تاريخُ الشعوبِ العربيةِ قبلَ الإسلام 2- أوضاعُ العربِ الإجتماعية
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
هذا ما سنتعرفُ عليه ضمن مقالنا التالي...
ينتمي أفرادُ القبيلة إلى أصل واحدٍ مشترك وتربطهم رابطةُ العصبيّة للأهل والعشيرة، وهي بمثابةِ شعور التماسك والتضامن بين من تربِطَهم رابطةُ الدمِ، وعلى هذا النحوِ تُعدُّ العصبيّة مصدر القوة السياسية والعسكرية التي تربطُ أفراد القبيلة.
تقوم العصبيّةُ على النسب الذي يرجعُ إلى جدِّ أو جدّةٍ أعلى. واستناداً إلى هذه الرابطة كانت القبيلةُ تهبُّ بكلِّ أفرادها لنصرة فردٍ منها ظالماً كان أو مظلوماً، وترفع عنهُ الضررَ وتثأر لقتيلها. وفي المقابل يتوجبُ على الفرد أن يتقيّدَ بنظامِ القبيلة ويلبّي نداءها إذا دعتهُ لنصرتِها أثناء الِشدّة، كما يقبل بتحمّلِ بعضِ مسؤوليّات غيره كدفعِ الديّاتِ مثلاً.
أما إذا خالف أعرافها، فيطردُ منها ويسمى الطريد، ويتمُّ إعلانُ الخلعِ رسمياً على الناس في الأسواق العامة.
يتفرّع من القبيلة فروعٌ وأغصانٌ هي دون القبيلة، من عشائرٍ وبطونٍ وأفخاذٍ وغير ذلك على اختلاف عددها. وتتوقف منزلةُ القبيلة وقوتها بين القبائل على عدد أفرادِها ومواردها، وهو ما يضمنُ المحافظةَ على بداوتها وقوتها واعتمادها على العصبية والتغلّبَ على غيرها، أما إذا اختلطت بمناطقٍ متحضرةٍ فإن خشونتها لا تلبثُ أن تتلاشى وتزول.
يرأسُ القبيلة سيّدها الذي يختاره مجلس الشيوخ، والذي تتكامل فيه الخصالُ الست وهي: الكرمُ، والنجدةُ، والحلمُ، والصبرُ، والتواضعُ والبيان، ويشترطُ في اختياره أن يكون من أشرفِ رجال القبيلة، وأشدّهم عصبيّة، وأكثرهم مالاً، و أكبرهم سنّاً، وأعظمهم نفوذاً، ومن المعروف أن العربَ لم تكن تقبل مبدأ الوراثةِ في الزعامة، ولهذه الأسباب كانت القبيلة تعتزُّ بكرامتها.
مرّتِ القبائلَ العربية البدوية بدورٍ موغل في البدائيّة والعزلةِ وهو دور (الطوطم)، والذي يعني أن تتخذ القبيلةُ حيواناً أو نباتاً أو كوكباً أو نجماً، أو أباً تعتقد أنها منتسبة له، فتُسمّى باسمه، مثل كلب ، كُليب، نمر، أسد، عُنزة، قُريش، زهرة، وغير ذلك من الأسماء التي تختلفُ باختلاف البيئة التي يتواجد فيها عبدةُ الطوطم.
ويبدو أن العرب تسمّوا بهذه الأسماء نتيجة تأمّلهم في الطبيعة حولهم وبما تحويهِ من جمادٍ ونبات وحيوان. ويمكن أن تكونَ بعض هذه الأسماء قد أعُطيت لأصحابها كأسماءٍ وشهرةٍ، فالشجاعُ يمكن أن يعرف بالأسد، والماكرُ بالثعلب وهكذا.
وقد حفلَ المجتمعُ الجاهليُّ بظواهر اجتماعية معينة ساعدت على توحيد أفرادهِ ضمن القبيلة الواحدة، ودفعت القبائل إلى نوع من التفكير باتجاهِ الوحدة على صعيد العلاقات القبليّة، ومن عوامل الوحدة هذه نذكر:
العصبيّةُ، الثأرُ، المشاعيّةُ، التحالفاتُ القبلية، ظاهرةُ الحنفاء.
وقد شكّلت الأسرةُ العربية وحدة اجتماعيةً هي أساس القبيلة، ومن هذه الأُسر التي تشترك بروابطِ الدم والنسب تنشأ العشيرة والقبيلة، وتتطورُ صعوداً من شكل أدنى إلى شكل أعلى بالتوازي مع تطور القبيلة.
وكانت الأمُّ هي الرباطُ المقدّسُ المتين الذي يربط بين الأفراد وينتسبون إليه، منذ كانتِ المرأةُ تتزوّجُ من أزواجٍ كُثر غير معيّنين، وكان الرجلُ يجتمع مع العديد من النساءِ ويتركهم، وإذ كان الزوج الذي استولد المرأة مجهولاً، يُنسب الولد إلى أمّهِ ويُعرف بها. ومن القبائل التي تنتسب إلى أُمِّها: بنو خندف، بنو مزينة، بنو بجيلة، بنو رقيّة وغيرها الكثير.
