنية على البيوت الريفية كالإيوان، وهو عبارة عن غرفة مفتوحة بالكامل على الفناء الداخلي، ولكن باستخدام مواد بناء وإكساء أرخص وأكثر توفراً في المناطق الريفية، كاستخدام الخشب في التسقيف والطين والطوب في بناء الجدران.
تابعونا في الأجزاء الباقية من السلسلة لنتحدث بالتفصيل عن البيوت الحضرية وذات الصالة المركزية.
المصادر:
- مقالات ودراسات من برنامج corpuss التابع للاتحاد الأوروبي (الحفاظ على تراث المتوسط - سورية ولبنان)
- كتاب فيو دراسة عن هالموضوع (اجتماعيا - اقتصاديا ومعماريا)
The architecture of Beirut between tradition and modernity 1920 1940 - Robert Saliba