واجهة حاسوبية جديدة للتواصل مع مرضى الشلل التام
المعلوماتية >>>> الذكاء الصنعي
ولعلَّ من بين الأسئلة الأخلاقية التي قد تُطرح في مثل هذه الحالات، هو هل نملك الحق في تقرير مصير هؤلاء؟ ماذا لو كانوا يرغبون في العيش؟
الآن، باستعمال تقنيةٍ مبتكرةٍ من تقنيات الواجهات الدماغية الحاسوبية، أصبح في إمكان المصابين بالشلل التام أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا يرغبون في العيش أم لا.
في عام 1995، تعرّض الكاتب الفرنسي جان دومينيك بوبي (Jean-Dominique Bauby) لحادثٍ أفقده الحركة والقدرة على الكلام، ما عدا تحريك جفنيه، وفقط بهذه المقدرة استطاع تأليف كتابه: الغطاس والفراشة الذي حُوِّلَ لاحقًا إلى فلم.
عانى بوبي حالةً عصبية تعرف بـ locked-in syndrome يُحرم فيها الشخص من تحريك جميع أطرافه ما عدا العينين، وفي بعض الحالات يفقد التحكم حتى في حركة العينين، ممّا يجعل هؤلاء الأشخاص معزولين عن العالم، ولا يُعلم ما إذا كانوا في غيبوبة أم في وعي، وفي حال كانوا واعين فهل يرغبون في العيش أم لا؟
واجهات الحاسوب الدماغية التي تعتمد على قراءة الإشارات الكهربائية -سواء بتقنية التخطيط الكهربائي لنشاط الدماغ (electroencephalogram: EEG) أو لحركة العين (electroencephalogram: EOG)- فشلت في مساعدة المصابين بالشلل العام على التواصل.
لهذا طوّر فريقٌ من الباحثين الأوروبيين واجهةً جديدةً يقولون إنَّ بإمكانها إعادة الأمل لهؤلاء، وقد صمم عالم الأعصاب Niels Birbaumer من مركز جنيف للهندسة البيولوجية والعصبية (Wyss) هذه الواجهة الدماغية التي توضَع على الرأس تماماً مثل قبعة السباحة وتسجل نسبة تغير الأكسجين في الدم بحسب النشاط العصبي باستعمال تقنيةٍ تُدعى: المطيافية القريبة من الأشعة تحت الحمراء (near-infrared spectroscopy).
وللتأكّد من فاعلية الجهاز، عكف العلماء أولاً مدة عشرة أيام على تجربته مع المرضى في الإجابة عن أسئلةٍ بسيطةٍ تكون إجاباتها إما نعم وإما لا، مثل "باريس هي عاصمة ألمانيا"، "ولدت في برلين"، باستعمال أحد خوارزميات التصنيف في تعلم الآلة تُعرف باسم (Support Vector Machine) أو اختصارًا (SVM) تُصنِّفُ البيانات إلى قسمين.
وكانت النتائج دقيقة بنسبة 70% وهي نسبةٌ بعيدةٌ عن كونها عشوائية.
وقد استطاعوا التواصل مع أربعة أشخاص فقدوا القدرة على الحركة بسبب مرض التصلب الجانبي الضموري ALS. وأجاب ثلاثةٌ من أصل أربعة بـ نعم لدى سؤالهم إذا كانوا يرغبون في العيش، وأيضاً فيما إذا كانوا سعداء أم لا.
وكم كانت فرحةُ عائلات هؤلاء المرضى كبيرة عند تواصلهم أوّل مرةٍ مع ذويهم منذ سنوات، ومعرفتِهم بأنّهم يرغبون في الحياة تحت أجهزة التنفس الصناعية. تفاصيل التجربة منشورة في مجلة PLOS Biology ( هنا ) وهذا ملخص لها:
شملت التجربة ثلاث مراحل:
* مرحلة التدريب: فيها يُدرَّب المشاركون على الإجابة عن أسئلةٍ معروفة إجاباتها مسبقاً والهدف من ذلك هو تعويد ذهنهم على التجاوب مع الأسئلة. في حين تُدَرَّب الخوارزمية المُستعملة على تصنيف أنماط الأنشطة الدماغية الخاصة بإجابات كل شخص.
* مرحلة التقييم: تقييمُ إجابات المشاركين برسائل صوتية، مثل: "إجابتك صحيحة!" (شاهد الفيديو في نهاية المقال).
* أخيراً، مرحلة الأسئلة المفتوحة: وفيها تُطرح أسئلةٌ شخصيةٌ متعلقةٌ بحياة المريض؛ ومقابل كلّ سؤال تكون إجابته "نعم"، يُشكَّلُ سؤالٌ معاكسٌ تكون إجابته "لا"، والعكس بالعكس. مثلاً: "ولدتُ في برلين"،"ولدتُ في فرنسا"، والهدف هو جعل المشاركين يفكرون في كلتا الإجابتين وفي كل مرة تستخلص وتصنف بيانات الأنشطة الدماغية.
اعتمد هذا البحث على نتائج بحث عالِم الأعصاب البريطاني Adrian Owen الذي أثبت عام 2010 أنَّ التغيّرات في تدفق الدم في مناطق معينة من الدماغ للمرضى الذين اعتقد سابقاً أنهم في غيبوبةٍ طويلة ( تسمى بـ الحالة الخضرية الدائمة (Persistent Vegetative State) )هم في الحقيقة واعون لما يجري حولهم.
لا أحد يعلم العدد الإجمالي للأشخاص المصابين بالشلل في العالم، يقول جان هاغينز (Jane Huggins) مدير مخبر Direct Brain Interface بجامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة، بينما يُرجِّحُ علماءٌ نمساويون أن يكون العدد قرابة 150،000 شخص في النمسا وحدها.
تُشخَّص العديد من الحالات خطأً على أنّها غيبوبة بسبب غياب حركة العين أو بسبب تشابه الأعراض مع حالات أخرى وغيابِ المعلومات الكافية، وفي هذا السياق يقول Birbaumer إنه بوجود مثل هذا الجهاز أصبحنا نعرف إذا كان المصاب في غيبوبة أم مدركاً لما حوله، ويأمل أن تتطوّر هذه التكنولوجيا لتجعلَ مرضى الشلل العام يختارون الحروف للتعبير عما في داخلهم بدل الإجابات بنعم أو لا.
يمكنك مشاهدة فيديو التجربة:
هنا
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا