البيتُ الكريستاليّ
العمارة والتشييد >>>> الترميم وإعادة التأهيل
حاولَ المعماريّون أن يعيدوا إظهارَ ملامحِ البناءِ الأصل من خلالِ الاستخدامِ الواسعِ للزُّجاج، حيثُ تحاكي الواجهةُ الأساسيَّةُ التي تكادُ أن تكونَ زجاجيَّةً بالكاملِ البناءَ الأصليّ من خلالِ إمكانيَّةِ رؤيةِ القرميد وتفاصيلِ إطاراتِ النَّوافذِ عبرها، وذلكَ مع وجودِ بعضِ التَّعديلات التي طرأت على ارتفاعِ المبنى تبعاً للقوانينِ الجديدة للحصولِ على فراغٍ داخليٍّ أكبر.
يمتدُّ الطُّوبُ الزُّجاجيّ على واجهةِ المتجرِ ليتلاشى شيئاً فشيئاً إلى قطعِ الطُّوبِ التَّقليديَّةِ في الطَّوابقِ السَّكنيَّةِ العليا -كما هوَ منصوصٌ عليه في القوانين الجماليَّةِ للمدينة- فتبدو بذلكَ الشُّققُ وكأنَّها عائمةٌ فوقَ الواجهةِ الزُّجاجيَّةِ للمتجر.
Image: MVRDV, Gietermans & Van Dijk
Image: MVRDV, Gietermans & Van Dijk
يقدِّمُ هذا التَّصميمُ الواجهةَ العصريَّةَ التي يحتاجُها المتجرُ معَ الحفاظِ على الأصالةِ والطَّابعِ المعماريّ للمبنى، وبالتَّالي الحصولُ على متجرٍ رئيسيٍّ فريدٍ ومميَّزٍ لماركةٍ عالميَّةٍ معروفة، فالهدفُ من المشروعِ هو إيجادُ حلٍّ لفقدانِ الطَّابعِ المحليّ في المناطقِ التِّجاريَّة بسببِ تأثيرِ العولمةِ المتزايد على تصميمِ المتاجرِ المختلفة، والذي بدورهِ يؤدِّي إلى التَّجانسِ والتَّشابهِ بينَ الشَّوارعِ التِّجاريَّة الفخمةِ في العالم.
يشرحُ Winy Maas أحدُ مؤسِّسي MVRDV "لقد اقترحنا على الزَّبون أن نعيدَ ما سيتمّ إزالته لكن بعدَ تطويرهِ. فكرةُ البيوتِ الكريستاليَّة تعطي المساحة التي يحتاجُها المتجر معَ احترامِ هيئةِ المباني المحيطة، كما تقدِّمُ ابتكاراً جديداً في المنشآتِ الزُّجاجيَّة ممَّا يمكِّن الماركات العالميَّة من تحقيقِ رغبتِها القويَّة في الدَّمجِ بينَ الشَّفافيَّةِ واللَّونِ المحليّ وبينَ الحداثةِ والتُّراث. ناهيك عن أن هذا الابتكار يمكنُ تطبيقُه في كلِّ المراكزِ التَّاريخيَّةِ في العالم".
Image: © Daria Scagliola & Stijn Brakkee
بعدَ وضعِ التَّصوُّرِ الأوليّ تعاونَ الفريقُ المعماريُّ مع عددٍ من الشُّركاءِ لتطويرِ التِّقنيَّاتِ اللَّازمة لتنفيذِ فكرتِهم. فقد تمَّ تصنيعُ الطُّوبِ الزُّجاجيَّة الصُّلبة يدويَّاً كلّ واحدةٍ على حدة من قبل Poesia في ريسانا بالقربِ من مدينةِ البندقيَّة في إيطاليا، ثمَّ وضِعت أبحاثٌ لتطويرِ الحلولِ الإنشائيَّةِ وتقنيَّاتِ التَّصنيع من قبلِ جامعةِ Delft للتكنولوجيا بالشَّراكةِ مع الشَّركةِ الهندسيَّة ABT، وذلكَ باستخدامِ القوَّةِ العالية وحزمِ الأشعَّةِ فوق البنفسجيَّة ولاصقٍ شفَّاف من صنعِ شركةِ Delo الألمانيَّة للمواد اللَّاصقة لربطِ الطُّوب مع بعضِها دونَ الحاجةِ لاستخدامِ الخلطاتِ التَّقليديَّة.
