الحيتان القاتلة أيضاً تمر بسن اليأس... فلماذا؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
من الجَّديرِ بالذِّكر أنَّه ثمَّةَ ثلاثةُ أنواعٍ معروفةٍ تمرُّ بسنِّ اليأس: الحوتُ القاتلُ (killer whales) والحوتُ الرُّبَّانُ ذو الزَّعنَفةِ القصيرة (short-finned pilot whales) والإنسان.
ويشير أحدُ معدِّي الدراسةِ إلى أنَّ الإناثَ الأكبرَ سنَّاً في أنواعٍ أُخرى من الحيواناتِ كالفِيلةِ تتشاركُ خبرتها مع بناتِها ولكنّها لا تتوقفُ عن التكاثر، وهنا نطرح السؤالَ مجدداً: لماذا تدخلُ إناثُ الحيتانِ القاتلةِ مرحلةَ سنِّ اليأس؟
في محاولةٍ لحلِّ لغزِ مرورِ الحيتانِ القاتلةِ بسنّ اليأس، قام الفريقُ البحثيُّ الحاليّ بدراسةٍ على هذه الحيتانِ في عامِ 2015، وخَلصوا إلى أنّ السّببَ يكمنُ في أنَّ الإناثَ الأكبرَ عُمراً التي تقودُ أسرابَ الحيتانِ للبحثِ عن الغذاء (سمكِ السالمون) تتفرّغُ لذلك العملِ، خصوصاً في مواسمِ نُدرةِ الغذاء، وبذلك تكفُّ عن التكاثر، وهي صفةٌ فضَّلها التّطورُ لصالحِ الحفاظِ على النَّوع في مواجهةِ المجاعة.
ولكنَّهم وجدوا في دراستهمِ الحاليّةِ دليلاً مذهلاً جديداً: بسببِ البنيةِ العائلية لهذه الحيتان، حيثُ تعيشُ في أسرابٍ تقودها الأنثى الأكبرُ سنّاً، يحدثُ أنْ تضعَ الإناثُ الأكبرُ مواليدها بالتزامنِ مع وضعِ واحدةِ أو أكثرَ من بناتها في السِّربِ نفسهِ مواليدهنَّ أيضاً.
ويكمنُ السِّرُّ في أنَّ المواليدَ الجُددَ للأناثِ الأكبرَ سنّاً معرّضونَ لخطرِ الموتِ بسبب انشغالِ الأمّهاتِ بدور رعايةِ السِّربِ وقيادتهِ للبحثِ عن الطّعام، ويُحتَّمُ على الأنثى الأكبرَ سناً أنْ تتوقَّفَ عن التكاثرِ فيما يعرفُ بسنِّ اليأس!
يقترحُ الباحثونَ أنَّ الصِّراعَ بينَ الأجيالِ قد يفسِّرُ سببَ دخولِ إناثِ الإنسانِ سنَّ اليأس، فوِفقاً لنظريّةِ "صراعِ التكاثر" تميلُ الإناثُ الأكبرُ سنّاً إلى التّوقفِ عن التكاثرِ والبدءِ بمساعدة الإناثِ الأصغرَ، بينما تميلُ الأخيرةُ إلى التّنافسِ من أجلِ التّكاثر. ويرى الباحثونَ أنَّ هذا قد ينطبقُ على الحيتانِ القاتلة؛ إذْ يتنبّؤونَ وفقَ دراسةٍ نظريةٍ أنَّ عدمَ التوازنِ بين الأجيالِ يعني أنّه عندما تتكاثرُ الإناثُ الأكبرُ والأصغرُ سنّاً فإنَّ الانتخابَ سيفضِّلُ الإناثَ الأصغرَ الأكثرَ تنافساً، وكذلكَ سيكونُ من الأفضلِ للإناثِ الأكبر (أمّهاتِ وجدّات الإناثِ الأصغر) أن تزيدَ التّعاونَ وتقلِّلَ التّنافس.
ولاختبار هذه النّظرية، اعتمدوا على قاعدةِ بياناتٍ فريدةٍ جُمِعتْ على المَدَى الطّويلِ حولَ الحيتانِ القاتلةِ المقيمةِ في شمالِ غربِ المحيطِ الهادي، فوجدوا أنَّ الأمَّ الأكبرَ سنّاً تفقدُ مولودَها قبلَ أن يبلغَ عامهُ الخامسَ عشر وكانت نسبةُ الوفيّاتِ في نسلِ الأمِّ الأكبرَ سنّاً أعلى بـ 1.7 مرةً مِمَّا هي عليهِ عند الأمّهاتِ الأصغرَ سناً.
من الناحيةِ التّطورية، من غيرِ المُجدي أنْ تهدرَ الحيتانُ الأكبرُ سنّاً الوقتَ والطّاقةَ لصالحِ تربيةِ مواليدَ ستموتُ في نهايةِ المطاف، لذلكَ كان الخيارُ الوحيدُ أمامها هو التوقفُ عن التكاثرِ والالتفاتِ بدلاً من ذلك إلى مساعدةِ بناتِها الأكبرَ سناً ومواليدهُنَّ من خلالِ توفيرِ الغذاءِ والعنايةِ بالأطفال. تتنافس الأمّهاتُ بشكلٍ رئيسيٍّ على الغذاء؛ إذ تحتاجُ الأمُّ إلى ما نسبتُهُ 42% غذاءً إضافياً لرعايةِ وليدها وبفضلِ عيشِها في نفسِ السِّربِ مع الأُمّهاتِ الأكبرَ سنَّاً التي تشاركُ ما تلتقطهُ مع طعامِ مع بقيّةِ أفرادِ السِّربِ، فبإِمكانِ الأمِّ الحصولُ على ما تحتاجه من سعراتٍ حراريّةٍ بطلبِ حِصّةٍ أكبر.
إذاً، يعودُ سببُ دخولِ الحيتانِ القاتلةِ في سنِّ اليأس إلى تركيبةِ عائلتها الفريدة التي تؤدّي إلى التّعاونِ والتّنافسِ التَّكاثريِّ بين الأجيال، وقد تكونُ هذه الآلياتُ السَّببَ الكامنَ وراءَ وجودِ هذه الظّاهرةِ عندَ البشرِ أيضاً، والتي تُعدُّ نادرةً في المملكةِ الحيوانيّةِ بسبب ندرةِ هذا النَّوعِ منَ التَّراكيبِ الأُسريّة.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا
3 - هنا
4 - هنا
5 - هنا