دولة المماليك (1250–1517)...1- من هم المماليك؟ وكيف أسسوا دولتهم؟
التاريخ وعلم الآثار >>>> حضارة اسلامية
على الرغم من أن كلمة مملوك تعني في اللغة "العبد" بحكم ملكية إنسان آخر له إلا أن التعبير لم يستخدم بمعناه العام ككلمة عبد، إلا أنها وبمعناها الخاص تعني الجنود المستعبدون إذا صح التعبير، فقد اُستقدموا شبانًا صغار ودُربوا واحترفوا فنون القتال والحرب واعتنقوا الإسلام. جلب حكام مصر الجنود المماليك غالبًا من المناطق المتاخمة لحكم المسلمين كالأتراك من وسط آسيا والشراكس من القوقاز وغيرهم . إلا أن أكثرهم كانوا من المماليك ذوو الأصول التركية من الأراضي الواقعة بعد نهر جيحون (Oxus) حيث اعتمد الأيوبيون عليهم في تنظيمهم العسكري. في الحقيقة نشأت سلطنة المماليك من ضعف الأيوبين في مصر وسورية (1250–60) حيث أطاح مماليك من أتراك القفجاق بحكم الملك الأشرف (1249–50) آخر سلاطنة الأيويبين في مصر وأنشؤوا حكمهم.
لم يعتمد نظامهم السياسي غير العادي حينها كليًا على توريث الحكم في العائلة الواحدة فقد عين العبيد في مناصب حكومية. إلا أن المؤرخين لاحقًا أطلقوا اسم المماليك على سلطنتهم. بانتصار المماليك على المغول في معركة عين جالوت وورثوا بذلك آخر معقل من معاقل الأيوبيون في شرق المتوسط وخلال مدة وجيزة استطاعوا بناء أعظم إمبراطورية إسلامية في أواخر العصور الوسطى التي تضمنت السيطرة على المدن المقدسة مكة والمدينة. أصبحت عاصمتهم القاهرة مركز العالم العربي والإسلامي اقتصاديًا وثقافيًا وفنيًا.
ينقسم التاريخ المملوكي إلى قسمين تبعًا للسلالات الحاكمة التي كانت مرحلة مماليك البحرية (1250–1382) أو مماليك الأتراك وأغلبهم من الأتراك القبجاق من جنوب روسيا وسموا البحرية بناء على موقع ثكناتهم على النيل. والفترة الثانية كانت تحت حكم مماليك البرجية (1382–1517) كان حكامها ذوو أصول شركسية من القوقاز والذين تمركزوا في القلعة ومنها جاء اسمهم البرجية من كلمة برج. بعد تعليمهم أصول الدين الإسلامي وفنون الحرب يعتق العبيد في الثكنات العسكرية الملكية ويُسلمون مسؤوليات ضمن المراتب المملوكية.
المماليك: المحاربين الأشداء
جُند المماليك لتعزيز جيوش الحكام العرب وكونهم غرباء جعل ولاءهم لا للمكان بل لمن يمتلكهم فحسب ولايختلفون بذلك كثيرًا عن المرتزقة. إضافة إلى ذلك كان للترك والشركس سمعة واسعة بوصفهم محاربين أشداء جدًا. كان العبيد يُشترون أو يُختطفون صبية صغارًا في سن الثالثة عشر تقريبا و يُجلبون إلى المدن الكبيرة وبخاصة القاهرة وقلعتها. وهناك يعتنقون الإسلام ويوضعون ضمن نظام تدريبي حربي قاسٍ يركز على الفروسية خصوصًا وكان لديهم أسس السلوك التي تشبه إلى حد كبير تلك التي يتبعها فرسان أوروبا وتدعى code of chivalry وتعني أخلاق الفرسان (الفروسية). وكما في المؤسسات العسكرية كلها حتى يومنا هذا تسعى السلطات لخلق روح التعاون والحس بالواجب بين الشبان اليافعين. وكان على المماليك أن يعيشوا بمعزل عن العامة في حامياتهم التي تتضمن القلعة وجزيرة الروضة ومدينة القاهرة وكالنخبة في فيالق الجيش بدأ نفوذهم بالنمو في الإمبراطورية الأيوبية في مصر.