وفي المدّة القريبة من ظهور الإسلام أخذ النظام الأبوي يحلُّ محلَّ نظامِ الأمومة، وذلك بسبب الدور الحاسم الذي كان يؤدّيهِ الرجلُ للجماعة القبليّة في الحياة اليومية، ويتميّزُ هذا النظام بسلطة الأبِ المطلقةِ على العائلة، بينما استقرّتِ المرأةُ في المنزل لتقوم بالنصيب الأكبر من أعماله.
تسكن الأسرة في خيمة واحدة أو منزلٍ واحد، يضم الزوج والزوجة أو الزوجاتٍ والأولاد أوالإماءِ إن وجدنْ، وعندما يكبرُ الابن ويتزوج يغادر منزل أبيه ويسكن في منزل مستقلٍّ مجاورٍ لهُ.
وعَرفَ المجتمع الجاهلي نوعين من النساء(الحرائر والإماء). أدّت المرأة الحرّة دوراً هاماً في السلم والحرب، وحظيت بمكانة كبيرة في المجتمع حيثُ لم يجد بعض الملوك حرجاً في الانتساب لأمّهاتهم مثل (المنذر بن ماء السماء) ملكِ الحيرة. والواقع أن المرأة الحرّة كانت تتمتع بكثيرٍ من الحرية، فهي تمتلك المال وتتصرّفُ به كما تشاء.
أما (الإماء) فكنَّ كثيرات، منهن يتخذن أخداناً ومنهن جوارٍ يخدمن الشريفات، وكنَّ في منزلة وضيعة. ولا ينسبُ العربي المستولدُ من الأمْةِ إلى أبيه إلا إذا أظهر بسالة تشرّفهُ، وعلى سبيل المثال عنترة بن شداد، الذي لم يُلحق بنسب أبيه إلا بعد أن أثبت شجاعة فائقة ردّت إليهِ اعتبارهُ.
وقد تطور الزواج كظاهرةٍ اجتماعية في العصر الجاهلي، وعرَفتِ العربُ أنواعاً متعددة من الزواج. حيث كان الزواج السائد هو ذلك النوعُ الذي يتماشى مع الحاجات الأساسيةِ للإنسان والسلوكِ الفطري له. وكما كان الزواجُ كان الطلاق، وهو يعني تنازلَ الرجل عن حقوقهِ التي كانت على زوجته ومفارقتهُ لها. وبالنسبة للعُدّةِ فلم يكن للمطلقة في الجاهلية عُدّة، وإنما العُدّة للّتي توفيَّ زوجها عنها، ومُدّتَها حولٌ كاملٌ.
كما شاع في المجتمع الجاهلي ظاهرةُ التبنّي، فيجوز لأي شخصٍ أن يتبنّى، ويكون للمتبنّى الحقوقَ الموروثةَ المعترفَ بها للأبناء، ويعدُّ المتبنَى بذلك فرداً من أفراد الأسرة التي تبنّتهُ. ويتم التبنّي بالاتفاق مع والد الطفل أو ولي أمره أو مالكه، ويشهدُ جماعة من الناس على ذلك تجنباً لحدوث نزاع في المستقبل.
أما بالنسبة للوأدِ؛ والذي يعني دفن البنات وهنَّ أحياء، فقد كان من المشكلات الاجتماعية البارزة في المجتمع الجاهلي، حيث يؤثْرُ معظم العرب البنين على البنات في مجتمعهم القبلي الذي يقومُ على العصبية والنسبِ والصيد والغزو والحروب.
ولم تكنْ ظاهرة الوأد عامة بين العرب وإنما شاعت في بعض القبائل مثل بني تميم وقيس وهذيل وكندة و بكرٍ وقريش. وحتى هذه القبائل كان الوأدُ فيها متفاوتاً، بدليلِ أن بعض سادات العرب من بني تميم كانوا يعيبون وأدَ البنات، و ينقذنْهنَّ من جريمة الوأدِ القاسية، واشتُهرَ بذلك (صعصعة بن ناجية) جدِِّ الفرزدق، حتى سُميَّ "مُحيي الموؤودات".
هكذا كانت حياة العرب الإجتماعية إلى أن جاء الإسلام، أما فيما يتعلقُ بحياتهم الدينية والمعتقدات، فستكون محورَ الحديثِ في الجزء التالي من السلسلة فانتظرونا.
المصادر:
1- طقوش، محمد سهيل. تاريخ العرب قبل الإسلام، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2009.
2- معطي، علي. تاريخ العرب الاقتصادي قبل الإسلام، دار المنهل اللبناني، بيروت، 2003.
3- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. تاريخ ابن خلدون المسمى بالعبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت، 1979.
4- دلو، برهان الدين. جزيرة العرب قبل الإسلام، دار الفارابي، بيروت، 1989.