ماذا نعرف عن الفضائيين والأطباق الطائرة؟ بين الوهم والواقع (الجزء الأول)
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
مجموعةٌ من أهمِّ النقاط والأدلة المتداولة والمتعلقة بتلك الزيارات سوف نُخضعها للمنطق العلمي ونناقشها ضمن هذا المقال الذي يحوي أيضاً تفاصيلَ مشوقةً أخرى.
الكائنات الفضائية والأطباق الطائرة حيرت وفتنت أشخاصاً كثيرين، ليس فقط في كتب وأفلام الخيال العلمي وإنما ايضاً في الواقع، فبعض الناس يعتقدون بوجود كائناتٍ فضائيةٍ قامتْ بزياراتٍ للأرض بين الحين والآخر! في هذا المقال سوف نسلّط الضوء على هذه الفكرة، مع التنويه إلى أننا سنناقش فقط صحة وجود مثل تلك المشاهدات على الأرض من دون التطرّق إلى احتمالية وجود كائنات فضائية في عوالم أخرى من عدمها.
غالباً ما يطلق على الأطباق الطائرة اسم UFO اختصاراً لـ"Unidentified Flying Objects" أي أجسامٌ طائرةٌ مجهولة، ونلاحظ هنا أن كلمةَ مجهولةٍ أو غريبةٍ تمَّ ربْطها مباشرةً من قبل الكثيرين بشيءٍ قادمٍ من الفضاء الخارجي. البعض علّلَ ظهور فكرة الأطباق والكائنات الفضائية بالتقدم العلمي، أي أنَّ تلك الفكرة حديثةٌ نسبياً، وهذا لا يعني بأنَّ الناس تاريخياً لم يسجّلوا أو يدوّنوا رؤيتهم لأجسام غير اعتيادية في السماء، فقد شوهدت المذنبات والنيازك والكسوف وغيرها من الظواهر الطبيعية منذ القِدم، لكنَّ تلك المشاهدات كانت تُفسّر بطريقةٍ أُخرى مُستمدةٍ من منطق وتفكير تلك الشعوب، وبأسلوبٍ خاطئٍ ظنوا أنه يدعم معتقداتهم، وبالإضافة للتقدم العلمي فإن كتّاب الخيال العلمي أوقدوا مخيلة الجمهور واهتمامهم برحلاتٍ تحدث من وإلى عوالم أخرى.
عام 1800 ظهرت أولى التقارير التي ترصد وجود أجسامٍ وكائناتٍ فضائيةٍ غريبة، وفي ذلك الوقت لم يكنْ قدْ تمَّ بعد استخدام المصطلحات المعروفة حالياً مثل UFO أو الأطباق الطائرة (flying saucer) وإنما استخدموا مصطلح (سفن الفضاء)، سُجّلتْ بعدها بسنواتٍ وتحديداً في عام 1897 حادثةٌ تتَّسمُ بالكثير من الإثارة في ولاية تكساس الأمريكية، حيث قام مراسل صحفي في إحدى الصحف بكتابة مقالٍ يصف فيه الكائنات الفضائية التي تمت رؤيتها بعد حادثة تصادم سفينة فضاء بالأرض، ويذكر ضمن تقريره وجود عشرات شهود العيان الذين شاهدوا جُثَثَ الفضائيين وحطام سفينة الفضاء في مكان الحادث، إلّا أنَّ تلك القصة الخيالية أخذت بالتراجع عندما لم يجدِ المحققون والباحثون أيَّ شاهد عيانٍ يدعم قصة الصحفي، بالإضافة لعدم وجود أيِّ أثرٍ لكائناتٍ غريبةٍ أو حطامٍ لسفينةٍ فضائية، واتَّضحَ فيما بعد أنَّ ذلك الصحفيَّ اختلق تلك القصة بأكملها لإثارة ضجة إعلامية تجذب القرّاء.
بعيداً عن خِدَعِ التقارير الصحفية فإنَّ هناك عدداً هائلاً من تقارير الأجسام المجهولة على مدى عقود، والبعض منها يُصنّف على أنه ذو أهميةٍ خاصة، كما أنَّ نسبة من يعتقدون بوجود زيارات قامت بها كائنات فضائية للأرض ليست بالقليلة، فإحدى الإحصائيات التي جرت بالولايات المتحدة وجدت أنَّ 36% من الأشخاص الذين أُجري عليهم الإحصاء واثقون فعلاً بوجود مثل تلك الزيارات!
