أكياس بلاستيكيّة ... ديدان شمعيّة ... وحلول تلوح في الأفق!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
اكتشف علماءٌ قدرة هذه الدّيدان على تفكيك البولي ايتيلين (نوعٌ من أقوى وأكثر أنواع البلاستيك استخداماً) والمتواجدُ بكثرةٍ في مطامرِ النّفايات على هيئة أكياسِ التسوّق البلاستيكيّة.
حدثَ هذا الاكتشافُ بالصّدفة عندما قامت إحدى أعضاء الفريق العلميّ والّتي تهوى تربية النّحل، بإزالة الآفات الطفيليّة من أقراص العسل في خلايا النّحل، ثمّ احتفظت بالدّيدان مؤقّتاً في كيسِ تسوُّقٍ بلاستيكيّ نموذجيّ فلاحظت بعد فترة امتلاءَ الكيس بالثّقوب.
تعاون العلماءُ من معهد الطبّ الحيويّ والتكنولوجيا الحيويّة في كانتابريا (إسبانيا) مع علماءَ في قسم الكيمياء الحيويَة بجامعة كامبريدج لإجراء تجربة موقوتة وعُرِّضت حوالي مئة دودةٍ شمعيّةٍ لكيسٍ بلاستيكي أُخِذَ من أحد متاجر الولايات المُتّحدة، فبدأت الثّقوب بالظّهور بعدَ أربعين دقيقةٍ فقط، وبعد اثنتَي عشرةَ ساعةٍ انخفضَ 92 ميليغرام من كتلة البلاستيك في الكيس. ويقول العلماء أنّ مُعدَّل التحلّل هذا سريعٌ جداً مقارنةً بأحدث الاكتشافات، كالبكتيريا التي اكتُشِفت العام الفائت والتي تُفكّك بعض المواد البلاستيكيّة بمعدّل 0.13 ميليغرام في اليوم فقط.
ويضيفُ الباحثون أنّه إذا كان المسؤول عن هذه العمليّة الكيميائيّة هو أنزيمٌ واحدٌ، فإنّ إنتاجه على نطاقٍ واسعٍ باستخدام أساليب التّكنولوجيا الحيويّة سيكون قابلاً للتّحقيق، وهذا الاكتشاف يمكن أن يكون أداةً هامّةً للمساعدة في التّخلّص من نفايات البولي إيتيلين البلاستيكيّة المتراكمة في مكبّات النّفايات والمحيطات. إذ يُستخدَم البولي إيتيلين إلى حدٍّ كبير في التّغليف، ويمثِّل 40% من إجمالي الطّلب على المنتجات البلاستيكية في جميع أنحاء أوروبا - حيث يتمُّ التّخلّص ممّا يصل إلى 38% من البلاستيك في مطامر النّفايات. ويستخدم النّاس في جميع أنحاء العالم حوالي تريليون كيس من البلاستيك كلَّ عام.
وبصفة عامّة، فإنّ البلاستيك شديد المقاومة للتفكُّك، وحتّى عندما يتفكّك فإنّ القطع الصّغيرة النّاتجة ستخنق النّظم البيئيّة دون أن تتحلّل، وبالتّالي ستكون حصيلة الأعباء البيئيّة كبيرة.
يتألّفُ شمعُ النّحل الّذي تتغذّى عليه ديدان الشّمع من خليطٍ شديد التنوُّع من مركّبات الدّهون: جزيئاتُ بناء كتلة الخلايا الحيّة، بما في ذلك الدّهون والزّيوت وبعض الهرمونات. وفي حين أنّ التّفاصيل الجزيئيّة لتحلّلِ الشّمع تتطلّبُ المزيد من التّحقيق، يقول الباحثون أنّه من المرجّح أن يكون هضم شمع العسل والبولي ايتيلين يتطلّبُ كسرَ أنواعٍ متماثِلةٍ من الرّوابط الكيميائيّة. فالشّمعُ هو بوليمير، نوعٌ من "البلاستيك الطبيعي" وله بنيةٌ كيميائيّةٌ لا تختلف عن البولي إيتيلين.
أجرى الباحثون التّحليل الطّيفيّ لإظهار الرّوابط الكيميائيّة الّتي تمّ كسرها في البلاستيك، وأظهر التّحليل أنّ الدّيدان حوّلت البولي ايتيلين إلى جلايكول الايتيلين، الّذي يمثل جزيئات "مونومر" غير مرتبطة (جزيئات صغيرة يمكن أن ترتبط كيميائيّاً مع بعضها البعض لتشكّل بوليمر). وللتّأكُّد من أنّ هذه العمليّة ليست مجرد آلية مضغ من اليرقات لتحطيم روابط البلاستيك، هرس الفريق بعض الدّيدان ووُضعت على أكياس البولي ايتيلين، فكانت النّتائج مُماثِلة.
أي أنّ اليرقات لا تقوم بتناول البلاستيك دون تعديل التّركيب الكيميائيّ له، فقد أظهر العلماء أنّ سلاسلَ البوليمر في بلاستيك البولي ايتيلين مكسورةٌ بالفعل بواسطة الديدان الشمعيّة.
إذ تنتج اليرقةُ شيئاً يكسر الرابطة الكيميائيّة، ربّما في الغدد اللّعابيّة أو البكتيريا التكافليّة في الأمعاء، والخطوات التّالية بالنّسبة للباحثين ستكون في محاولة تحديد العمليّات الجزيئيّة في هذا التّفاعل ومعرفة ما إذا كان يمكن عزل الأنزيم المسؤول عنها.
ومع ظهور التّفاصيل الجزيئيّة لهذه العمليّة، يقول الباحثون أنّه يمكن استخدامُها لوضع حلٍّ لإدارة نفايات البولي ايتيلين باستخدام التّكنولوجيا الحيويّة على نطاقٍ صناعيّ.
وهم يخطِّطون لتحويل هذه النّتيجة إلى طريقةٍ مُجدية للتّخلُّص من النّفايات البلاستيكيّة، والعمل من أجل إيجاد حلٍّ لإنقاذ المحيطات والأنهار، والبيئة بشكلٍ عامّ من عواقبَ لا يمكن تجنُّبُها نتيجة تراكم البلاستيك.
المصادر:
هنا