سلسلة أصل الحكاية: ما وراء قصة الجميلة والوحش؟
الفنون البصرية >>>> أصل الحكاية والاسم
يختلف تاريخ قصة الجميلة والوحش عن غيرها من القصص الخيالية، إذ تنتمي العديد من القصص الخيالية لفترة ما قبل جوتنبرغ Gutenberg وقد سُجّل بعضها بتواريخ غامضة غير مؤكدة. حيث يفترض المؤرخون بأن بدايات هذه الحكايا كانت فلكلورية ثم تناقلها الرواة عبر الأجيال إلى أن وصلت إلى المؤلفين الذين قاموا بنشرها بعد أن نسجوا تفاصيلها وأحداثها على الورق ليقرأها ويتمتع بها الكثيرون لعدة قرون.
وعلى الرغم من احتواء الجميلة والوحش للعديد من العناصر الفلكلورية إلا أنها لم تبدأ على نحو صارم كما اعتادت القصص الفلكلورية أن تبدأ. ويعود تاريخها ونشأتها الصريحة إلى بداية عام 1740 مع كاتبة فرنسية تدعى السيدة غابرييل سوزان دي فيلينوف Gabrielle-Suzanne de Villeneuve، تأثرت بالعديد من الكتّاب الفرنسيين للقصص الخيالية التي اشتهرت منذ بدايات القرن.
نشأت هذه القصة من جذور فلكلورية واشتُقت من أساطير وقصص سابقة لا تحصى، ويصنفها نظام التصنيف للفلكلور The Aarne Thompson Uther بأنها من نوع "البحث عن الزوج الضائع" وتندرج تحت أكبر التصنيفات ATU-425C.
كان عمل الكاتبة أكثر من مجرد قصة خيالية فقد بذلت جهدها لتجعل قصتها تأخذ طابع الرواية، وذلك باستخدامها لأسلوبٍ نثري متقن مع تفاصيلٍ غنية. فروايتها لا تنتهي بتحول الوحش إلى رجلٍ بل تتابع لنلتقي بالأم التي تخبرنا قصة ابنها الوحش كما نتعرف إلى تاريخ الجميلة المخفي، فهي في الحقيقة ليست ابنة التاجر الحقيقية بل أميرة متنكرة. كل هذا في عمل أدبي متقن وليس بقصة خيالية تقليدية، وبذلك أبدعت الكاتبة عملاً خلّاقاً يدمج عناصر الفلكلور التقليدية معاً، والتي لا يزال معظمها موجوداً ضمن النسخة التي نعرفها في وقتنا الحاضر. فهي تتحدث عن الحب والزواج الرومنسي وتطرح أفكاراً كحقوق المرأة الزوجية على الرغم من أن تلك الأفكار مخفية في كثير من الترجمات الإنكليزية للقصة.
يوجد ترجمتان رئيسيتان لقصة الجميلة والوحش، أولها ترجمة إرنست داوسون Ernest Dowson وهذه الترجمة كانت الأقرب للقصة الأصلية ونشرت عام 1908 والأخرى ترجمة ج.ر. بلانشيه J. R. Planché ونشرت عام 1858.
تتضمن ترجمة بلانشيه هوامشاً كتبها المحرر الحالي وذلك ليعرض أين عُدِّل النص. وهذه التغييرات بالرغم من أنها صغيرة إلا أنها بعيدة كل البعد عن الثانوية حيث أنها تغييرات أساسية في القصة. فعوضاً عن طلب الوحش الزواج من الجميلة يسألها "هل يمكن أن أنام معك هذه الليلة؟"
هذا السؤال ليس بجنسي أو إيحائي، بل دليلٌ على سيطرتها الكاملة وامتلاكها الخيار فيما يخص جسدها، وهو ما لم يكن قانونياً حقاً من حقوقها أو من حقوق أي امرأة، إذ لم تكن المرأة قبل قرون مضت إلا إحدى ممتلكات الزوج. كما أن الوحش ليس بوحش حقيقي، فهو لم يشبع غريزته رغماً عن إرادتها حتى مع وجودها في منزله، الأمر الذي يمكن اعتباره في هذه الأيام زواجاً مدنياً إلا أنه لم يكن موجوداً في زمن فيلينوف.
