التجارة الهندية - البريطانية، إعادة تقييم إرث شركة الهند الشرقية
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
تبحّر البروفيسور هوو باون من جامعة سوانسي في أعماق آليات عمل الشركة وذلك في معهد لاغاتوم، وكان عمله كجزء من سلسلة تاريخ الرأسمالية الخاصة بالموقع. وبوضعه إياها في سياق زمانها، وضّح البروفيسور كيف أنها ساهمت في الانفتاح الاقتصادي لشبه القارة الهندية، وفي تطورها السياسي، مع تداعيات هائلة على الهند وبريطانيا والعالم بأسره على حد سواء.
ينظر العديدون لشركة الهند الشرقية على أنها امتدادٌ ليد النهب البريطانية، حتى أنها وُصفت في زمانها على أنها ثلّة من الوحوش على حد قول هوريس والبول، إلا أن هذا الاستنتاج المبسّط قد يحتمل الخطأ. فطبيعة الشركة قد تطورت بشكل كبير منذ عام 1709 يوم تأسست تحت اسم "الشركة المتحدة لتُجّار انجلترا المهاجرين نحو الهند الشرقية" وحتى تاريخ حلّ الشركة في عام 1874.
وفي البدء، لم يكن لأحد في الشركة أيّة مطامع بالأرض، وكان دورهم يتجسد في إدارة مراكز تجارية في بومباي وكالكوتا ومدراس. وكانت هذه المراكز التجارية هي سبيل ايصال الأقمشة الهندية والشاي الصيني نحو بريطانيا. وقد ساهمت هذه التجارة في تنمية قطاع التصنيع المحلي، بينما ساهم أفراد الطبقة البريطانية ذوو الأجر في رفع الطلب على البضائع الأجنبية. وفي هذا السياق، تكون الشركة قد ساهمت في ظهور الثورة الصناعية. بل إن إدموند بورك يطرح فكرة تلازم نمو ثروة الشركة مع ثروة انجلترا نفسها.
أما من الناحية الاقتصادية، فقد تشابك تطور الشركة مع الصناعات في العاصمة وحولها. وقد كان هذا أوضح ما يكون في القطاع الماليّ. فطوال معظم القرن الثامن عشر، سيطرت الشركة على سوق لندن للمضاربة الذي كان في طور الظهور، وقد كان سوق المضاربة الأكثر جاذبيّة، وببسطه سيطرته على طول شبه القارة الهندية دخل رأس المال الذي نقله من هناك إلى بريطانيا في رأس مال السوق.
وبالطبع، فقد كان لبسط الشركة سيطرتها السياسية على طول شبه القارة الهندية الدور الأكبر في تحولها من تاجرٍ إلى سيّد. وكسيّدٍ للبلاد، عانت الشركة من تمحيص دائم وشديد من قبل البرلمان، كما عانت من كل صعوبات الإدارة الإستعمارية. ومع الوقت، أصبحت أعباء تلك الشركة تتجاوز الفوائد التي كانت تجنيها من ممتلكاتها الجديدة.
وضمن هذا السياق، فقد زرع نجاح الشركة بذور انهيارها. فبعد معاهدة الله آباد لعام 1765 التي سمحت للشركة بقبض العائدات في البنغال وبيهار وأوريسا، بدأ التاج البريطاني محاولاته لتوسعة سيطرته عليها. وقد انقسمت الآراء المعاصرة، فرآها البعض، كوالبول، على أنها باخرة إتّجارية ضخمة تقود البلاد إلى الانحطاط. بينما رآها آخرون كما يقول بوين، على أنها حصن منيع ضد التوسع غير المحمود لسلطات التاج على عرض الامبراطورية. فالأفضل أن تُحكم البلاد من قبل تجار على أن يحكمها ساسةٌ فاسدون.
ولكن ورغم كل ذلك، نال التاج ما يريد. فقد فشلت الشركة مراراً في تحقيق الأرباح اللازمة لاستمرارها مما قادها إلى الدخول في صعوباتٍ بالغة. وكنتيجة لذلك تم سحب الامتيازات منها خاصة في عامي 1793 و 1802. ورغم أن الشركة قد رسمت الخطوط الأولى للتجارة مع آسيا، إلا أن الأفكار الاقتصادية والسياسية الجديدة، والتي جسدها آدم سميث في رفضه للإتجارية، كانت تصبح ذات وزن عبر بريطانيا. وكنتيجة لذلك أيضاً تم سحب حقوق الاحتكار منها، وتم استخدام الطرق التجارية التي فتحتها هي ضدها من قبل منافسيها. ولحظة حلّها في عام 1874 كانت الشركة قد تحولت من قوةٍ تجارية هامة إلى آلةٍ إداريةٍ غير فاعلة.
إلا أن انهيار الشركة لا يجب أن يُلغي كونها قد افتتحت التجارة مع شبه القارة الهندية، مما أفاد الشعب البريطاني والصناعة البربطانية أيّما إفادة. ولوقتٍ من الأوقات، فقد موّل رأسُ المال الذي كانت تصدره الحكومة، وجعل للندن مكانتها العالمية المُسيطرة. وقد سمحت الطرق التجارية التي فتحتها للشركات الأخرى بحصد ثمار التجارة الحرة، حتى أن العديد من تلك الشركات أصبحت مشاركة في سوق المضاربة اللندني الذي سيطرت عليه الشركة في يوم من الأيام.
تصوير الشركة على أنها تجسيد لأبشع أشكال الإمبريالية يمنعنا من استخلاص العبر منها. فقد ساعدت طاقة الشركة التنظيمية في تحضير نجاح بريطانيا الاقتصادي خلال الثورة الصناعية عندما حفزت التجارة إلى جوار رأس المال وروح المغامرة الازدهار في البلاد. وإعادة اكتشاف هذه المثل ليس بالأمر السيء لبريطانيا اليوم.
المصادر:
هنا