أدوية السعال سلاح ذو حدّين
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة مجتمع
سنذكر في هذا المقال نوعين من الموادِّ التي تسبب الإدمانَ في حالِ تعاطيها بجرعاتٍ كبيرة:
الديكستروميثورفان Dextromethorphan والمعروفُ تجارياً بأسماءَ عدةٍ منها بروديكس Brodex. يُستخدم هذا الدواءُ عادةً كمهدئٍ للسعالِ وطاردٍ للبلغمِ بجرعةِ 15-30 ملغ ثلاثَ مراتٍ يومياً، ويعمل عن طريق تأثيرِه في الإشاراتِ الدماغيةِ المسببةِ لمنعكَسِ السعالِ، كما أنه يتوافر بأشكالٍ صيدلانيةٍ مختلفةٍ (شراب – كبسولات) ويُصرف عادةً بدون وصفةٍ طبية، وذلك ممّا سهّل عمليةَ اقتنائه وتعاطيه كمخدرٍ خاصةً من قبل المراهقين والشبابِ صغارِ السن. وتكون الأعراضُ كما وصفها المتعاطون لهذا النوع بأنها تتراوحُ من الوصولِ للنشوةِ إلى الهلوسةِ و التغيُّبِ العقلي. كما يسبب العقارُ أعراضاً جانبيةً أخرى، مثلَ زيادةِ سرعةِ ضرباتِ القلبِ وارتفاعِ درجةِ حرارةِ الجسمِ وفَرْطِ ضغطِ الدمِ والتهيّجِ الشديد.
النوع الثاني وهو شرابُ البروميثازين والكوديين (Promethazine-codeine cough syrup) والمعروفُ تجارياً باسمِ سيتاكودئين Cetacodeine، يُستخدم هذا العقارُ الأفيونيُّ كمهدّئٍ للسعالِ من خلال مادةِ الكوديين، ومسكّنٍ فعّالٍ للآلام الخفيفةِ والمتوسطةِ والقويةِ من خلالِ مادةِ البروميثازين. يتوافر هذا العقارُ بصورةِ شرابٍ، ولا يُصرف إلا بموجب وصفةٍ طبيةٍ، وذلك بسبب خطرِ تعاطيه كنوعٍ من أنواع المخدراتِ القويةِ إذا ما استُخدِم بجرعاتٍ كبيرة. كان أولُ من استخدم هذا المستحضرَ كنوعٍ من المخدراتِ عدةُ فرقٍ موسيقيةٍ مشهورةٍ، بعد أن مزجوه مع المشروباتِ الغازيةِ وذلك في أوائل التسعينياتِ من القرنِ الماضي، حيث بدأ انتشارُه إلى عدةِ بلدانٍ أخرى، واستخدامُه ممزوجاً مع الكحول وأنواعٍ مختلفةٍ من الحلوى وجعلِه يكتسب مذاقاً أفضل. إنّ تعاطي جرعةٍ كبيرةٍ من هذا المستحضرِ تؤدي إلى أعراضٍ مشابهةٍ لأعراضِ تعاطي جرعةِ هيروين، كالإثارةِ الشديدةِ والرغبةِ في تناول المزيدِ والمزيدِ منه بعد ذلك للحصولِ على التأثيرِ السابقِ نفسِه. فالسبب الذي يجعل الكوديين و البروميثازين من العقاراتِ قويةِ المفعولِ هو تأثيرُها المباشرُ على الجهازِ العصبيِّ المركزيِّ، مما ينتُج عنه استرخاءٌ ورغبةٌ بالنوم لفتراتٍ طويلةٍ، ولكن من المتوقع عند زيادةِ الجرعةِ بدرجةٍ كبيرةٍ جداً أن يزداد تأثيرُها على الجملة العصبية مما يؤدي إلى ضعفِ أو حتى توقفِ ضرباتِ القلبِ واختلالِ وظيفةِ الرئةِ والتنفسِ مما يجعلها جرعةً قاتلةً تصل بصاحبِها إلى الموتِ، وهذا ما حدث بالفعلِ مع أبرزِ الموسيقيين حين استخدموها بجرعاتٍ كبيرةٍ ممزوجةٍ مع الكحول.
فما السرّ وراء إدمان تلك الأدوية؟
بعد دراساتٍ عدة تبيّن أنه عند تعاطي عقارِ الديكستروميثورفان أو البروميثازين والكوديين بجرعاتٍ كبيرةٍ، فإن ذلك يؤدي إلى زيادةٍ كبيرةٍ جداً في هرمون الدوبامين في المخ (والذي يطلق عليه اسمُ هرمونِ السعادة)، مما يجعل لدى الشخصِ رغبةً ملحّةً في تكرارِ التجرِبةِ مراراً وتكراراً للوصولِ إلى النشوةِ والشعورِ الأكبرِ بالسعادةِ حتى يصلَ لدرجةِ الإدمان، والتي تتصف بفقدانِ القدرةِ على الإقلاعِ عن تعاطي المادةِ المسببةِ للإدمان، بصرف النظر عن الأضرار الجسيمة التي تُلحقها بصحة الشخص المدمن وحياتِه.
ولكن يعتقد الكثيرُ من الأشخاصِ أنّ الإدمانَ مرضٌ لا يُعالَج، فهل هذا الاعتقادُ صحيح؟
لا يمكننا القولُ بأنّ هذا الاعتقادَ صحيحٌ، ولكنْ في الوقت نفسِه لن يكونَ العلاجُ سهلاً لأنه يتطلب إصراراً كبيراً من المدمنِ نفسِه للتخلّي عن تناولِ مثلِ هذه العقاقيرِ وخلقِ بيئةٍ صحيّةٍ مناسبةٍ تساعد في عمليةِ الشفاءِ، وذلك يحتاج لمدةٍ طويلةٍ نوعاً ما، تشمل الرعايةَ الصحيّةَ والنفسيّةَ للمريض وتناولَ بعضِ الأدويةِ اللازمة لمواجهة أعراض سحب الدواء وأحياناً لعلاج مشاكل أخرى قد تتزامن مع تلك المرحلة كالاكتئاب والقلق وغيرها... ولا ننسى أيضاً أنّ للتوعيةِ السلوكيةِ دوراً مهماً جداً في فترةِ العلاجِ وذلك لضمانِ عدمِ العودةِ مرةً أخرى للإدمان وتفادي خطرِ النُّكْس.
وبصفةٍ عامةٍ ينبغي للعلاجِ الناجحِ للإدمان أن يساعدَ المدمنَ في:
- أن يتوقفَ عن استخدامِ المخدّرِ/ العقار.
- أن يبقى جسمُه خالياً من العقارِ، أي ألا يعودَ للتعاطي مجدداً.
- أن يغدوَ فرداً منتجاً في محيطِه العائليِّ وفي عملِه ومجتمعِه.
المصادر:
هنا
هنا
هنا