مركز Elbphilharmonie الموسيقي، متعدّدُ الاستعمالات!
العمارة والتشييد >>>> الترميم وإعادة التأهيل
يستعرض المقال التّالي عملية تحويل وإعادة توظيف أحد المستودعات المهمّشة بالميناء القديم لمدينة هامبورغ الألمانية إلى مركز اجتماعيٍّ وثقافيٍّ مُزوّدٍ بخليطٍ من الوظائف والاستخدامات العمرانية عبر تشييدِ جزءٍ جديدٍ يجثُمُ أعلى المبنى القديم.
Image: © Iwan Baan
يقعُ المبنى بمنطقة Sandtorhafen التّاريخية، والتي كانت الميناء القديم لمدينة هامبورغ لعدّة قرون، وفي العام 1875م، شيّد مستودع Kaiserspeicher المطل على المياه، بمساحة تخزينٍ تبلغ حوالي 19 ألف م2، مما جعله أكبر المستودعات المجاورة للميناء، وكان المستودع الوحيد الذي يُمكن للسفن أن ترسُو بجواره، وللأسف فقد تعرّض لضررٍ بالغٍ خلال الحرب العالمية الثانية، وكان من غير الاقتصادي ترميمه لذا قررت بلدية هامبورغ تدمير المبنى عام 1963م.
Image: elbphilharmonie.de
في العام 1966م صمّم المعماري الألماني Werner Kallmorgen بموقع مبنى Kaiserspeicher المدمّر مستودعاً جديداً سُمّي Kaispeicher واستخدم لتخزين الكاكاو والتبغ والشاي، وشيّد من الطّوب حاله حال باق مستودعاتِ المدينة بتلك الفترة، ومع ازدياد الاعتماد على حاويات الشّحن بتسعينات القرن الماضي، فقد المستودع أهمّيته ليتحوّل إلى مكانٍ مهجور.
Image: de|Hamburg, Hafencity, Kaispeicher A, selbst fotografiert.
التصميم الجديد: بهدف الاستفادة من إمكانات المستودع الهيكليّة غير المُستخدمة وعمارتهِ الفريدة التي تجمع مفردات عمارة المدينة القديمة وعناصرها المعمارية، كُلِّف المعماريان Herzog & de Meuron في العام 2003م بتجديد المبنى وتشييد قسمٍ جديدٍ خاص بالحفلات الموسيقية فوق المستودع، ووُضِع حجر الأساس للمشروع عام 2007م.
بدأتِ العمليّة بالحفاظ على الجدران الخارجية للمبنى القديم مع إزالة الجدران الداخلية، وأُضيف 650 عموداً مصنوعاً من الخرسانة المسلحة للأعمدة القديمة التي سمحت للمستودع بالانتصاب فوق نهر البه Elbe، ليصبح إجماليُّ عددها 1111 عموداً، وذلك بهدف استيعاب الحُمولات الجديدة لجزء المبنى الجديد الذي سيرتفع ل17 طابقاً فوق الجزء القديم ذي الثمان طوابق، بارتفاعٍ إجماليٍّ يصل ل25 طابقاً، وبعد الانتهاء من أعمال الإنشاء، بدأت عمليّة تركيب الواجهة الزّجاجية بدءاً من الطّابق التاسع، والذي يعدُّ أول طابقٍ يعلُو الجدران القديمة، لتُستكمل العمليّة أخيراً بتركيب عناصر السّقف الزّجاجية في العام 2014م.
Image: Huhu Uet
Image: © Maxim Schulz
رُغم تطابق مسقط الجزء الجديد للمبنى مع المستودع القديم، إلا أنّه يتناقض معه بالطّابع المعماري، ليُشكل وجهةً عمرانيّةً جديدةً تنشُر الحيويّة حولها، ونقطة علّامٍ جديدة للمدينة بارتفاعه البالغ 108 أمتار، وذلك نظراً لامتداده العموديّ المخالف للمحور الأفقي الذي ترسمه ارتفاعات مباني المدينة.
Image: © Maxim Schulz
الواجهةُ الزجاجية: تحوِي واجهة المستودع القديم شبكةً مُنتظمةً من الفتحات الصّغيرة أبعادها 75*50 سم والتي لا تؤمن الإنارة والتهوية الكافيين للوظائف الجديدة للمبنى، ولذلك لجأ الفريق المعماريُّ إلى استخدام واجهةٍ زجاجيةٍ فريدةٍ تُعتبر إحدى السّمات المميّزة للمبنى الجديد وتتألف من 1000 لوحٍ زجاجيٍ منحنٍ بعضها مُفرّغ، صُنعت بهدف عكسِ ألوان السماء والمياه وصورة المدينة، والتقاط أشعةِ الشّمس لتأمين الإنارة الكافية لداخل القسم الجديد.
