لغز مثلث برمودا.. حيث تختفي الحقيقة !
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
وقد أطلِق هذا المصطلح ( مثلث برمودا) من قبل كاتبٍ في مجلة شعبية يُدعى "فينسينت جاديس"، ثمَّ ظهر بعده "تشارلز بيرلتز" المهتم بالظواهر الخارقة وأخذ شهرة شعبية واسعة، إذ لا يتوقف اعتقاده فقط على وجود جزيرة أطلنطس الأسطورية (التي أول ما ذكرت في الأساطير اليونانية) بل إنه ربطها بمثلث برمودا بطريقة ما، ونشر هذه الفرضية ضمن كتاب ذاع صيته عام 1974 ويُدعى بـ (مثلث برمودا)، ومن حينها تناول هذا اللغز آلاف الكتب والمجلات والبرامج التلفزيونية ومواقع الويب.
وعبر السنوات احتار الناس والعلماء في تقديم فرضيَّات لتفسير هذا اللغز.
محاولات التفسير الخيالية:
اعتمد بعض الكتَّاب على أفكار بيرلتز عن جزيرة أطلنطس المفترض أنها موجودة في قعر البحر وتستعمل "طاقتها الكريستالية" في ابتلاع السفن والطائرات؛ وهي طاقة ناتجة عن "أهراماتٍ ضخمةٍ من الكريستال" كان قد استخدمها سكان أطلنطس في توليد الطاقة، وافترض البعض الآخر وجود بوابات زمنية هي عبارة عن فتقٍ في نسيج "الزمكان" موجودٍ في تلك البقعة وينقل تلك السفن والطائرات إلى زمكانٍ آخر!!!
محاولات التفسير العلمية:
أما بعض الفرضيات الأخرى فقالت إنه ربما تكون السفن والطائرات قد تحطمت بسبب ألسنة لهب غاز الميثان الموجود بكمياتٍ كبيرةٍ أسفل المحيط، إذ يمكن للبرق أو شرارةٍ كهربائية أن تحرق فقاعةً ضخمة من غاز الميثان المنبعث نحو سطح المحيط؛ ممَّا يسبب إغراق أي سفينة أو طائرة يصادف مرورها من دون أن يبقى منها أثر، ولكنَّ هذه الفرضية تحوي العديد من المشاكل الواضحة، إذ إنَّ الميثان يوجد على نحو طبيعي حول العالم، ولم يسبق أن حدثت مثل تلك الحادثة مطلقاً من قبل.
أشار آخرون إلى موجات المدِّ والجزر أو شذوذ المغناطيسية في تلك المنطقة التي يمكن أن تسبب مشاكل في الملاحة وتربك الطيارين؛ ممَّا يسبب غرق الطائرة في المحيط، وحتى هذه الفرضية غير صحيحة؛ لأنَّ الطيارين يُدرَّبون على الطيران حتى عند فقدانهم الملاحة الإلكترونية، بالإضافة إلى أن هذه الفرضية لم تفسِّر سبب اختفاء السفن.
إضافةً إلى ذلك، كذَّب موقع ويب التابع لسلاح البحرية الأمريكية الفكرة التي تزعم أن مثلث برمودا هو واحدٌ من مكانين فقط على الكرة الأرضية تتجه فيه إبرة البوصلة نحو الشمال الجغرافي وليس نحو الشمال المغناطيسي كبقية البوصلات، (علمياً يدعى الفرق بين الشمالين الجغرافي والمغناطيسي بالانحراف المغناطيسي للبوصلة) وبالرغم من أن تغيرات في الانحراف قد أثرت في الماضي على منطقة مثلث برمودا وغيره بسبب تقلبات الحقل المغناطيسي الأرضي لكنَّ مثل تلك الحالة لم تحدث مجدداً منذ القرن التاسع عشر.
الآن انتهينا من سرد التفسيرات المتعددة لهذه الظاهرة الغريبة، ولكن قبل أن نقبل أياً منها، فإنَّ الباحث والعالم الجيد يجب أن يسأل سؤالاً جوهرياً: هل يوجد فعلاً لغز وظاهرة غريبة بحاجةٍ للبحث عن تفسير؟
مَن طرَح ذلك السؤال هو صحفي يدعى "لاري كوش" وكانت نتائج البحث الذي أجراه مذهلة، فقد أظهرت أنه (لا يوجد أي لغزٍ يتعلق بظاهرةٍ غامضةٍ عن اختفاء الأشياء في مثلث برمودا في الأساس)!!!
أعاد الصحفي كوش فحص تلك الظاهرة بتمعن ودراستها، ووجد أنَّ قصة اللغز قد قامت بالأساس على مجموعة من المغالطات والكذبات المقصودة بهدف الترويج الرخيص للألغاز والغموض، حتى إنَّ بعض حالات الاختفاء هي ملفقة بالكامل.
وقد ذكر كوش بعض الكتَّاب الذين لم يجروا أي تحقيق حقيقي وأنّ معظمهم قد نسخوا وكرروا أفكاراً طرحها كتَّابٌ سبقوهم.
أمَّا "تشارلز بيرلتز" وكتبه عن الظواهر الخارقة وعن مثلث برمودا خاصة، فقد كانت مليئة بالأخطاء والنظريات غير العلمية، وعلى العموم فقد ظهر أنّ (مثلث برمودا) ليس سوى ابتكارٍ ضخم بدأ بمغالطات "بيرلتز" واستمر بالانتقال بالتواتر حتى اليوم بفضل انجذاب الناس للمعلومات الغامضة دون التحقق منها، وبسبب عدم التشكيك والتفكير النقدي لهذه الظاهرة، إذ إنه في بعض الحالات لم تُسجَّل أيّ سفينةٍ أو طائرةٍ من التي كان قد زعم أنها فقدت في مثلث برمودا، فهي لم توجد سوى في مخيلة الكاتب!!
وفي حالاتٍ أخرى فإنَّ السفن والطائرات التي ذكرها كانت حقيقية لكنَّه تجاهل عمداً أن يذكر أنَّ (اختفاءها الغامض) لم يكن إلا بسبب عواصف سيئة، وفي مراتٍ أخرى أورد سفناً وطائراتٍ على أنها غرقت في مثلث برمودا ولكنها في الحقيقة غرقت بعيداً عن ذلك المثلث.
ومن المهم أن نلاحظ أنَّ تلك المنطقة الممتدة على (مثلث برمودا) في يومنا هذا تشهد حركة سفر كثيفةً وشبه يومية لسفن البضائع والمسافرين، ومنطقياً إن درسنا أي عينةٍ عشوائية يجب أن يكون عدد السفن التي ستغرق في هذه المنطقة أكثر بكثيرٍ من تلك التي ستغرق بمنطقة ذات حركة سفر قليلة، كتلك المناطق الموجودة في جنوب المحيط الهادئ مثلاً، وذلك لا يحدث في الحقيقة فلم تُسجَّل أي حالة اختفاء غامض أو غير غامض منذ عدَّة عقود.
بالرّغم من أنّ حقيقة مثلث برمودا قد تم كشفها إلا أنها لا تزال تظهر على أنها (لغز غامض) في كتبٍ جديدة معظم مؤلفيها هم من المهتمين بترويج قصص الإثارة أكثر من الحقائق، وفي النهاية فإننا لم نعد بحاجة للبحث عن تفسيرٍ لمثلث برمودا لأنّ الأدلة أظهرت أنه يملك تفسير بسيطاً جداً وهو: المخيّلة الخصبة لكُتّاب الألغاز والإثارة الرخيصة.
المصادر:
هنا
هنا