كما أن هناك تغييراً آخر مهماً في القصة، ففي نهاية نسخة فيلينوف فإن الجميلة تقبل النوم مع الوحش والزواج به. فينام الوحش بالقرب منها ولا تذكر القصة أي أحداث أخرى سوى أحلامها، لكنها حين تستيقظ تُفاجئ بوجود شاب ينام بجانبها بدلاً من الوحش، وهو شابٌ اعتاد زيارتها في أحلامها.
إذن لم اختفت كل هذه العناصر من القصة التي لطالما سمعناها؟
يعود السبب إلى أن القصة لم تكن حكراً لفيلينوف فكان هنالك كاتبة اخرى لنفس القصة تدعى جين ماري لبرينس دي بيومونت Jeanne-Marie Leprince de Beaumont فكان لهما نسخ من نفس القصة ولكن بما يتناسب مع جمهور كل منهما، فقرّاء بيومونت أطفالٌ أما قرّاء فيلينوف فهم بالغون. لذلك عدّلت بيومونت نسختها كثيراً لتنتهي كما نعرفها حالياً، إلا أن الواقع أنه لولا فيلينوف لما وُجدت هذه النسخة.
وبالتالي ترجمت نسخة بيومونت إلى عدّة لغات وانتشرت بشكل واسع وصارت معروفة في كل أنحاء أوروبا وامتدت إلى قارات عديدة، وكانت قصة محبوبة لدرجة أنها دخلت في شريحة القصص الشعبية والخيالية. وطرأ على القصة اختلافات وتغييرات، واشتق العديد من الكتّاب منها قصصاً مشابهة تدين بالفضل في ولادتها إلى فيلينوف وبيومونت.
ومن أولئك الكتّاب روبن ماك كينلي Robin McKinley وهو الفائز بجائزة Newbery الذي بدأ حياته المهنية برواية كلاسيكية اسمها "الجميلة" وهي إعادة لحكاية بيومونت مع بعض التغييرات التي أُضيفت إلى الأحداث الأصلية للقصة وخصوصاً في النهاية، ومنها تغيير اسم الجميلة إلى الجمال الساخر وذلك لأنه جعل البطلة خرقاء وليست جميلة.
وفي السنوات الأخيرة كثرت القصص التي تناولت نفس الموضوع مثل ابنة الورد Rose Daughter ونور الشمس Sunshine.
كما أخذ مؤلف آخر القصة من وجهة نظر الوحش وحول القصة القصيرة إلى فيلم في عام 2011، وأصبح عدد الروايات والأعمال التي تشعبت من القصة القصيرة لا تعد ولا تحصى.
قد يكون أكثر التغييرات إثارة هو انجذاب الحسناء إلى الوحش وشعورها بالإحباط في نهاية القصة عندما يتحول الوحش المميز إلى رجل عادي وهذا ماعرضته رواية جين كوكتيو Jean Cocteau والتي أسمتها La Belle et la Bête.
وألهمت رواية كوكتيو الكثيرين فتم إنتاج فيلم ديزني الحسناء والوحش عام 1991 والذي رُشّح ونال العديد من الجوائز من قِبل العديد من المنظمات في هوليوود. حتى أنه تم إنتاج مسلسل تلفزيوني لنفس القصة وطالت مواسمه وكان ذلك عام 1980 وأعيد إنتاج المسلسل عام 2012 من بطولة كريستين كريوك Kristin Kreuk وجاي رايان Jay Ryan.
في النهاية تُعد الحسناء والوحش قاعدة وركيزة للكثير من الأعمال سواء القصصية أم التلفازية أو حتى السنمائية، كما أنها تعد رابطاً مشتركاً بين عدّة أجيال، وفي كل مرة تُنتج فيها نسخة مُعدّلة نجد فيها معانيَ جديدة.
المصادر:
هنا
هنا