دَمقَرَطَةُ تعلم الآلة
المعلوماتية >>>> الذكاء الصنعي
قبل ثلاثة عقود من الآن، كان تعلّم الآلة مجالاً غامضاً إذ أنَّ مؤتمر اليوم الدولي الكبير في هذا المجال الذي يُعقد في برشلونة بإسبانيا في كانون الأول من كل عام (Neural Information Processing Systems NIPS) كان مجرد ورشة عمل صغيرة. أما اليوم أصبح مؤتمر NIPS واسع الانتشار لأن تعلّم الآلة سرعان ما أصبح أداةً لا غنى عنها لتطوير التكنولوجيا التي يريدها ويحتاجها ويحبها كل من المستهلكين والشركات.
تعلّم الآلة هو أساس التكنولوجيا التي يمكن أن تترجم الكلام في الزمن الحقيقي، والتي يمكنها مساعدة الأطباء بقراءة صور الأشعة، وحتى التي تتعرف على العواطف والانفعالات في وجوه الناس. بالإضافة إلى أنه يساعد أيضاً بفرز البريد المزعج من صندوق الوارد في بريدك الإلكتروني، وكذلك في تذكيرك بمهامك اليومية.
(Robert Schapire) باحث في مختبر أبحاث مايكروسوفت في مدينة نيويورك والذي يستخدم تعلّم الآلة على نطاق واسع، يقول بأن مجال تعلّم الآلة اليوم بعيدٌ كلَّ البعد عمّا كان عليه في أيامه الأولى، فمن بعض المشاكل الصعبة التي كانت تواجهه هي الحصول على جهاز كمبيوتر لقراءة الأرقام المكتوبة بخط اليد بدقة. ولكن شيئاً فشيئاً، تم بناء هذا المجال، بدءاً من المشاكل الأساسية، وحتى مجموعةٍ ضخمة منها.
يقول (Alekh Agarwal)، وهو باحثٌ في مختبر مايكروسوفت في نيويورك، أنّ مجال تعلّم الآلة كان بطريقة أو بأخرى محظوظاً جداً، وذلك لوجود نظريات رائعة لها رؤية عملية جداً على الأشياء. أما (John Langford) الباحث في نفس المختبر فيقول: "لقد غدا تعلّم الآلة حقلاً تقليدياً، فإذا لم تكن حاصلاً على درجة الدكتوراه فيه ستكون في حيرة -وإذا كنت حاصلاً على درجة الدكتوراه قد تكون أيضاً في حيرة-، إننا نحاول جعل هذه الأمور مفيدةً للمبرمجين الذين لا يملكون الكثير من الخبرة في تعلّم الآلة".
يعتبرُ هؤلاءُ الباحثون وزملاؤهم في شركة مايكروسوفت وغيرِها أن هذه مجرد بداية. فهم بالعمل الذي يقدمونه في مؤتمر NIPS وخارجه، يحققون طرقاً لجعل تعلّم الآلة أكثرَ فائدة وأكثرَ قابلية للوصول لمجموعةٍ أوسع من الناس، بكلامٍ آخر؛ إنهم يسعون إلى دمقرطة تعلّم الآلة عن طريق جعلها أسهل للمطورين والمهندسين الذين لا يملكون خلفية فيها للاستفادة من إنجازاتها.
Image: https://mscorpmedia.azureedge.net/mscorpmedia/2016/11/20161115_Microsoft_NYC_Group_02-lowres.jpg
الصورة: باحثو مختبر مايكروسوفت
التعلم المعزز:
تعلّم الآلة مفيد لأنه يمكن أن يساعد في التنبؤ بأي شيء، بدءاً من عدد المخدمات اللازمة لنشر مهمة معينة، وصولاً إلى "ما هو مقال الأخبار الذي قد يرغب شخص ما في قراءته". أحد مشاريع Langford الأخيرة تبحث في سبلٍ لجعل التنبؤات المتعددة أقل كلفة، من خلال إنشاء أنظمة تقضي على أخطاء البيانات الشائعة باستخدام تطبيقات تستخدم التعلم المعزز (Reinforcement Learning) والتعلم المهيكل (Structured Learning).
التعلم المعزز هو نوع من تعلّم الآلة يهدف إلى الحصول على أنظمة تستخدم "التجربة والخطأ" لمعرفة كيفية تحقيق مهمة ما، يُعطى النظام القليلَ جداً من التوجيه الخارجي في اتخاذ قراراته، وعليه تحديد السلوك المثالي تلقائياً في سياق معين، من أجل تحقيق الأداء الأفضل. على سبيل المثال، يُمكن لبرنامجٍ تعلُّمُ كيفيةِ الفوز في لعبة الطاولة عن طريق اللعب مراراً وتكراراً، وذلك بتحديد أفضل الإجراءات بناءً على حالته الراهنة ليقوم بها عندما تتكرر هذه الخطوة، ويتم ذلك على مدى العديد من تلك الألعاب ضد نفسه.