Image: © Maxim Schulz
السَّقف: يتألف سقف المبنى الجديد من ثماني أسطح منحنية تضيف مزيداً من الأناقة للمبنى، كُسيت هذه السطوح بـ6000 لوح لامع يعكس أشعة الشمس بمنظر يخلب الألباب.
Image: © Iwan Baan
فعاليات المبنى الرئيسيّة:
Image: elbphilharmonie.de
البلازا Plaza : تقعُ على ارتفاع 37م، وهي المنطقة الانتقاليّة التي تربط بين المستودع القديم والجزء الجديد من المبنى، وتشكّل فراغاً عاماً كبيراً يمنحُ الزوّار إطلالةً بانوراميّةً على المدينة والميناء، كما تتم إنارتُها عبر فتحاتٍ شاقوليّةٍ عميقة تخلقُ علاقةً بصريّةً متبدلةً بين البلازا والأبهاء على مناسيبِ مختلفة. ومن خلالها يمكن الوُصول لفعاليات المبنى المتنوّعة.
Image: © Iwan Baan
Image: © Iwan Baan
الأبهاء: تُحيط بقاعة الحفلات الكُبرى Grand Hall مجموعةٌ من الأبهاء يُمكن للزوار بلوغها من خلال البلازا عبر عددٍ من الأدراج والمصاعد المنتشرة على عدّة مناسيب، وتمتاز الأبهاء بطابعٍ بصريٍّ غنيٍّ ناتجٍ عن الواجهات المُجاورة لها والتي تزوّدها بإطلالات مذهلة على المدينة ونهر Elbe والميناء.
Image: © Iwan Baan
Grand Hall قاعةٌ موسيقيّةٌ بتصميمٍ غير تقليديٍّ يُراعي المتطلّبات الصّوتية والبصرية للجمهور مستوحىً من مبادئ تصميم ثلاثة هياكل مختلفة: المسرحُ القديم في دلفي، والملاعب الرياضية والخِيام. تتّسعُ القاعة ل2100 مقعد وزّعت وفق صياغةٍ معماريّةٍ جديدةٍ على عدّةِ طبقاتٍ يُشكل الجمهور عبرها حدودَ الفراغ بطابعٍ عشوائيٍّ مستوحىً من توزّع حبّات العنب ضمن العُنقود، بهدفِ كسرِ الحواجز بين الموسيقيين والجمهور وسعياً لتقليل البعد بينهما الذي لم يتجاوز الـ 30 م عند أبعد نُقطة. تقع منصّة الاوركسترا وسَط المدرجات، بالإضافة لعاكس صوت كبير عُلِّق فوق المنصة يساعد على توزيع الصوت من المنصة لكل أرجاء القاعة، كما يضم بنفس الوقت بعض عناصر الإنارة. هذا وتم اكساء الواجهة الداخلية للقاعة بحوالي 10000 صفيحةٍ بيضاءَ صُنعت من مزيجِ ألياف الجبس الطّبيعي والأوراق المُعادِ تدويرها، مع مراعاةِ الإيفاء بمتطلّبات الوِقاية من الحريق. تمتاز هذه الألواح بعاكسيّةٍ مثاليّةٍ للصوت، إذ أنها تقوم بالتقاطِ الصوت وعكسه بأرجاء الفراغ لضمانِ استماعٍ مثاليٍّ للموسيقى من أي مقعد، وعُزفت الموسيقى ضمن هذه القاعة للمرّة الأولى بحفل الافتتاح في 11 كانون الثاني من العام 2017م.
Image: © Iwan Baan
ويُوجد في القاعة الكبرى جهاز أُرغن (Organ) مميزٍ يقعُ على ثلاثة مناسيب مختلفة، بشكل يسمح للزوار بلمسه وتحسُّسه مكرِّساً فكرة أن القاعة والموسيقى ملكٌ للجميع. يبلغ حجم الأرغن (Organ) 15*15 متر ويتألَّف من 5000 أنبوبٍ من القصدير يتراوحُ طولها بين 5 مم ويصل لغاية 10 أمتار، مطلية بطبقة عازلة لحمايتها من الضرر، بالإضافة لحوالي 400 أنبوب من الخشب عمرها 180 عاماً. يقول Yasuhisa Toyota المختصُّ بفيزياء الصّوتيات: "أُدرك أنّي قُمت بوظيفتي على أكمل وجه عندما يتوقف الجمهور عن التفكير بالمسافة الكبيرة التي يتوجّب عليهم قطعها من أجل الاستماع للموسيقى". فالقاعة المثالية وفقاً له يجب أن تُساعد الصّوت الطبيعي على التّكامل مع أنظمة الصّوتيات الحديثة.
