القهوة في خطر!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> زراعة
ويمكن لذلك التأثير أن يكون إيجابيًا أو سلبيّاً، ومن أمثلة التأثير السلبي ذلك الذي سبّبته درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع والهطول المطري المتقلّب والذي تجلّى بخسائر كبيرة لمزارع القهوة حول العالم، بما في ذلك المزارع الواقعة حول جبل كليمنجارو، وإن كنّا نرغب في الإبقاء على هذا المحصول، فإنه يجدر بنا البدء بتطوير أنواع جديدة قادرة على التأقلم مع تلك الظروف المتغيّرة.
فنظراً لأنّ مناخ المنطقة كان مثالياً في السابق، مع درجات حرارة تتراوح حول 21 درجة مئوية وهطول مطري مستقر، وتغيّره التدريجي في العقود الأخيرة ليصبح غير ملائم لزراعة القهوة، إذ بدأت درجات الحرارة بالارتفاع وتغيّرت مواسم هطول الأمطار لأوقات غير مناسبة لنمو الأزهار وتكوين الثمار، كل ذلك أثّر جليّاّ على محاصيل القهوة.
وتزداد هذه المشكلة شيوعًا في مناطق زراعة القهوة حول العالم، والتي تتركز بشكل أساسي في سفوح السلاسل الجبلية في المناطق الاستوائية، مثل جبال الأنديز. كما أن المرتفعات في تنزانيا وكينيا وإثيوبيا تمتاز بمناخ مثالي لإنتاج كميات كبيرة من القهوة. ولكن التغير السريع للمناخ يهدد هذه المناطق المنتجة للبن في عشرات البلدان، حيث يعتمد الملايين من الناس على زراعة القهوة كمصدر رئيسي للدخل.
وقد توقّعت أبحاث حديثة أن مزارعي القهوة في جبال كليمنجارو وبعض الدول المجاورة لن يكونوا قادرين على تحقيق استفادة اقتصاديّة من زراعة القهوة، فعلى سبيل المثال خفض الاحترار الليلي في تنزانيا من كفاءة زراعة القهوة بمقدار 50% منذ عام 1960، بينما ستعاني 70 بلداً منتجاً للقهوة من آثارٍ شديدة للتغيّر المناخي أحدها تفشّي الحشرات، وستنخفض مساحة الأراضي المنتجة بحوالي 50% بحلول عام 2050.
وتشير آخر الأبحاث إلى أنه بعد وقت ليس ببعيد، لن يتمكن مزارعو القهوة على منحدرات كليمنجارو والعديد من المناطق الأخرى من زراعة البن على مستوى اقتصادي. ففي تنزانيا مثلاً، أدى الاحترار الليلي إلى انخفاض الإنتاجية للنصف تقريباً عما كان عليه عام 1960 وذلك وفقًا لما ذكره Alessandro Craparo أحد الباحثين في جامعة Witwatersrand في جوهانسبرغ وخبير إنتاج البن التنزاني.
ويشير خبير في الزراعة الاستوائية إلى أن العديد من الدول السبعين الأخرى المنتجة للقهوة ستعاني أيضاً من آثار شديدة لارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الهطول المطري وتفشي الحشرات. ويقول أن المناطق المناسبة لزراعة القهوة سوف تتقلص بشكل كبير متوقعاً حسب دراسة نشرها عام 2014 انخفاضًا بنسبة 50% في مساحة الأراضي الصالحة لزراعة القهوة بحلول عام 2050.
ماهي المحاصيل التي ستنجو؟
يقول العلماء الذين يدرسون تأثير التغير المناخي على محصول القهوة في العالم أنه يتعين على الخبراء الزراعيين البحث على نحو عاجل لمعرفة أي من أنواع البن المعروفة في العالم والتي يقدر عددها بحوالي 125 نوعاً سوف يكون قادراً على البقاء في عالم أكثر سخونة. ويبدو في هذه المرحلة أن اثنين من أكثر أنواع القهوة المزروعة شيوعاً، أرابيكا Arabica وروبستا Robusta، من غير المرجح أن تنجح زراعتها بشكل جيد مع استمرار درجات الحرارة العالمية في الارتفاع.
ووفقاً لدراسة نشرت عام 2015 فإن ظروف زراعة قهوة أرابيكا في شمال تنزانيا – حيث يتوضع جبل كليمنجارو وغيرها من المرتفعات – قد تدهورت تدريجياً على مدى العقود الخمسة الماضية. حيث ركزت الدراسة على أقل درجة حرارة في اليوم ليلاً. وقد تبين أن المحاصيل الأخرى أيضاَ، بما في ذلك الذرة وفول الصويا والأرز، تعاني بشكل كبير من ارتفاع درجات الحرارة ليلاً. وعلى الرغم من عدم معرفة السبب فقد ارتفعت درجات الحرارة الليلية في منطقة زراعة القهوة شمال تنزانيا بدءاً من عام 1960 وحتى عام 2010 بحدود 2.5 درجة وبذلك فإن ارتفاع درجات الحرارة جعل سهول مرتفعات تنزانيا غير مناسبة لإنتاج البن، ومن المتوقّع أنّه بحلول عام 2030 ستتراجع إنتاجية بساتين أرابيكا في مرتفعات تنزانيا إلى ثلث ما كانت عليه عام 1960، بينما سيكون من المستحيل نموها تقريباً بحلول عام 2060.
وبالإضافة لذلك، فقد أصبحت المشاكل التي تواجه مزارعي القهوة الآن على نطاق عالمي، ففي وقت سابق من هذا العام نُشرت دراسة تتنبأ بانخفاض ملائمة 90% من الأراضي التي يتم فيها زراعة البن في نيكاراغوا بحلول منتصف القرن الحالي، حيث تمثل القهوة حالياً 13%من صادرات نيكاراغوا.
