كيف تطورت الميكروبات لتستوطن مناطق مختلفة من جسم الإنسان؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأحياء الدقيقة
وقد بدأَ العلماءُ مؤخراً فقط بالاهتمام بالمقدار الذي تعتمد به صحتنا على تريليونات البكتيريا التي تسكن أجسادنا. ونحن نعلم الآن أنَّ هذه البكتيريا تساهمُ في هضمِ الطعامِ الذي نأكله وفي تحفيزِ وظيفة الدماغ، وتنظيمِ الجهاز المناعي. لكنَّ معرفة الآلية التي من خلالها تمكّنت هذه البكتيريا -والتي بحسب بعض التقديرات تفوق خلايانا عدداً بنسبة 10 إلى 1- أن تتطور حتّى تتعايشَ مع بعضها ومع خلايانا، كانت تشكّلُ تحدياً كبيراً.
فضلاً عن ذلك، تنامى في العقد الماضي الاهتمامُ بما يدعى بالبروبيوتيك probiotic، وبتقديمِ بكتيريا مفيدةٍ من أجل علاجِ مجموعةٍ واسعةٍ من المشاكل الصحية، والبروبيوتيك هي بكتيريا وخميرةٌ حيةٌ مفيدةٌ للصحة وخاصةً لجهازِ الهضم، يمكن أن توجدَ بشكلٍ طبيعيٍّ في الجسم، كما يمكنُ أن توجدَ في بعض الأطعمة، ويمكن عند تقديمها بكمياتٍ كافيةٍ أن تمنح فوائدَ صحيةً للمضيف.
من هنا، جاء هذا البحث المنشورُ في مجلة eLife، والذي قام به فريقٌ من علماء جامعة Duke، بهدف تقديم وسيلةٍ لمعرفة كيفية تكيّف وتطوّر أنواع البكتيريا المختلفة وبالتالي معرفةِ أيٍّ من الأنواع التي سيتمُّ تقديمُها للإنسان ستتمكَّن من النجاة لكي تكون ذات تأثيرٍ على المرض.
وقد حدد العلماء المكروبات التي تشعَّبت إلى أنواعٍ جديدةٍ مع استعمارها مناطقَ الجسمِ البشريِّ الواحدةَ تلو الأخرى، مقدّمين في هذه الدراسة طريقةً جديدةً لدراسة البيانات المكروبية المعقدةِ لفهمِ تطوُّر البكتيريا المرتبطِ بأجسامنا.
عادةً يقومُ العلماءُ بجمعِ المعلومات عن الميكروبيوم عبر أخذ عيناتٍ مكونةٍ من عدّة ملايين من البكتيريا، من مناطقَ تشملُ على سبيل المثال الأمعاءَ أو اللوزتين، ومن ثمَّ يقومون بسلسلتها لمعرفةِ البكتيريا التي تنتمي لكلِّ نوع، وبعدها يقارنون هذه الأعداد، للوصول إلى قيمٍ تخبرهم بالوفرة النسبية relative abundance لكلِّ نوع. لكن بياناتِ الوفرة النسبية تتطلب طرقاً إحصائيةً تأخذُ بعينِ الاعتبارِ كيف يمكنُ للتغيرات في نوعٍ معينٍ أن تؤثّر بنوعٍ آخر.
عُثر على حلٍّ لهذه المشكلة، في مكانٍ غير متوقَّعٍ، هو مجالُ علم الجيولوجيا. فلمعرفةِ الكميات النسبية لمختلف العناصر كالكالسيوم والألمنيوم التي يتمُّ العثورُ عليها في الصخور، قام الجيولوجيون بوضعِ أداةٍ رياضيّةٍ تُدعى PhILR transform. وقد تمّ تبنّي هذه الطريقة لدراسة النسبة النسبية من البكتيريا الموجودة في الميكروبيوم.
