اللغة الفرنسية: بحرٌ من لكنات
التعليم واللغات >>>> اللغويات
تعدُّ لكنة الجنوب الفرنسي أو لكنة مدينة مرسيليا من اللكنات التي يمكن تمييزها بسهولة في اللغة الفرنسية˛ لكن يبقى السؤال: كيف تولد هذه اللكنات؟
يقول الباحث اللغوي فيليب بولا دي ماريول˛ من المركز الوطني للبحث العلمي ومؤلف كتاب "من أين تأتي اللكنات الإقليمية؟"˛ أن التقليد يدفعنا للانسياق وراء لفظ الجماعة التي ننتمي إليها. وهذا يعني أننا نسعى لمشاركة الأنماط والعادات اللفظية لقريتنا أو لمنطقتنا. فوجود لكنات متنوعة يأتي من وجود لغات مختلفة.
فعلى سبيل المثال، تطوّرت اللغة الفرنسية في الجنوب الفرنسي بسبب الاتصال مع لغة الأوكسيتان الرومانسية ولهجة جاسكون وغيرها من اللهجات. فتنوّع اللكنات يرضخ لتأثير الأساس اللغوي الذي يلّون بدوره اللفظ معطياً أنواعاً لفظية مختلفة. فحرف الراء الذي يشدّد بعض الباسكيين لفظه يعود لسبب أن لغة الباسكي تميز بين: الراء العادية والراء المكررة. فقدرة الفرنسيين عتمييز اللكنات سببه الاعتياد في حين ليس بالضرورة أن يقدر أجنبي على التمييز بين لكنة مدينة مرسيليا ولكنة مدينة ليل.
وعندما لا يتمكن الفرنسي من التعرّف على لكنة المتحدث˛ يكتفي بالقول إن هذا الشخص لا يملك لكنة معينة˛ أي أنّ طريقته في الكلام تطابق النمط الباريسي الذي يسمعه على التلفاز والراديو. فاللكنة الباريسية أضحت معيار اللكنات الفرنسية. ويعود ذلك بداية لوجود السلطة الملكية والمحاكم منذ القرن السابع عشر. ففي الوقت الذي أصبحت فيه باريس العاصمة الإقتصادية والإدارية والثقافية، انتشرت اللكنة الباريسية وغدت بمثابة نموذج لغوي فرنسي. ففي يومنا هذا˛ وعلى المستوى الاجتماعي ذاته، هناك اختلاف قليل في اللكنات بين مدن رين ونانسي وباريس.
يقول دي ماريول أن الحفاظ على لكنة ما أو المبالغة في تكلّمها يمكن أًن يكون نوعاً من التأكيد على التشبث بأصولها. ولكن اليوم أصبحت اللكنات اجتماعية أكثر من كونها جغرافية. ولهذا تبدو مدينة نيس ذات لكنة مخففة أكثر من مدينة مرسيليا ويرجع ذلك الى الوضع الاجتماعي للمدينتين. فمرسيليا مدينة ساحلية متجهة أساساً نحو الجنوب بينما نيس مدينة برجوازية تقع باتجاه الشمال أكثر وبالتالي هي وجهة لكثير من المصطافين والمتقاعدين القادمين من الشمال الفرنسي.
المصدر:
هنا