يُعتبر التعلم المعزز النظير للتعلم الخاضع للإشراف (Supervised Learning)، في النظم التي تتحسن بالقيام بالأشياء كلما تم تغذيتها بالمزيد من البيانات ذات الصلة.
المساعدة في اتخاذ القرار؛ خدمة "القرار" السحابية من مايكروسوفت:
في نهج التعلم المعزز الذي عمل Langford عليه مؤخراً، يحصل النظام على مصداقية جزئية أيضاً لاختيار الأعمال الصحيحة جزئياً، مما يجعل من الأسهل غربلة الإجراءات وصولاً إلى الجواب الصحيح. يقول باحثو مايكروسوفت إن خدمة "القرار"* هي اكتشاف مثير لأنها يمكن أن تساعد أنظمة اتخاذ القرارات باستخدام السياق (الاعتماد على الحالة الراهنة). يقول الباحث Siddhartha Sen: "عندما تتخذ قراراً، عادةً تكون لديك فكرة عن مدى جودته، وها هي الفرصة لاستخدام تعلّم الآلة لتحسين تلك القرارات".
ويمكن تطبيق هذا النظام السحابي (cloud-based system)، على الكثير من المواقف المختلفة. على سبيل المثال، يمكن استخدامه من قبل خدمةٍ إخبارية إذا أرادت تخصيص توصيات المحتوى، أو من قبل تطبيقٍ معنيٍّ بالأمور الصحية على الهاتف المحمول؛ إذ يمكنه تخصيص أنشطة اللياقة البدنية، أو من قبل مزود سحابة يسعى لتحسين موارد المخدم.
وأضاف Sen الذي سيساعد على إقامة ورشة عمل حول تقاطع تعلّم الآلة وتصميم النظم في NIPS، أن أحد أهدافهم الرئيسية هي السماح بوصول الأشخاص الذين قد لا تكون لديهم القدرة على بناء هذه الأنواع من تقنيات التعلم الآلي بأنفسهم. فجَعلُ التفاعلِ مع النظام سهلاً جداً بإخفاء كل الخطوات الصعبة هي الطريقة لدمقرطة تعلّم الآلة.
مشروع Malmo:
مشروع Malmo مفتوح المصدر، والذي ظهر في NIPS الشهر الماضي، أصبح متاحاً الآن للمبرمجين المبتدئين وذوي الخبرة على موقع GitHub. يهدف النظام في المقام الأول إلى مساعدة الباحثين على تطوير ذكاءٍ صنعيٍّ متطور وأكثر شمولية؛ يمكنه أن يقوم بأشياء مثل التعلم، وعقد المحادثات واتخاذ القرارات وإكمال المهام المعقدة. تَعتبر مايكروسوفت أن هذا هو المفتاح لخلق النظم التي يمكن أن تزيد من الذكاء البشري ومساعدتنا في كل شيء من الطبخ وغسل الملابس للقيادة وأداء المهام المنقذة للحياة في غرفة العمليات.
Sarah Bird التي تعمل حالياً كمستشارٍ فنيٍّ في قسم Azure بمايكروسوفت، والتي بدأت العمل على هذا المشروع كباحثة ما بعد الدكتوراه، تقول أن مايكروسوفت قد قامت بتطوير اللبنات الأساسية لهذا النظام لسنوات، ولكن قدراتِه الحالية لن تكون ممكنةً حتى قبل سنوات قليلة. تتحسنُ نُظمٌ مثل هذه بسرعة، لأن كل العناصر اللازمة لتعلّم الآلة -قوة الحوسبة السحابية والخوارزميات والبيانات- تتحسن بسرعة، وبنفس الوقت.
الباحثة (Katja Hofmann) في مختبر أبحاث مايكروسوفت كامبريدج، بالمملكة المتحدة. والتي بدأت بتطوير مشروع Malmo، تبحث مع زملائها مؤخراً في السبل التي تمكّن وكلاء الذكاء الاصطناعي من جعل الآلة تتعلم القيام بالعديد من المهام بدلاً من مهمة واحدة فقط، وتطبيق كيفية إنجاز مهمةٍ معينة على مهمة أخرى. على سبيل المثال، النظام قد تعلم كيفية التعرف على الحمم البركانية، ثم استخدم هذه المعرفة لتجنب الحمم البركانية في مكان آخر.
يَعتبر العديد من الباحثين أن التعلم المعزز واعدٌ جداً لأنه يمكن استخدامه لإنشاء أنظمة الذكاء الاصطناعي التي من شأنها أن تكون قادرةً على تقديم قرارات مستقلة ومعقدة يمكنها أن تكمل القدرات البشرية وتزيدها. ولكن بالوقت نفسه يُحذّر الباحثون من أنهم لا يزالون في المراحل الأولى من العثور على النجاح مع التعلم المعزز، لكن ما نشهده حتى الآن مبشر. يتم عرض بعض هذه الأبحاث في الورشة الأوروبية حول التعلم المعزز، بنفس موقع NIPS.
*هذه الخدمة متاحة للمعاينة حالياً، يمكن الاطلاع عليها عبر الرابط هنا (هنا)
----------------------------------------------------------
المصادر:
هنا
هنا