تعتبر القهوة من أكثر المشروبات شعبية و انتشاراً حول العالم. وفي بعض البلدان العربية يكون فنجان القهوة مرافقاً لجملة أهلاً و سهلاً في استقبال الضيوف و لكلمة مع السلامة في توديعهم. بأنواعها و بتركيزاتها المختلفة حاضرةً في الأفراح و الأتراح ، و يكاد البعض يعتبره مشروب بداية الصباح اليومي. لكن ماذا عن تبعات هذه العادات ؟
تشير دراستان أجريتا مؤخراً في بلدانٍ أوروبيّةٍ حول ارتباط القهوة بالأمراض الصحية إلى أن تناول القهوة (باختلاف أنواعها و طرق تحضيرها) قد يخفض نسبة الوفيات والإصابةِ بأمراضٍ مزمنةٍ مختلفة ، كأمراض الجهاز الهضمي وأمراض الأوعية الدموية . كما تشمل السرطانات ، أمراض الرئة وأمراض الكلى و غيرها.

قام د. مارك جنتر ، الحائز على درجة الدكتوراه ، من الوكالة الدولية لبحوث السرطان و زملاؤه في ليون - فرنسا بالعمل على الدراسة الأولى المسمّاة بـ(إيبيك) و التي شملت 451،743 مشارك ، 130،662 من الرجال و 321،081 من النساء و لم تشمل ذوي البشرة السمراء . و ذلك في عشرة بلدان أوروبيّة بمتابعة الحالات و نسبة الوفيات على مدار 16.4 سنة . و قد خلصت الدراسة إلى أنه ثمة تناسب عكسي بين شرب القهوة و معدل الوفيات لأسباب صحية ، على وجه الخصوص : أمراض الجهاز الهضمي أو أمراض الأوعية الدموية . و وُجد انخفاض في نسبة الأخير بشكل ملحوظ لدى السيدات أكثر من الرجال . أما عن الأمراض الهضمية فقد وُجد أن نسبتها انخفضت حتى 59% لدى الرجال الذين تناولوا معدل ثلاثة أكواب يومياً مقارنة بالذين لم يتناولوا البتة أو تناولوا كوباً واحداً في اليوم . بشكل عام ، خلصت الدراسة إلى أن نسبة الوفيات لدى الرجال انخفضت لـ12% ، وحتى 7 % لدى النساء.
كما ذكر البحث أن النتائج كانت متعادلة حين تمت المقارنة بين القهوة المعززة بالكافيين أو الخالية من الكافيين ، مع التشديد على ضرورة تفحص تلك النتائج حيث أن بعض المراكز المشاركة في الدراسة لم تجمع بياناتٍ كافيةً حول القهوة الخالية من الكافيين . كما أظهرت الدراسة نتيجة عرضية تذكر وجود ارتباط بين شرب القهوة و زيادة نسبة الوفيات بسرطان المبيض.

أما في دراسة (ميك) التي شملت ذوي البشرة السمراء ( الأمريكيين الأفارقة) ، ذوي البشرة البيضاء ، يابانيين أمريكيين ، لاتينيين أمريكيين و السكان الأصليين لهاواي ، قارن د. سونع يي و زملاؤه ارتباطَ القهوة و نسبةَ الوفيات لأسبابٍ صحيةٍ بين الأعراق المختلفة . يقول الكاتب : " إن استهلاك كميةٍ أكبرَ من القهوة أسفر عن نسبةٍ أقلَّ من الوفيات بين الأمريكان اللاتينيين ، ذوي البشرة البيضاء ، من أصول يابانية و الأمريكيين من أصول إفريقية ." وأضاف أن النتائج أظهرت انخفاضاً في نسبة الوفيات لأسباب صحية مختلفة كأمراض القلب ، الجلطات ، الأمراض الرئوية ، السرطانات، مضاعفات السكريّ وأمراض الكلى المزمنة . وأظهرت الدراسة نتائجاً مقاربة لدراسة إيبيك بما يخص القهوة المعززة بالكافيين و المنزوعة الكافيين .
وعلق على ذلك الدكتور إليسو جولار، و زملاءٌ من جامعة جونز هوبكنز في ماري لاند بأن الاستهلاك العالمي للقهوة يزيد من أهمية فهم المشاكل الصحية المرتبطة بها. و يضيف بأن استهلاك القهوة أعقد مما يبدو عليه، حيث أن القهوة قد تحتوي مكوناتٍ أخرى كبعض المركبات الحيوية ، الحليب و السكر و غيرها مما قد يتداخل بتأثيره مع نتائج الدراسات التي تستهدف القهوة تحديداً .

يقول الكاتب : " من المبكر أن نقترح شرب القهوة كوسيلة لخفض نسبة الوفيات لأسباب صحية مختلفة ، أو لمنع الإصابة بأمراض مزمنة " . ويضيف : " على أية حال ، تظهر النتائج أن شرب 2-5 أكواب من القهوة يومياً ما يعادل 400 ميليغرام/ديسيليتر غيرُ مرتبط بمضاعفاتٍ صحية لدى البالغين ولا يعدو كونَه جزءاً من حميةٍ صحية " .
يبدو أننا في بلداننا العربية نمتلك شريحةً واسعةً وغنية لدراسة كتلك . و بسبب الإقامة الدائمة والأبدية للقهوة في بيوتنا ، قد يكون هذا اقتراحاً جيداً لبحوثٍ مستقبلية تشكل لنا رؤيةً أوضح حيال ارتباط القهوة بالمشاكل الصحية في مجتمعاتنا .

المصادر:
هنا
هنا