أوّل تقريرٍ ذُكر فيه مصطلح الأطباق الطائرة يعود لعام 1947 عندما سجّل طيارٌ يدعى "كينيث ارنولد" مشاهدته لتسعة أجسامٍ غريبةٍ مُقوسةِ الشكل في السماء، ووصف طريقة طيرانها بأنها تشبه حركة لعبة الأطباق التي تُرمى عادةً على سطح الماء، وتتالت بعدها أعدادٌ كبيرةٌ من تقارير مشاهدات الأطباق والكائنات الفضائية.
ذِكْرُ كلِّ تلك المشاهدات هو أمرٌ أقرب للمستحيل ضمن مقالٍ واحد لكنّنا سوف نذكر بعض الأشياء التي لطالما تمّ الاعتقاد عن طريق الخطأ بأنها أجسامٌ فضائيةٌ غريبة:
1- التجارب العسكرية: خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي انتشرت الكثير من الأخبار الزاخرة بمشاهدات أجسامٍ طائرةٍ غريبةٍ وبالذات في نيو مكسيكو الأمريكية، والسبب يرجع في المقام الأول لكونِ سلاح الجوِّ الأمريكي أجرى بعض الأبحاث في تلك المنطقة، مثلاً أبحاثٌ تضمّنت العمل على لواقطِ صوتٍ خاصةٍ مثبّتةٍ على بالوناتٍ مصممةٍ لتستقرَّ على ارتفاعاتٍ عاليةٍ في الجو، والهدف منها محاولة التقاط الأمواج الصوتية الناتجة عن اختبارات القنابل الذرية التي كان يجريها السوفييت، لكنَّ أحد تلك البالونات تحطم، مما أدّى لانتشار إشاعاتٍ حول تحطم سفينةٍ فضائية. تجربةٌ عسكريةٌ أخرى أدّت لانتشار إشاعاتٍ عن مشاهداتٍ "أكيدةٍ" لجثثِ كائناتٍ فضائية، لكن كيف؟ عام 1950 قام سلاح الجو الأمريكي بإسقاط عشرات الدمى الشبيهة بالانسان والمربوطة بمظلات، وذلك ضمن اختباراتٍ تستهدف نوعاً جديداً من المظلات وبزّات الطيارين وتدرس تأثّرها بالارتفاعات العالية جداً، وساهمت تلك الأبحاث فيما بعد بتصميم أنواعٍ جديدةٍ من المظلات وبزّات الطيارين ورواد الفضاء، وبطبيعة الحال فإنَّ سلاح الجوِّ الأمريكي سيكون سعيداً للغاية لو اقتنع الجواسيس الروس بأنَّ سكان نيو مكسيكو أصابهم شيء من الجنون بدلاً من أن يكشفوا عن السبب الحقيقي لما تمّت رؤيته.
الاختبارات الصاروخية تُعدُّ كذلك من الأمور التي يتمّ الخطأ في تفسيرها، ففي عام 2009 ظهر عرضٌ ضوئيٌّ لدوامةٍ حلزونيةٍ مذهلةٍ في السماء، شمال النرويج، تلك الدوامة الضخمة انبثق من مركزها ضوءٌ أخضر مُزرَق، أضاء السماء وفق نموذجٍ بصريٍ مشابهٍ لتشكل تموجات الماء الدائرية، فهل هو ثقبٌ دوديٌّ ينقلنا إلى عالمٍ آخر؟!
Image: Dagfinn Rapp
وُجِد أنَّ ما تمت رؤيته هي تجربةٌ فاشلةٌ لإطلاقِ صاروخٍ باليستيٍّ وذلك وفقاً لوزارة الدفاع الروسية، حيث تمَّ إطلاقُ الصاروخ من إحدى الغواصات الروسية لكنه خرج عن السيطرة لحظة إطلاقه، ما أدّى لنشوء تلك الدوامة الحلزونية المترافقة مع العروض البصرية السابقة.
