زجاجٌ ذكي يبدِّلُ حالتَهُ وشفافيتَهُ حسبَ رغبتك.
الهندسة والآليات >>>> منوعات هندسية
فتخيّل عزيزي و عزيزتي زُجاجَ ناطحةِ سحابٍ كاملةٍ قادراً على التحوِّل من الحالةِ النقية إلى المبهمة بمجردِ ضغطة زر، مما يساعدُ المقيمينَ في هذا البناءِ على تنظيمِ كمية الأشعة الشمسية الداخلة والتحكمِ بدرجاتِ الحرارة دونَ الاعتمادِ على وسائل التكييفِ الصِّناعية المُكلفة.
يعملُ الباحثونَ في قسم الهندسةِ في كامبردج على تطويرِ هذا النوعِ من الزجاجِ الذكي القادر على التحول و باستخدام كميةٍ قليلةٍ جداً من الطاقة، ويُطلقُ على هذه المادة اسم Smectic A، يمكنُ استخدامُها في المباني أو وسائلِ النقل أو حتى وسائلِ العرض.
قام الباحثونَ وبمساعدة مجموعةٍ من الشركاء مثل Dow Corning بتطويرِ هذه المادّةِ خلال العشرينَ سنةٍ الماضيةِ داخلَ قسمِ الهندسة في مركز الضوئياتِ والإلكترونياتِ المتقدمة (CAPE)، وأنتجوا نماذجَ من هذا الزجاج، كما وأنتجوا هذه المادّةَ على شكلِ بكراتٍ أو لفاتٍ وذلك لنستطيع طباعتها على البلاستيك، و ما يثير الاهتمامَ هو قدرةُ هذه المادة على التحولِ من وإلى الحالة الشفافة ملايينَ المرات، ويمكن للمستخدمِ إبقاؤها بحالةٍ ثابتةٍ لمدةٍ زمنيةٍ طويلةٍ يختارها بنفسه.
يقولُ البروفيسور دابينغ تشو Daping Chu أحدُ مُطوِّري هذه التقنية: "إضافةً إلى قدرتها على العودة من وإلى حالتها الطبيعية فنحنُ أيضاً بإمكانِنا الاختيارُ بين عِدَّةِ درجاتٍ من الشفافية، على سبيل المثال يمكنك استخدامُ هذا الزجاج كنوافذَ ذكيةٍ في بناءٍ مكتبيٍّ حيثُ يمكنها التحولُ تلقائياً بين عدةِ درجاتٍ من الشفافية معتمدةً على كميةِ ضوءِ الشمسِ المارِّ منها".
تُصنَعُ هذه المادّةِ من مكونٍ رئيسيٍّ وهو الكريستالُ السائلُ المعروفُ بِ smectic، والذي يحمل خواصّاً تختلفُ عن الكريستال الصلب أو حتى أنواعِ السوائلِ الأخرى.
إنَّ أبسطَ شكلٍ للكريستال هو الصُّلبُ الذي تكون فيه الذراتُ ذاتَ مكانٍ محدّدٍ ومميز، أما السائل والذي يستخدم في شاشات التلفاز، يسبح كسائلٍ ولكنه يملِكُ نظاماً معيناً في ترتيبِ الجزيئاتِ لا يتغير وتُسمى الكريستالاتُ السائلةُ المستخدمة في هذه الحالة بكريستالِ nematic، حيثُ تكونُ الجزيئاتُ مصفوفةً باتجاهٍ واحدٍ ولكن على خلاف هذه الحالةِ فإنها تأخذُ ترتيباً عشوائياً.
أما في الكريستال smectic تمتلكُ الجزيئاتُ ترتيباً اتجاهياً مشابهاً ولكنها أيضاً مرتَّبةٌ على شكل طبقاتٍ متراصَّةٍ مما يشكلُ تقييداً إضافياً لحركةِ الأيونات، وعندَ تطبيق شحنةٍ معينةٍ فإن جميع إلكتروناتِ الكريستالِ السائِل تحاولُ ترتيبَ نفسِها مع اتجاهِ الحقلِ الكهرَبائيِّ مما يجعل المادةَ التي تم تطبيقهم عليها تبدو بحالةٍ شفّافةٍ سواءَ كانت من البلاستيك أو الزُّجاج.
