مزيدٌ من الكربون في الجو، هل يعني غلـّـةً محصولية أكبر؟
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
اكتـــُــــشفت هذه الظاهرة بدايةً في تجارب أجريت ضمن حجرات مغلقة تضمنت هواءً بتركيز CO2 عالٍ، وبعد ذلك تم دراستها باستفاضة عبر إغناء محتوى الهواء منCO2 دون الاعتماد على هذه الحجرات. تركـّـز الدراسات حالياً على التفاعل بين أثر التسميد الهوائي الذي يتسبب بهCO2 وبين العوامل البيئية الأخرى. وفي حالة الجفاف يــُـــتوقع أن تتسبب ارتفاع نسبة هذا الغاز في إغلاق جزئي للمسامات التي تنظم عمليات دخوله إلى النبات وخروج المياه منه؛ مما يعني تخفيض النتح وبالتالي تخفيض استهلاك الماء في النبات بشكل عام وهو أمر مرغوب في ظروف الجفاف.
يبدو كل شيء مثالياً حتى الآن، لكن للأسف فإنه تحت ظروف الانتاج الزراعي، لا يحدث ذلك تماماً فقد نقض مجموعة من الباحثين هذه التوقعات في حبوب الصويا حيث تبين أن ازدياد حدة الجفاف في الظروف الحقلية سيخفض التأثير الإيجابي لـCO2 من حيث التسميد الهوائي وخفض النتح ومع الوصول إلى قيم الجفاف الأكثر حدةً سيلغى التأثير الإيجابي نهائياً.
أثر إغناء CO2 في النظم النباتية الطبيعية:
بقي مدى تخفيض النتح الذي تتسبب به زيادة تركيز CO2 في الهواء من خلال إغلاق المسامات في الظروف الحقلية موضع شك لفترة طويلة لأنه يمكن أن يُلغى بتأثير عدة عوامل تمت دراستها باستفاضة بحيث أُخذ في الحسبان توزع الطاقة على سطح الأرض والدورة المائية وتلخصت النتيجة بما يلي:
- إن التحريض على زيادة نمو الأوراق الناتج عن زيادة CO2 يعني زيادة مساحتها وزيادة عدد المسامات الكلي مما قد يلغي التأثير الإيجابي لتخفيض النتح الناتج عن زيادة CO2 مما يعني أن النتح من الغطاء الأخضر بأكمله لن يتأثر بزيادة هذا الغاز.
- يتأثر التحكم بالنتح من خلال المسامات بنظم حركة الهواة ضمن الغطاء الأخضر؛ فتأثير المسامات قد يكون أكبر ما يمكن عندما تكون النباتات مرتفعة متباعدة الأوراق كما في الغابات عالية الأشجار، إلا أن هذا التأثير ينخفض مع ازدياد كثافة الأوراق.
- إنّ إغلاق المسامات يعني ارتفاع حرارة الغطاء النباتي مما يلغي مجدداً تأثير زيادة نسبة CO2 في الهواء.
يضاف إلى ما سبق ما توصلت إليه دراسات طويلة الأمد من أن ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون يتسبب في ازدياد مساحة الأوراق في الغابات ذات الكثافة المنخفضة وليس الغابات ذات الأوراق الكثيفة. إلا أنه وبالرغم من ارتفاع مساحة الغطاء النباتي فإن إغلاق المسامات يتسب في تخفيض كمية النتح بشكل عام
كيف تختلف هذه الآثار في الظروف الزراعية:
درست الآليات آنفة الذِكر في نطاق تجربة حقلية لإنتاج الصويا لمدة ثمانية مواسم متتالية غــُـــطيَ فيها الحقل لمنع وصول الأمطار ومحاكاة الجفاف. تسببت زيادة CO2 الهوائي كما هو متوقع بإغلاق جزئي لمسامات النبات إلا أن ذلك تسبب في الحفاظ على المياه فقط في المواسم الباردة والرطبة. أما خلال المواسم الحارة والجافة فقد أصبحت مساحات الأوراق وارتفاع حرارة الغطاء النباتي أكبر تأثيراً مما ألغى الأثر الإيجابي لارتفاع نسبة CO2 الهوائية.
كانت النتائج الكلية لهذه الآليات فيما يتعلق بالإنتاجية الكلية مفاجئة؛ ففي السنوات الرطبة، ازدادت الانتاجية مع زيادة CO2 الجوي بنسبة وصلت لـ 22% أما في السنوات الأكثر جفافاً كانت الزيادة فقط 1% وتبقى النتيجة الأهم لهذا البحث في أن الجفاف في المستقبل ربما يهدد الإنتاجية المتوقعة من زيادة تركيز CO2 الهوائي في واحدة من أهم المحاصيل الزراعية والتي تغطي مساحتها 25% من المساحة الكلية المنتجة للصويا في العالم.
جدير بالذكر أن بعض أنواع الصويا تستجيب لإغناء محتوى CO2 الهوائي في السنوات الجافة مما يعطي الأمل بإنتاج أصناف من الحبوب أكثر قدرة على الاستفادة من هذا التأثير. ويؤكد الباحثون على أهمية الانتقال في مرحلة معينة من الاعتماد على النماذج الإحصائية إلى نماذج تأخذ بالاعتبار التأثيرات المتبادلة والتفاعل الحاصل بين النبات والظروف المحيطة به في ظروف الإنتاج الفعلية لا التجريبية.
يبقى لنا أن نسأل:
كيف سيتأثر إنتاج المحاصيل الزراعية في المناطق الأكثر عرضة للجفاف؟ فعندما نفكر بالصحارى الأفريقية مثلاً وهي الأكثر أهمية في هذا النطاق نجد أن القارة بأكملها تعاني نقصاً شديداً في الموارد الغذائية حيث يتوقع ازدياد أعداد السكان واشتداد الجفاف وحيث تعتمد الزراعات بشكل دائم على مياه الامطار بدون موارد إضافية. وبالتالي لا بد من إجراء تجارب مماثلة لمحاكاة الظروف الزراعية في هكذا ظروف بما يسمح بتكييف الزراعة وتأهيلها لمواجهة هذه التحديات.
Image: المصدر
استجابة نبات الصويا لارتفاع تركيز CO2 الجوي، ويبدو أن التحسن الذي يطرأ على المخزون المائي للتربة وعلى الإنتاجية خلال السنوات الباردة والرطبة (a) يتلاشى خلال موجات الجفاف في السنوات الحارة والجافة (b)
المصدر:
هنا