أحد الحلول المقترحة تتمثل باستثمار مناطق كليمنجارو التي تقع على ارتفاع 6000 قدم حيث تستقر درجات الحرارة هناك ضمن درجات باردة نسبياً، لكنّها من ناحيةٍ أخرى ستنتهك حرمة المحميات الطبيعيّة الواقعة هناك أيضاً مثل محميّات الثيران والقردة وغيرها.
من عيوب التنبؤات السابقة أنها ركّزت على درجات الحرارة دون اعتبار الهطول المطري، فبالرغم من صعوبة التنبؤ بكميات الأمطار الهاطلة سنويّاً إلا أنّه من المهم أن تؤخذ هذه المؤشرات بعين الاعتبار لتأثيرها المباشر على المحاصيل.
تأثير الآفات والحشرات على المحاصيل:
لا يمكن للتنبؤات تنبّـؤ الأضرار الناتجة عن الآفات والحشرات التي تهاجم المحاصيل، فعموماً يتناسب نشاط الحشرات طرداً مع درجات الحرارة، إذ لا يمكنها التكاثر والنشاط في الدرجات المنخفضة، وبالمقابل يزداد نشاطها وتكاثرها مع ارتفاع درجات الحرارة، إلّا أنّه يصعب التنبؤ بتأثيرها على النبات لأن ذلك يعتمد بدوره على النبات المضيف للحشرة والكائنات الأخرى المفترسة لتلك الحشرات.
فقد بدأت حافرة ثمار القهوة – والتي تعد أكثر آفات القهوة تدميراً في العالم – بغزو مناطق كانت سابقـاً غير ملائمة لهذه الحشرة نظراً لبرودتها، حيث تصيب هذه الحشرة الثمار وتتلفها، ويمكن أن تدمر ثلث المحصول في حال الإصابات الشديدة. ففي جبل كليمنجارو، زاد الارتفاع الذي تستطيع حافرة الثمار العيش عليه بمقدار 300 متر تقريبـًا منذ عام 2000، مما منح تلك الحشرات مزارع أكثر.
كما سُجِّـلت إصابات جديدة بهذه الحشرة في إثيوبيا مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، وبشكلٍ عام يُتوقّع أن تصيب تلك الآفة مناطق زراعة القهوة عالية الجودة بحلول عام 2050، وربّما نكون أمام كارثة مخيفة في تلك الحالة.
البعد الاقتصادي للكارثة:
مع امتلاك معظم مزارع القهوة من قبل فلاحين فقراء، حيث يملك كلٌّ منهم حوالي إكرين ونصف من الأراضي الزراعية، ويصف أحد هؤلاء المزارعين الذي يملك حوالي 700 شجرة قهوة، تأثير الاحترار على محاصيله فيقول:" خشيت من جفاف المحاصيل بسبب تأخّر هطول الأمطار الضروريّة لنموّهم، إلّا أنّه في نهاية الموسم أنقذتنا الأمطار القليلة"، وفي سياقً متّصل، فإن هذا المزارع قد حصد ما يقارب 235 باونداً من قهوة أرابيكا الأفريقيّة، مقابل 2200 باوند تُحصد في المواسم العاديّة، ويبدو أن هذه السنوات العجاف ستواجهنا كثيراً في المستقبل، مما سينقص من احتمالية نمو محاصيل جيّدة، وسيزيد من إمكانيّة تدهور تلك المحاصيل، الأمر الذي سيضع هؤلاء المزارعين أمام مشكلةٍ كبرى تتمثل بغياب مصادر الدخل.
تُوصف تلك التنبؤات بزوال القهوة بالمبالغ فيها، من وجهة نظر Davis، أحد علماء النبات من حدائق كيو في لندن، إذ يقول: "من الواضح أن هناك ما يدعو للقلق حيث أن التغير المناخي بالفعل على محصول القهوة بشكل كبير". ومع ذلك هناك الكثير من التدابير التي يمكن اتخاذها لإنقاذ المحاصيل ومزارعيها، أحدها يتمثّل في استثمار أنواع جديدة من القهوة المتكيّفة مع الجفاف، لكن خطوات مماثلة تتطلّب البحث كثيراً في إمكانيّة تقبّل المستهلكين لهذه الأنواع، وهذا ما علينا دراسته.
لحل معظم تلك المشاكل، يسعى العلماء حالياً ومن ضمنهم Davis إلى البحث في إمكانية استجابة المحاصيل للتغير المناخي، ففي إثيوبيا مثلاً، سيؤدّي الاحترار المستمر إلى خسارة البلاد لأهم مصادر دخلها التي تساهم بثلث الدخل الوطني، إلّا أن خلق أنواع جديدة من المحاصيل المقاومة سيستغرق عقوداً من الزمن، مقابل وقت قليل لإنقاذ تلك المحاصيل، فنظراً لما فعلناه تجاه التغيّر المناخي منذ 20-30 عاماً، لا يبدو أنّنا ننجز كثيراً، لذلك بدأ باحثوا TaCRI بدراسة الأنواع التي قاومت وتأقلمت مع الجفاف والحرارة لمعرفة السر الكامن وراء ذلك، وبالتالي فتح آفاق جديدة للحل.
وهكذا، نجد أن تأثيرّ التغيّر المناخي يضرب مناطقَ جديدة على الأرض، منذراً بكوارث كبيرة في المستقبل، ومخبراً بضرورة البدء باتخاذِ أفعالٍ جادّة لمواجهته.
المصادر:
هنا