200 تزاوج لتقترن إناث سمك الجلكي بذكر مثاليّ!
البيولوجيا والتطوّر >>>> غرائب الحياة الجنسية عند الحيوانات
Image: Nature Photographers Ltd/Alamy Stock Photo
brook lamprey (Lampetraplaneri) صورة لسمك الجلكي بروك
التّزاوج الكاذب (الصُّوَريّ):
خلال موسم التّزاوج، تلتقي ذكورُ وإناثُ سمك الجلكي بروك السيبيريّ بأعدادٍ كبيرةٍ نسبيًّا في أعشاشٍ خاصّةٍ في أماكنِ عيشها في الجداول (صورة2). حتّى الآن قد لا يبدو الأمرُ غريبًا، لكنّ الغرابة في الأمرِ أنَّ إناثَ هذه الأسماك تتزاوجُ مرّاتٍ عدّة قد تصلُ إلى 200 مرّةٍ مع 10 ذكورٍ مختلفين أو أكثر. حتّى الآن ما تزالُ فائدةُ هذا السّلوكِ غيرَ واضحةٍ لا سيّما أنَّه يزيدُ من احتمالِ تعرُّضها للافتراسِ ويحتاجُ صرفَ كميّاتٍ كبيرةٍ من الطّاقةِ، لكنَّ فريقًا بحثيًّا في اليابان وجدَ أنَّ أنثى الجلكي من الذّكاءِ بمكانٍ أنَّها لن تهدِرَ طاقتها في إطلاقِ بيوضِها دونَ حسابٍ ففي معظمِ هذه التّزاوجاتِ (ما نسبتُه 35-90% منها) لا تضعُ البيض، وهنا بيتُ القصيد!
Image: Buiten-Beeld/Alamy Stock Photo
أسماك الجلكي بروك مجتمعة في قاع أحد الجداول
الخديعة!
يبدو أنَّ هؤلاء الذّكور ِالمساكين (الآباء المُحتَملين) لا يلاحظون أنَّ شريكاتهنَّ تخدعنهم بعدمِ إطلاقهنَّ البيضَ بينما يستمرُّ الآباء –المخدوعين- بإطلاقِ سحاباتٍ من النّطافِ في الماء (لأنَّ الإلقاحَ يكون خارجيًّاأي خارجَ جسمِ الأنثى)! والمُرجَّحُ أنَّ الإناث تقوم بتزاوج ٍكاذبٍعندما تلتقي بعددٍ كبيرٍ من الذّكورِ، ما يدلُّ على أنّها تكونُ انتقائيّةً عند وجودِ خياراتٍمتعدّدة، وهذا يتناسبُ مع فكرة أنَّ التّزاوجَ الكاذبَ يتيح للإناث انتقاءَ الأبِ الّذي يردنَهُ لنسلهنَّ (الأفضلَ مورّثاتٍ بالطّبع). ففي التّجربةِ الّتي أجراها الباحثونَ وضعوا في منطقةِ البحثِ الأولى ذكرًا واحدًا وأنثى واحدة، وفي منطقةِ البحثِ الثّانية وضعوا ثلاثةَ ذكورٍ وأنثى واحدة، وكُرِّرت التّجربة 15 مرّةً بتغيير الإناث في كلِّ مرّةٍ والنّتيجة:
● يزداد التّزاوجُ الكاذبُ بازديادِ عدد الذّكور.
● ينخفض عدد البيوض الّتي تُطلقها الإناثُ في كلِّ مرّة.
● غالبًاما يُطلِق الذّكور النّطافَ في التّزاوجِ الكاذب.
الفيديو التّالي يوضّحُ التّزاوجَ عند سمك الجلكي:
تُرى لماذا هذا "التّعالي"؟
على الرّغم من وجودِ سباقِ التّزاوجِ هذا عند إناثِ الجلكي بروك فإنَّ السّببَ وراءَ اختيارِ الإناثِ ذكرًا دونَ آخر قد لايعودُ لأسبابٍ جنسيّةٍ بل قد يرجعُ إلى عددِ الحُصيّاتِ الّتي حملها الذّكرُ أثناءَ بناءِ العُشِّ! ليس ذلك فحسب، فقد أظهرَ بحثٌ سابقٌ أنَّ نجاحَ عمليّةِ التّكاثرِ يعتمدُ على نسبةِ حجمِ الذّكرِ إلى حجمِ الأنثى، وبالفعلِ أظهرت التّجاربُأنَّ هذه النّسبة تؤثّرُ على التّزاوجِ الكاذبِ وعلى عددِ البيوضِ الّتي تحرِّرها أنثى الجلكي، ما يقترحُ أنَّه لا يمكن إطلاقُ البيوضِ مالم تكن هذه النّسبةُ جيّدةً. ومن الجديرِ بالذّكرِ أنَّ العيونَ تظهر عند سمكِ الجلكي بروك في مرحلةِ البلوغِ وتمتلكُ الإناثُ عيونًا أكبرَمن عيونِ الذّكورِربّما لأنَّها تحتاجها لانتقاءِ أفضلِ شريكٍ لها!
هل تنفرد إناثُ الجلكي بروك بهذه الصّفة؟
تتزاوج بعضُ إناثِ الطّيورِ والثّديّياتِ مع عدّةِ ذكورِ أيضًا في عمليّةٍ تُسمّى "cryptic choice" ولنسمِّها الاختيارَ الخفيَّ، ولكنَّ اختيارَ النّطافِ يكون أثناءَ وجودِها في القناةِ التّناسليّةِ الأنثويّةِ، أمّا أن يحدثَ هذا الاختيارُ عند الأنواعِ الّتي يكونُ فيها التّلقيحُ خارجيًّا (أي يحدثُ الإلقاح عندها خارجَ جسمِ الأنثى) فهذا أمرٌ لم يُسجَّل حدوثُه بعد إلَّا عندَ عددٍ قليل جدًّا من الحيوانات.
وبانتظارِ المزيدِ من الأبحاثِ الّتي تزوّدنا بفهمٍ أعمقَ حولَ ظاهرةِ انتقاءِ الشّريكِوتطوّرِ أنظمةِ التّكاثرِ، لا يسعنا سوى أن نتمنى لأنثى الجلكي أن تحظى بشريكِ حياةٍ يُناسبها!
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا
3 - هنا