تدمج التقنيةُ الجديدةُ قيمَ سلسلةِ كلِّ نوعٍ مع معلوماتٍ عن موضعهم في شجرة عائلة البكتيريا. والهيكل الإحصائيُّ الناتجُ يشبهُ شكلُه اللعبةَ التي توضع فوق سرير الأطفال. إذ يتكوّن من السلف المشترك في الأعلى وكلِّ الأجيال التي جاءت منه متفرّعةً أسفله، مرتبطةً بسلسلةٍ من الخطوط المستعرضة cross-bars. وبالنظر إلى الكيفية التي تسمى وتتأرجح فيها مع وزنِ الأنواعِ المختلفة المتدلّية من أطرافِها (أي وفرتها النسبية)، يمكنُ تقييمُ الكيفيّة التي نمت بها وتطوّرت المجتمعات المكروبية في مختلف مناطق الجسم، وذلك كما يظهر في الشكل:
Image: Credit: Silverman et al. (2017)
تستخدم أداة PhILR شجرة تطورية لتحويل بيانات ميكروبيوتا microbiota إلى نظام إحداثيات غير مقيد unconstrained coordinate system
A- مجتمعان بكتيريان يتشاركان العددَ الكليَّ نفسَه من الجرثومة الملبنة Lactobacillus وجرثومة رومينوكوكوس Ruminococcus، ويختلفانِ عن بعضِهما فقط بالوفرة النسبية للـ Bacteroides الموجودِ بشكلٍ أكبرَ في المجتمع الأول (الظاهر كدائرة حمراء) مقارنةً بالمجتمع الثاني (الظاهر كمعينٍ أزرق).
B- رسم بياني مثلثي يظهر بياناتٍ نسبيَّةً يتمُّ تحليلُها عادةً في المسح القائم على التسلسل الحيويِّ للجراثيم. تجدرُ الملاحظة أنه إذا نُظر على أساس النسب فإن الفضاء مقيد والمحاور غير ديكارتية. كنتيجةٍ لذلك، تتغيّر الوفرةُ النسبية للأجناس الثلاثة بين المجتمعين.
C- تخطيط لتحويل PhILR مبنيّ على أساسِ تقسيمٍ ثنائيٍّ لتسلسلِ التطور. يمكن النظر لإحداثيات PhILR على أنها توازنات بين أوزان (وفر نسبية) للصفين الفرعيين لعقدٍ داخليةٍ معطاة. في المجتمع الثاني، الوفرة الأكبر للـ Bacteroides تُميل التوازن y1* يميناً.
D- تحويل PhILR يمكن إظهاره كنظام إحداثيات جديد (الخطوط الرمادية المقطعة) في فضاء البيانات النسبي.
E- البيانات المحولة إلى فضاء PhILR، تجدر الملاحظة أنّه، وعلى عكس البيانات النسبية الخام في الشكل الثاني، فإنَّ فضاءَ PhILR يظهرُ التبدلاتِ المتعلقةَ بالمتغيرات المرتبطة بالـ Bacteroides
باستخدام هذه الوسيلة تمَّ تحليلُ بياناتٍ من مشروعِ الميكروبيوم البشري Human Microbiome Project ووُجدَ أنَّ مختلفَ الميكروبات قد تطورت للتكيف مع بيئاتٍ كجلدِنا وفمنا. فعلى سبيلِ المثال، اكتشفت مجموعةٌ من المكوَّرات العقدة تشعّبت مؤخراً نسبياً في مناطقَ مختلفةٍ من الجوف الفموي. فكلٌّ من الحنك، اللسان، الحلق، اللوزتان، اللثة يستضيف نوعَه الخاص من البكتيريا.
يمكن أن تساعد اكتشافاتٌ كهذه الباحثينَ على تحديدِ كيفَ يمكنُ للجيناتِ المختلفة أن تسمحَ للمكروباتِ بالتكيّف في مكانٍ أو آخرَ، ويمكن أن تقودَ يوماً ما إلى علاجاتٍ جديدةٍ تسمحُ بصياغةٍ أفضلَ الميكروبيوم.
أخيراً، يؤمنُ الباحثونَ بأنَّ هذه التقنيةَ يُمكنُ تطبيقُها في أيِّ حالةٍ يتمُّ استخدامُ التقنياتِ عاليةِ الإنتاجيّة لقياسِ مكوناتِ عينةٍ، بدءاً من المكون الجينيّ لورمٍ ما وانتهاءً بسلالاتِ فيروسِ الانفلونزا، مما يفتحُ آفاقاً واسعةً للتعامل مع بياناتٍ شديدة التعقيد.
المصادر:
1- هنا
2-هنا
3-هنا
4-Schlundt، Jorgen هنا
Report of a Joint FAO/WHO Expert Consultation on Evaluation of Health and Nutritional Properties of Probiotics in Food Including Powder Milk with Live Lactic Acid
Bacteria. FAO / WHO. Archived from هنا
on October 22، 2012. Retrieved 17 December 2012