عملَ ستَّة إلى عشرةِ خبراء يوميَّاً لسنةٍ كاملةٍ في مكانٍ أشبه أن يكونَ مخبراً من كونه موقع بناء؛ فحساسيَّةُ المواد فرضت درجةً عاليةً منَ الدِّقَّةِ والمهارةِ بالإضافةِ لتواجدِ فريقٍ تقنيٍّ خلالَ عمليَّةِ التَّصميم.
Image: © MVRDV
ولكونِ هذا البناء هوَ الأوَّلُ من نوعِهِ، تمَّ استخدامُ أساليب إنشائيَّة وأدوات جديدة كاللِّيزر عالي التِّقنيَّة والمصابيح المخبريَّة للأشعَّةِ فوق البنفسجيَّة، بالإضافةِ إلى استخدامِ الحليبِ كاملِ الدَّسم فشفافيَّتُهُ القليلةُ تجعلُه سائلاً مثاليَّاً للعملِ كسطحٍ عاكسٍ للطَّبقةِ الأولى من الطُّوب.
وعلى الرُّغمِ من المظهرِ الحسَّاس والدَّقيق للطُّوب الزُّجاجيَّة، أثبتت اختباراتُ القوَّةِ التي أجراها فريقُ جامعةِ Delft للتكنولوجيا أنَّ البناءَ الزُّجاجيّ كانَ في نواحٍ كثيرةٍ أقوى من الخرسانة، فعلى سبيل المثال يمكنُ لعتبةٍ كاملةٍ منَ الزُّجاجِ أن تصمدَ أمامَ قوَّةٍ مقدارُها 42 ألف نيوتن، أي ما يعادل سيارتيّ دفعٍ رباعيّ كبيرتين.
Image: © Daria Scagliola & Stijn Brakkee
إنَّ تطويرَ نظامٍ إنشائيٍّ جديدٍ يكشفُ عن إمكانيَّاتٍ إضافيَّةٍ في مستقبلِ المباني، كالتَّقليلِ من النِّفايات النَّاتجة عن البناء، حيث أنَّ مكوِّناتِ هذا الزُّجاج قابلةٌ لإعادةِ التَّدويرِ بالكامل. يمكنُ ببساطةٍ صهرُ مخلَّفاتُ المشروعِ كالطُّوبِ غير المناسب وإعادةُ صبِّها من جديد أو إعادةُ تصنيعِها لغرضٍ مغايرٍ تماماً.
وهذا ينطبقُ على الواجهةِ الزُّجاجيَّةِ للمتجر حيثُ من الممكنِ صهرُها وإعطاؤها حياةً جديدةً بعدَ انتهاءِ عمرِ المبنى.
الاستثناءُ الوحيدُ لهذهِ القاعدة هو العناصرُ التي أضيفت لضمانِ أمنِ المبنى، كالخرسانةِ المسلَّحةِ المخبَّأة في مزيجٍ من المواد العاكسة والشفَّافة والمبنيَّة لمقاومةِ قوَّةِ اصطدامِ سيَّارةٍ بالمبنى.
كما تمَّ تطويرُ طرقٍ لإصلاحِ الأضرارِ في المبنى في حالِ حدوثها تسمحُ باستبدالِ الطُّوب المتضرِّرة فقط.
معَ هذهِ الواجهةِ الزُّجاجيَّةِ الصَّديقةِ للبيئة منَ الضَّروريّ تأمينُ الطَّاقةِ التي يحتاجُها المتجرُ من مصادر طاقة متجدِّدة أيضاً، لذلكَ تمَّ تصميمُ المبنى حولَ مضخَّةٍ حراريَّةٍ أرضيَّةٍ تمتدُّ أنابيبُها 170 متر تحتَ الأرض تعملُ على توفيرِ جوٍّ مثاليّ داخلَ المبنى على مدارِ السَّنة. لقد كانت نقطةً حسَّاسةً في التَّصميمِ أثناءَ العملِ على تفاصيل دقيقة ومرضية وبنفسِ الوقتِ ملائمةً لمتطلَّباتِ الطَّاقة.
يصعبُ المرورُ أمامَ هذا المبنى وعدمُ ملاحظةِ الطُّوبِ الزُّجاجيَّة وما تقدِّمهُ للمبنى من واجهةٍ جذَّابةٍ ومتناسقةٍ مع روحِ الشَّارعِ بالكامل، بالإضافةِ لابتكارِ مادَّةٍ جديدةٍ صديقةٍ للبيئة وجميلةٍ لها مستقبلٌ واعدٌ في مشاريعَ أخرى قادمة.
المصدر: هنا