2- البالونات: في عام 2010 ظهيرة أحد الأيام تجمع مئات الأشخاص في أحد أحياء مانهاتن الأمريكية وأبصارهم معلقة بالسماء؛ حيث شاهدوا عناقيدَ فضيةً لامعةً في السماء، الكثير من الروايات اتفقت على أنها لأجسامٍ غريبةٍ لكنها اختلفت بالتفاصيل، فالبعض قالوا أنهم رأوا جسماً واحداً لامعاً وكبيراً وبطيءَ الحركة، بينما قال الآخرون أن ما رأوه يقارب ستة أجسامٍ غريبة، وبعدها ظهرت حقيقة تلك الأجسام وكانت عبارة عن 12 بالون هيليوم انفلتت من حفل خطوبةٍ أُقيم لمدرّسٍ في إحدى مدارس الأطفال.
هذا الفيديو يمكن أن يوضح أثر رؤية البالونات في الجو
3- الغيوم: منذ فترة تم تصوير فيديو لهالة عملاقة في السماء الملبدّة بالغيوم فوق موسكو، الفيديو يحوي كل ما يجب لكي يُطلق شائعات الأجسام الفضائية، فعند نقطة معينة في السماء ظهر جسم داكن مدبب الشكل وكأنه ينشق عن الحلقة المحيطة به.
علماء الأرصاد الجوية فسروا ما جرى على أنه وهمٌ بصريٌّ سببه ضرب أشعة الشمس لغيمةٍ متخلخلة، وهذا يحدث ضمن ما يُسمى بالسّحب السمحاقية (cirrus clouds)، والتي تتكون غالباً من بلوراتٍ جليديةٍ وقطراتٍ من ماءٍ فائق البرودة، ودرجة حرارته دون درجة التجمد لكنه يبقى ضمن الحالة السائلة، الخواص الفيزيائية التي تحافظ على تماسك تلك الغيوم حساسة للغاية، حيث يمكن أن تتخلخل تلك السحب بسبب طائرة نفاثة أو الرياح ما يؤدي إما لتجمد تلك القطرات مباشرة أو تبخرها، ما يترك بعض الفجوات ضمن السحابة تؤدي لظهور أشكالٍ غير اعتيادية.
4- عفاريت البرق: بعض من مشاهدات الأجسام الغامضة قد تترافق جنباً إلى جنب مع ظاهرة علمية باسم غريب "عفاريت البرق"، وهي عبارة عن ومضاتٍ قصيرةٍ لامعةٍ من الضوء تشبه شكل قنديل البحر وتحدث على ارتفاعات عالية في الغلاف الجوي.
Image: Galuyasdi / YouTube
تظهر تلك "العفاريت" فجأةً عندما يقوم البرق الناتج عن العواصف الرعدية بإثارة حقلٍ كهربائيٍّ فوق العاصفة مسبباً ومضاتٍ راقصةً من الضوء الساطع، تلك الظاهرة تحدث على ارتفاعات من 56 كم إلى 129 كم عن الأرض، أما البرق العادي فلا يتجاوز ارتفاعه من 11 إلى 16 كم، وتلك غالباً ما تقع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ويمكن أن تُفَسِر العديد من تقارير مشاهدات الأطباق الطائرة التي انتشرت في السنوات الماضية.
5- كوكب الزهرة (Venus): قد تقود سيارتك ليلاً على طريقٍ ريفي حيث السماء صافية والنجوم تتلألأ وضوء القمر ينسلُّ من بين أغصان الأشجار، وفجأةً تُلاحظ ومضةً من الضوء أعلى الأشجار، تليها أخرى، لتظن أن الضوء يتبعك..!
Image: imgbuddy
وإذا كنت متابعاً جيداً للافلام وذو مخيلة سينمائية خصبة فستفكر بالتالي: هبوط لسفينة الفضاء تلك، ثم تنفتح أبوابها فيغمر ضوءٌ أخضر المكان وتخطو منها كائنات غريبة نحو الخارج! لكن قبل أن تبتعد بمخيلتك كثيراً اعلم أن ما تراه هو كوكب الزهرة (ثاني كواكب المجموعة الشمسية) وهو ألمع الكواكب جميعاً ولا يفوقه من حيث سطوع الأجسام التي ترى بالعين المجردة سوى الشمس والقمر، حيث يُحيط به غلافٌ جويٌ سميكٌ جداً يعكس أغلب أشعة الشمس التي تضربه.