المماليك والمغول (1250-1260):
يعدّ عقد الخمسينات في القرن الثالث عشر نقطة تحول كبيرة في كل من مصر وفلسطين وسورية ومابين النهرين لما حدث خلاله من حوادث كبيرة متتابعة. ففي عام 1250م قُتل آخر سلاطين سلالة صلاح الدين الأيوبي على يد حُراس القصر من العبيد الأمر الذي مكّن القائد المملوكي أيبك Aybak من تسلم زمام السلطة وقد حكم حتى عام 1257م عندما قُتل في القصر بمكيدة حاكتها زوجته شجرة الدر. وتسلم مكانه سريعًا القائد المملوكي قُطُز Qutuz.
في السنة التالية أي 1258م عانت بغداد والخلافة ضربة مدمرة فقد نزل المغول بقيادة هولاكو حفيد جنكيز خان إلى المدينة ودمروها وبذلك أصبح الشرق مفتوحًا أمامهم للغزو والتدمير. في عام 1259 احتل هولاكو كلا من حلب ودمشق وبذلك بدا السهل الساحلي والطريق الجنوبي إلى مصر مفتوحا، إلا أن جيش السلطنة المملوكية بقيادة القائد المملوكي بيبرس Baybars تصدى لهم في موقعة عين جالوت قرب الناصرة. وفي واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ هَزم بيبر المغول وكانت النكسة الأولى لأحفاد جنكيز خان في توسعهم الوحشي خلال نصف قرن من الزمن وتعدّ هذه المعركة حدًا لقوتهم لأول مرة وقد ضمنت دخول كل من فلسطين وسورية في الحكم المملوكي في مصر بينما بقيت بلاد الفرس ومابين النهرين تحت حكم المغول.
Image: http://www.historytoday.com/
الشكل (1): رسم لمعركة وادي الخزندار بين المماليك والمغول
الظاهر بيبرس وخلفاؤه (1260-1517):
Image: Wikimedia.com
الشكل (2): الظاهر بيبرس
صُور بيبرس بالقائد الذي لا يرحم في أفضل التراث المملوكي. بيبرس كان صبيا من الأتراك القبجاق شمال بحر قزوين اُحتجز ثم جُلب إلى مصر عبدًا. مكنته مهاراته الحربية من تولي منصب عالٍ في الجيش المملوكي. كان عام 1260م عام نصره العظيم في عين جالوت على المغول والعام الذي هزم سلطانه المملوكي وقتله وولى نفسه قيادة الجيش بدلًا منه.
خلال سنوات حكمه السبع عشرة قضى بيبرس على الحشاشين في آخر معاقلهم في سورية ودفع الصليبين من أنطاكيا ووسع حكم مصر عبر البحر الأحمر ليتحكم في مدن الحج ذوات القيمة الكبيرة مكة والمدينة.
ولتوطيد حكمه الممتد هذا اتخذ بيبرس إجراء احترازيًا مدعيا أن سيطرته هذه هي باسم اللاجئين العباسيين من آثار بغداد إذ ادعى أنه يحكم باسم الخليفة عليهم. وكثير من خلفائه حذَوا حذوه في ذلك محافظين على الرواية نفسها.
لم يكن سلاطين المماليك سليلي عائلة واحدة كما هو الحال في السلالات التقليدية بل كانوا أمراء حرب من الأقلية العسكرية الذين يحاربون ويدسون المكائد لبعضهم للاستيلاء على حكم السلطان بطريقة تشابه إلى حد كبير أواخر أباطرة الرومان.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا