قداسة الأنثى والعرش المسلوب: مراجعة رواية "ظل الأفعى" ليوسف زيدان
كتاب >>>> روايات ومقالات
تعُتبر رواية (ظل الأفعى) أول رواية لكاتبنا "يوسف زيدان"، بداية مربكةً موغلةً بفكرة قداسة الأنثى، بدايةً تُجبر قارئيها على التّفكير مجدداً بجميع الأفكار حول الأنثى عبر العصور وارتباطها الظالم على سبيل المثال بصورة الأفعى الشّائعة بين الناس.
تُقسم الرواية لقسمين حسب أسلوب الكتابة الذي لجأ له الكاتب، فالقسم الأول يُمثل أسلوبَ الرّواية التّقليدية من مقدمةٍ وعرضٍ وخاتمة، حيث تبدأ الروايةُ لتقصَّ أحداثاً لا تتجاوز السّاعات بين زوجين، أحداثاً عاديةً عميقة، فالزوج (عبده) يتصارع مع أفكارِه ومشاعره تجاه زوجته، يذوب حباً وعشقاً عند رؤية جمالها الهادئ ورزانة حركاتها وتعود به السنين ليجثيَ أمام قدميها بلهفةٍ وشوق، وينتابه غضب وسخط عارمين عند تذكره شرودها الساهم في الفترة الأخيرة وأفكارِها المشوّشة وجُمَلها الغريبة، خصوصاً بعد منعها نفسها عنه منذ وصولِ رسائلَ أمها لصندوق الرسائل اللعين.
توجد خلال هذه الأحداث تفاصيلٌ كثيرة ترمز لفكرةِ الكاتب الرئيسية، فمثلاً نلاحظ عدم ورود اسم الزوجة إطلاقاً وكأنّ "زيدان" يشي لنا أنه لا يوجد اسمٌ قادر على احتواءِ الأنثى بطبيعتها وجمالها وقداستها، وكأنّ وجود الأنثى في روايته أكبر من كلّ الأسماء، نلاحظ أيضاً تناقض موقف "عبده" تجاهها فتارةً يرفعها لمقام الملائكة واصفاً جمالها وكلّ ما فيها بعينيّ عاشقٍ تستعر نيرانَ الحب داخله، وتارةً أخرى يرميها لأسفل دركٍ في الوجود كارهاً دلعها ونسبها الرفيع لاعناً رسائل أمها وباب الجحيم الذي فتحتها عليهما.
"عبده" هو تجسيد للرجل في هذا العالم، بجميع أفكاره وتسلطه ونظرته الجنسية والجنسية فقط للمرأة مهما علا شأنها وفاقته علماً ومكانةً وثقافة، ففي فكره غايةٌ وحيدةٌ من وجود المرأة ألا وهي إشباع لذاتهم والحفاظ على ذريتهم.
أما زوجته فتمثل الأنثى عبر العصور، تلك التي كانت آلهة وربة بُنيت لها المعابدَ وصُنعت لها التماثيل َورُددت أناشيدَ التمجيد للسر الكامن فيها في أزمنة غابرة، تلك نفسها التي طُمست ملامح قدسيتها وغُيًب وعي العقل لأهميتها ومكانتها في الأزمنة الأخيرة فوصلت المرأة التي هي صورة الآلهة على الأرض لما وصلت عليه في عصرنا.
أما القسم الثاني فاتبع فيه "زيدان" أسلوب الرّسائل أحادية الجانب (من جهة أم الزوجة)، حيث يخوض الكاتب مناقشات هامة على لسان أم الزوجة، فهي عالمة في التاريخ والأنثروبولوجيا وتاريخ الأديان، تحاول خلال رسائلها أن تفتحَ بصيرةَ ابنتها وتغني وعيها بقصص القدماء من أساطير وما وصلنا منها، تحدّثها عن إزاحةِ الأنثى عن عرش الملك وطمس ألوهيتها المستمدّة من طبيعتها المعطاءة المسالمة الجميلة، حيث تعرج على اللغة العربية الغنية بمفرداتها الشائكة بمعانيها، والاستخدام الخاطئ لبعض الكلمات بما يفيد سلطة الرّجل ونظرته الفوقية للمرأة، تعيدنا لزمن الأساطير والتحريف الذي حصل لها حتى وصلتنا بشكل مقصود لخدمة أفكار بعيدة كل البعد عن الحقيقة.
فالمرأة التي لا تُجمع في اللغة، والنساء التي لا يوجد لها مفرد ككلمة، دليل لغوي على انفراد الأنثى وتميّزها، كما تعدّ الولادة والأمومة التي هي حكراً على المرأة صفوة الخلق والحياة، وإذا ما عدنا إلى الماضي لوجدنا الكثير من الإشارات التي تمّ تحريفها وتغييرها.
تحتوي الرسائل على عِبَرٍ غايةً في الأهمية لجميع النساء، تأخذنا للحضارات السومرية واليونانية ولحضارة مصر القديمة حيث الزمن الأصيل للأنثى، تبوح لنا أسرار اللغة والدّين والتّاريخ، وتطرح علينا أسئلةً وجوديةً لم نفكر فيها من قبل!
هي عرضٌ للحقيقةِ المغتصبة دون مغالاةٍ أو انحياز، هي تمجيد للأنثى والأنوثة ومسح الغبار عن التّساؤلات العميقة الدّفينة في قلب كلّ إنسان، فيها الكثير من المعلومات والحقائق والأفكار والأسئلة بانتظار الأجوبة المناسبة.
لبعض القراء ممسكين على الرواية، أولهما أنّها كشفت الكثير من المستور في العلاقة الجنسيّة بين الزوجين، والتي بحسب آراء آخرين خدمت النّص والأفكار في المكان المناسب فاضحةً نظرة الرجل للمرأة المتعلقة بالجنس، وثانيهما اللهجة المصرية التي تخللت الأحداث والتي لم تسئ أبداً للرواية بل قرَبتها من الواقع فحسب.
معلومات الكتاب:
الكتاب: ظل الأفعى.
اسم الكاتب: يوسف زيدان.
دار النشر: دار الشروق.
عدد الصفحات: 135.