Image: elbphilharmonie.de
Image: Technicians assembling the new organ in the Hamburg Elbphilharmonie. Source: DPA
Recital Hall
على النقيض من القاعة الكبرى، صمّمت القاعة بطرازِ الصُندوق الكلاسّيكي، وتم اكساؤها بألواح الخشبِ المقصوص بأناقة مما يَمنح القاعة توزيعاً مثالياً للصوت. وهي فراغٌ متعدد الاستعمالات يحوي مقاعد مرنة يُمكن إعادة ترتيبها بتشكيلاتٍ متنوّعةٍ وتتّسع ل550 شخصاً.
Image: Oliver Heissner
وتُعتبر كلا القاعتين فراغاتٍ مستقلّة صوتياُ بفضل مجموعة من النوابض المعدنيّة الضخمة التي تعزل كل من القاعتين عن باقي أجزاء المبنى، مما يضمن منع الأصوات الخارجيّة النّاتجة عن المُستخدمين وحتى صافرات السُّفن من اختراقِ هذه الفراغات، بالإضافة لمنع تردّدات الآلات الموسيقيّة من إيجاد طريقها للخارج.
Image: elbphilharmonie.de
قاعات Kaistudios
تقعُ بالجزء السفلي للمبنى (مستودع Kaispeicher ) والذي تم تحويله لجناحٍ خاصٍّ بالبرنامج التّعليمي الموسيقي، بالإضافة لاستخدامها بحفلات الأطفال والعائلات، وبرامج العطلة، وورشات العمل، وتتّسع لحوالي 150 شخصاً. كما تم الاستفادة من البوابات التي كانت مخصصَّة بالسَّابق لإفراغ الحمولات مباشرةً من السفن لاستخدامها كبلاكين كتلك الموجودة في القاعة الأولى (Kaistudios 1). يذكر أنه يوجد ست قاعات أخرى تستخدم كأماكن للتدريب، وككواليس وأبهاء.
Image: Elbphilharmonie Kaistudio © Michael Zapf
Tube
يَقعُ قرب المدخل الرئيسيّ شرقيَّ المبنى، وهو درجٌ كهربائيٌّ منحنٍ طوله 82 م يقطع كامل المستودع، ونظراً لانحنائه فمن غير المُمكن رؤيةُ نهايته من الأسفل، ويبدأ من المدخل الرئيسيّ للمجمّع ويقود الزّوار عالياً وصولاً إلى نافذةٍ بانوراميّة تطلُّ على الميناء وأحواض السفن، وتشكّل عمليةُ الانتقال الشّاقولي عبرهُ تجربةً مكانيّةً مميزة، بعدها يُوجد درجٌ كهربائي آخر أقصرُ طولاً يقوم بنقل الزّوار إلى البلازا.
Image: © Iwan Baan
الوظائف الأُخرى:
يحوي المجمّع خمسةً وأربعين شقّة سكنيّة تمتازُ بواجهات زجاجيةٍ واسعةٍ وشرفاتٍ توفر لقاطنيها إطلالة خلّابة على نهر إلبه (Elbe) وميناء المدينة، وفندقاً فاخراً يحوي 244غرفة وجناحاً، مع مطعم ومنتجعٍ صِحّيٍّ ومرافق للمؤتمرات، كما وظّفَ القسمُ الأكبر من المستودع القديم كمرآبٍ طابقيٍّ للسيّارات.
الفندق:
Image: westinhamburg.com
يعدُّ المشروع مثالاً فريداً على إمكانيةِ إعادة تأهيل المباني القديمة المُهملة بمراكز المدن التاريخية التي تَحظى بمكانةٍ رمزيّةٍ بثقافات الشعوب وتحويلها إلى تجمعاتٍ عمرانيّةٍ تُلبّي الاحتياجات الحديثة للسكان، مع احترامِ تاريخ الموقع وتُراثه المعماري.
جولة بانورامية ضمن المبنى:
هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا