عن النهضة العلمية العربية
منوعات علمية >>>> منوعات
في السنوات القليلة الماضية، ركّزت الصحوة التي اجتاحت الوطن العربي على البعد السياسي دون التركيز على التغيير المجتمعي، ورغم أهمية الجانب السياسيّ إلا أنّ التغيير الشامل يبدأ من المجتمع، ويجب الانطلاق من تغيير ثقافة التعليم التي تحتاج وحدها إلى ثورة جديدة. ففشل التعليم العربي من الأسباب الكامنة وراء سخط الشباب في المنطقة، وله عواقب ثقافية واقتصادية وسياسية خطيرة.
وضع العالم العربي في مجال العلوم والتعليم غير مقبول. فإسهامه في مجال الأبحاث العلمية الدولية غير ذي أهمية، والجامعات العربية لا تحتل أي مكان بين أفضل 500 مؤسسة تعليمية عالمية. ومن اللافت للنظر أنه من العرب البالغ عددهم 350 مليون مواطن، لا يزال 25-40٪ منهم أمّيّا، رغم أنّنا أصبحنا في العصر الرقميّ.
في مصر، ذات التعداد السكانيّ الأكبر، يحصل مئات الآلاف من الطلاب على تعليم جامعي لا يتناسب والعالم الحديث، كما تخلو السوق العالمية من أي منتج تكنولوجي "صُنع في بلد عربي".
ومن السذاجة بمكان أن نعزو هذا إلى سبب واحد، مثل التمييز الزائف بين الإيمان والمنطق. فمن وجهة نظر وراثية؛ لا يختلف العرب عن أي عرق آخر، والذكاء لا يقتصر جغرافيا على منطقة دون سواها. وقد كان العرب والمسلمون في إسبانيا، وشمال أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، بوضوح، في قمة الحضارة عندما كانت أوروبا غارقة في العصور المظلمة.
إن أسباب هذا النقص في السعي والإنجاز عديدة؛ منها الاستعمار، والفساد، وتقييد حرية الإنسان وحرية الفكر. وعلى مدى عقود، سبَّب استخدام الدين في السياسة والسياسة في الدين ضبابية في الأهداف الوطنية، وأدى لتحويل الاهتمام عن القضايا الحقيقية التي تواجه الدول العربية.
إن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة ليس "ما الخطأ الذي حدث؟"، بل "ما الذي يمكن القيام به الآن؟"، يجب أن تحدث تغييرات ثورية، لا تدريجية، في التعليم والفكر العلمي، بعدة عناصر أساسية لتحقيق تقدم ملحوظ
منها ضرورة بناء الموارد البشرية من خلال استعادة التعلّم، وضمان المشاركة الفعّالة للمرأة في المجتمع، وإصلاح التعليم.
وكذلك ضرورة السماح بحرية الفكر، وتبسيط البيروقراطية وترشيدها، وتطوير نظم تستند إلى الكفاءة.
وأخيراً وجوب تخصيص قدرٍ كافٍ من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لصالح ميزانية البحث والتطوير.
من هذا المنظور، تبقى الثروة البشرية هي الهدف الأسمى. يحتاج العالم العربي إلى رعاية جيل جديد من المهنيين القادرين على التفكير الناقد والإبداعي، جيل مسلح بالمعرفة المعاصرة للعلوم والتكنولوجيا، وبالتخصصات الجديدة الناشئة في العلوم الفيزيائية والطبية والاجتماعية.
إن مثل هذا الكم من المعرفة سيعين على تحديد الحلول للمشاكل الأساسية التي تواجه المجتمع وتنفيذها. فالبحث في مجال الطاقات البديلة، والموارد المائية، أو تصميم الأدوية يمكن أن يحقِّق عددا كبيرا من الفوائد والمكافآت الاجتماعية؛ نتيجة النمو الاقتصادي للبلاد، والمشاركة في السوق العالمية.
يجب أن تبدأ التغييرات من جذور نظام التعليم، الذي يقوم على التلقين، ويركز على كمية المعلومات المقدمة للطلاب لا على نوعيتها. يجب استبدال هذا النظام بآخر قائم على الجدارة، يهدف إلى تشجيع التفكير الحر والإبداعي، وترافقه تجارب عملية.
ويحتاج تمويل البحوث وإدراك أهميتها إلى إصلاح أيضا. وقد ثبت أن العرف المتّبع في هذه الأيام -بالاعتماد على عدد المنشورات لتحديد المرشحين المؤهلين للترقية الأكاديمية- ذو أهمية ضئيلة، ويجب استبداله بإطار عملي لتحديد الإسهامات الأصلية والمبتكرة.
أخيرا، يجب أن تكون هناك صلة قوية بين القطاعين الأكاديمي والصناعي؛ لتعظيم الفوائد المتبادلة المتوقَّعة بين البحوث الأساسية والمصالح الصناعية، على الصعيدين العالمي والمحلي.
وتعتبر "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" في عام 2011؛ خطوة رائدة في هذا المجال حيث تتضمن هذه المفاهيم في التعليم والبحوث والتأثير الصناعي، ويجري تمويلها عن طريق تبرعات الشعب والحكومة المصرية. تحوي على جامعة العلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى معاهد بحوث يتم إيصال نتائج بحوثها إلى التطبيقات الصناعية، وتكون محميّة الملكية الفكرية، وتهدف لجذب استثمارات الشركات الدولية الكبرى؛ لتشجيع وجود مناخ صحي لتبادل البحوث في مجال الصناعة.
ونحن نعتقد أن فكرة هذه المبادرة الفريدة، إذا تم نقلها إلى أجزاء أخرى من العالم العربي؛ فستغير مشهد التعليم والبحث العلمي، وستتمكن من تحقيق فرص جديدة للشباب في الدول العربية.
لن تكون النهضة في العالم العربي ممكنة دون توفّر اعتراف حكومي حقيقي بالدور الحاسم للعلوم في التقدم، وسياسات توفر التمويل المناسب للبحوث الأساسية، وإصلاح للنظم البيروقراطية الجامدة التي تعوق التقدم.
وإذا نجحت بتحقيق ذلك، ستتمكن الدول العربية من استعادة الثقة للمنافسة في العلوم والاقتصاد الدولي اليوم. ومن المُرْضي أن نرى العديد من المراكز الجديدة للتعليم المتقدم والبحث والتطوير قيد الإنشاء في المنطقة.
المصدر هنا