وعندَ تغييرِ اتِّجاهِ الشّحنةِ بِبُطءٍ فإنَّ الأيوناتِ ستعملُ على إحداثِ خللٍ في الطبقةِ البُنيويةِ للكريستال السائلِ (smectic) مما يُعطي الألواحَ الزجاجية أو البلاستيكية مظهراً حليبيّاً. أما زيادةُ تردُّدِ الشحنةِ سيؤدي إلى تجميد حركة الأيوناتِ وإعادةِ البلاستيك أو الزجاج إلى حالته الشفافة، وتحدثُ هذه التحوُّلاتُ خلال أجزاءٍ من الثانية وعند قطعِ التيار ستبقى المادةُ في الحالة التي هي عليها سواءً كانت شفافةً أم غير شفافةٍ حتى يرغبَ المستخدمُ بتغييرها من جديدٍ مِما يعني أن هذه المادةَ لا تحتاجُ طاقةً لكي تُحافظ على حالتها، وتُعتبر هذه النقطةُ من النقاط الهامة كثيراً من أجلِ توفيرِ الطاقة.
كما يمكنكم رؤيةُ كيفية تحوُّلِ ألواحِ الزجاج في المثال التالي:
Image: Daping Chu
إنَّ لهذه المادةِ العديدُ من التطبيقات الواعدةِ سواءً في البناء أو في الدِّعايةِ أو في صناعةِ وسائلِ النَّقل، على سبيلِ المثال: يمكنُ تطبيقُ هذه التقنية في الأبنية ذاتِ الواجهاتِ الزجاجية من أجل التحكم بكمية ضوءِ الشمس الدَّاخلِ إليها كما يُمكن استخدامها في السيارات ذات الأسقُفِ الزجاجية التي يمكن أن تتحولَ من الحالةِ الشفافة إلى غير الشفافة بشكلٍ متكرر.
كان الدافعُ الأولُ وراء هذا الاكتشافِ هو تطويرُ نوعٍ معينٍ من شاشات العرض الكهرَبائية منخفضةِ الطاقة والتي نشاهدها عادةً في مواقف الباصاتِ التي تستهلكُ قدراً قليلاً من الطاقة ولا تسمح بمرورِ الضوء السَّاطعِ إلى داخلها.
أما البنيةُ الأصليةُ لهذه المادّةِ كانت مبنيةً على موادٍّ عضويةٍ، أما النماذجُ الجديدةُ فهي مبنيةٌ على أساسٍ سيليكوني، واحدةٌ من النماذجِ التي تم تحضيرها في المختبر استطاعت التحوّلَ لأكثرَ من 27 مليونِ مرّةٍ، مرةً كلَّ ثانيةٍ مما استغرقَ عدَّةَ سنوات.
يقولُ تشو: "عملت النماذجُ الأولى التي بُنيَت على الزُّجاجِ بشكلٍ جيدٍ ولكنها عانَت من تحدِّي تشكيلِها بأحجامٍ أكبر، فبدأنا باستخدام البلاستيك الذي مكَّنَنا من التغلُّبِ على هذه المشكلة ولصقِها على النوافذِ لتقومَ بمهامِها، وربما سيساعدُ هذا أيضاً على التقليلِ من الإشعاعِ الشمسيِّ حيثُ تتمُّ بعثرةُ طاقةِ ههذه الأشعةِ عِوضاً عن امتصاصها".
يعودُ الفضلُ في هذه التطبيقاتِ والفوائِدِ اللامحدودةِ لهذه التقنية إلى فريقِ الباحثينَ في جامعةِ كامبردج وهذا الاكتشافِ الرائعِ الذي توصلوا إليه.
المصدر: هنا