6- دوائر الحصاد: ربما سمعتم جميعاً عن هذه الدوائر التي ظهرت فجأةً في الحقول ونُسبت إلى الفضائيين أنهم صنعوها، إلا أنها لم تكن سوى "مزحة" من صنع البشر، وقد فصلنا فيها بمقالٍ كاملٍ يمكنكم قراءته من هنا
يُذكر أن ما يتعلق بالأطباق والكائنات الفضائية لا يتوقف فقط على تقارير المشاهدات، بل يتعداه إلى "عمليات اختطاف"، فمئات الأشخاص ادّعوا عبر الأعوام الماضية أنه تم اختطافهم من قبل كائنات فضائية، حتى أن البعض منهم قالوا بأنهم تعرضوا خلال اختطافهم للاغتصاب! أو إخضاعهم لتجارب وزرع أدوات أو طفيليات داخل أجسادهم! تلك الادعاءات لم تقتصر فقط على أُناسٍ عاديين، فهناك عدد من الباحثين ومنهم الطبيب النفسي "جون ماك" (John Mack) أيّد تلك المزاعم، وألّف كتاباً عن ضحايا الاختطاف، لكن لو عدنا إلى الظروف التي نشأت بها تلك الادعاءات سنجد أن حالات اختطاف عديدة لم يَكشف عنها "الضحايا" إلّا بعد سنوات، وذلك خلال جلسات علاج نفسي لقضايا نفسية أخرى لا علاقة لها بالاختطاف، حيث أثبت بحثٌ علمي أن "ذكريات كاذبة" يمكن أن تنشأ في سياق العلاج الذي يقدّمه بعض الأطباء النفسيون عن طريق الخطأ، فيما أظهرت ابحاثٌ أخرى أن خللاً نفسيّاً شائعاً يُدعى "شلل النوم" يمكن أن يُساء تفسيره من قبل البعض على أنه لحالات اختطاف أو سيطرة من قبل كائناتٍ فضائية أو أشباح (للاطلاع على مقالنا عن الشلل خلال النوم هنا).
إن سر اعتقاد البعض بصدق مشاهدات الأطباق والكائنات الفضائية لا يكمن بالضرورة بما كانوا قد رأوه في السماء، وإنما في عقولهم. بعض الأجسام الطائرة مجهولة الهوية سوف يتم النظر إليها كأطباق وكائنات فضائية من قِبل من يبحث عنها ويعتقد بوجودها. إن أيّ جسمٍ يُرى في السماء، وخصوصاً في الليل، من الصعب تحديد هويته وذلك بسبب القيود المفروضة على الإدراك البشري، فمعرفة بُعدِ شيءٍ ما يساعدنا على تقدير حجمه وسرعته، فالسيارات المتحركة من على مسافات بعيدة هي في الواقع ليست صغيرة جداً ولا تتحرك ببطء كما نراها، لكن عقولنا تعوّدت على إدراك مثل ذلك الوهم البصري، وبالتالي فإن "الأجسام الغامضة" التي لا نُدرك بُعدها مثلاً قد لانستطيع تقدير حجمها وسرعتها وطبيعتها بشكل موثوق، أضف إلى ذلك أن أدمغتنا تميل لملء المعلومات الناقصة، وهذا ما يمكن أن يسبب لنا التضليل، فمشاهدة ثلاثة أضواء في السماء المظلمة قد يفسره البعض على أنه ظهورٌ لسفينة فضاء على شكل مثلث، لكن ذلك فقط إذا كانوا قد افترضوا مسبقاً (من دون دليل) بأن تلك الأضواء مثبتة على نهايات الرؤوس الثلاثة لسفينة فضاء مثلثة الشكل، أي أن أدمغتنا وضعت ارتباطاتٍ لا وجود لها، فالبشر مخلوقات تسعى لقولبة كل شيء وتصنيفه وفق نماذج معروفة، أو قد يسعون نحو تفسيراتٍ بسيطةٍ لمسائل معقدة باستعمال نظرية المؤامرة مثلاً، (للاطلاع على مقالنا عن نظرية المؤامرة هنا) حيث تعتبر هذه النظرية الأب الروحي للكثير من العلوم الزائفة، فأدمغتنا تحاول جاهدةً أن تفهم الأشياء الغريبة مباشرةً، وأن تدركها وتضع لها حلول، وفي بعض الحالات قد نكون على صواب في تقييمنا لما رأيناه او لما عايشناه من تجارب، ولكن في حالاتٍ أخرى فنحن ببساطة قد نُسيء الفهم والادراك، وإن قامت الكائناتٍ فضائية حقاً بزياراتٍ للأرض عن طريق الأطباق الطائرة، فإن جميع المشاهدات حتى الآن لم تقدم دليلاً حقيقياً على وجودها!
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا