هل من الممكن لوم والديك على مشاكلك النفسية؟
علم النفس >>>> الصحة النفسية
يؤكد الدكتورSroufe الخبيرُ في علم النفس -من خلال دراسةٍ أجراها- أنَّ الماضي مع الآباء والأقران يتفاعل بطريقةٍ مُعقَّدةٍ ليُشكِّل شخصيةَ الإنسان في شبابه، كما يذكُرُ أنَّ وجودَ اضطراباتٍ في العلاقات مع الآخرين لدى الفرد لا يعود إلى أصولٍ جينيةٍ ووراثيةٍ وحسب، وإنما إلى طبيعة العلاقة المضطربة مع الوالدين في الطفولة أيضاً.
وجودُ الأثرِ القويِّ لطبيعة العلاقة بين الأهل وأبنائهم، دَفَع لإجراء دراساتٍ عديدةٍ على التطور النفسي عند أطفال الأمهات المكتئبات والتي أظهرَتْ أن وجود الاضطراب والسلوكيات المغلوطة عند الأمهات المصاباتِ بالاكتئاب يجعلُ أبناءهم يكبرون في بيئةٍ غيرِ صحيِّةٍ بعيداً عن الاختلاط الاجتماعي، وخاليةٍ من التفاعل الكافي مع المحيط مما يجعلهم عرضةً لخطرِ تطوُّرِ اضطرباتهم النفسية الخاصة مستقبلاً، عدا عن البرود العاطفي لدى الأم المصابة بالاكتئاب الذي يحرِمُ أولادها من الحنان الضروري لتكوين الشخصية العاطفية السليمة للطفل.
وهذا ما يؤكد على أهمية دفء العلاقة بين الوالدين والأبناء، فوجودُ علاقةٍ مبنيَّةٍ على الإهمال والعدائية قد يكونُ السّببَ في الطبع العصبي وظهورِ فوراتٍ من الغضب عند الأطفال، الأمر الذي قد يزيد -وبشكلٍ عكسيٍّ- الطبيعةَ السّلبيةَ للعلاقة من طرف الوالدين دون إدراكهم لذلك حتى، مما يخلق حلقةً مُفرغةً نتائجُها المستقبلية كارثية.
لا يتعلّقُ الموضوع بطبيعة علاقةِ الوالدين مع أطفالهم وحسب؛ إذ يكتسبُ الأطفالُ خبراتِهم في التعامل مع الآخرين وتطويرِ علاقاتهم معهم من خلال تقليدِ سلوك والدِيهم وطبيعة علاقاتهم مع الأشخاص المحيطين بهم. وبالمقابل، فإنَّ مراقبة الأهل لأطفالهم في تفاعلهم العاطفيِّ مع محيطهم، ضروريٌّ لتوجيههم في الطريق الصحيح وتقويمِ السلوكِ السلبي حين يصدر عنهم وتحويلِه إلى سلوكٍ إيجابي.
إضافةً إلى ذلك، فإنَّ الصدمات العاطفية والشِّدَّات النفسية خلال الطفولةِ كالفقرِ أو انفصالِ الوالدين أو وفاةِ أحدهما أو سوءِ المعاملة وغيرها، تؤثِّرُ وبشكلٍ مباشرٍ سلبياً على تطوُّرِ الصِّحَّة النفسية والعاطفية في المستقبل، وهذه الأسباب شائعةٌ جداً في حياة الطفل، فهي تصل لنسبة 50% من البالغين في بريطانيا الذين خضعوا لإحدى الصدمات السابقة. ويُعتقد أنَّ السبب في ذلك هو أنَّ التعرُّضَ لحدثٍ مؤلمٍ نفسياً خلال الطفولة يخلقُ لدى الفردِ ضعفاً في مواجهة الشّدات النفسية لاحقاً في الحياة.
لكنَّ ذلك ليس هو الحالُ دائماً، إذ أنَّ عدداً ممن يتعرضون لأحداثٍ سلبيةٍ في الطفولة يكتسبون قدرةً على مقاومة وتجاوز الأحداث السلبية اللاحقة في الحياة من خلال "مرونتهم" العاطفية. ظهورُ أَحَدِ النتيجتين يعتمدُ على خليطٍ من العوامل الجينية، والطباع الفردية، والمَقْدِرات الإدراكية لدى كلِّ فرد.
ومن المهم ذكرُه أيضاً أنَّ مجال دراسة السلوك من الناحية الجينية قد تطوَّر بشكلٍ سريعٍ في الفترة الأخيرة، وأضاف قيمةً جوهريّةً لفهمِنا العواملَ التي تؤثِّرُ في السُّلوك البشريِّ والتَّطوُّرِ السُّلوكيّ، وساعدتِ الأبحاثُ في هذا المجال على فهم وتفسير كيفيةِ تفاعلِ الجينات والبيئة في تكوين السّلوك الإنسانيّ.
قد يبدو لك الآن -وبعدَ كلِّ هذا الكلام- أنّه من المنطق (ومن الأسهل) أن تلومَ والديك على مشاكلك النفسية، وعلى الرغم من أنَّ معرفَتَك لأسبابِ وأصولِ مشاكلِكَ قد يكون خطوةً فعّالةً في سبيل التعافي منها؛ إلَّا أنَّ دراسةً قامَ بها الباحث في علم النفسKinderman أظهرَتْ أن لومَ النَّفسِ أو الآخرين لا يُحسِّنُ من الآثار السلبية للتجارب التي مررتَ بها، بل على العكس من ذلك؛ فإنَّ ذلك يجعلُكَ في خطرٍ أكبرَ لتطوُّرِ مشاكلَ نفسيةٍ، من الخطرِ الناجم عن التجاربِ بحدِّ ذاتها، إذاً فإنَّ لوم والديك قد يزيد الأمر سوءاً!
الوقتُ ليس متأخراً أبداً على عكس الآثار السلبية لجميع ما مررتَ به في حياتك، ما عليكَ فعلُه هو التوقُّفُ عن لومِ نفسِكَ أو والديك، وعدمُ جعلِ محورِ حياتك يدورُ حول تجاربِك السيئةِ السابقة.
أنتَ من يتحكَّمُ بزمام الأمور لا ماضيك، ممارسةُ الرياضة بشكلٍ منتظم، والحصول على دعمٍ اجتماعيٍّ مناسب، ومتابعة التحصيل العلمي، من أهمِّ الوسائل المساعِدة لتحسين الصحة النفسية والقُدُرات المعرِفيّة، أمّا في حالِ كنتَ تُعاني من مشكلةٍ لا تتحسّنُ بتعديلٍ إيجابيٍّ بسيطٍ لنمطِ حياتك؛ فتوجَّه لاستشارة أخصائيٍّ ولا تهمل نفسك.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا