الدواء الحيّ
الطب >>>> مقالات طبية
لسنواتٍ مضت؛ مثّلت الجراحةُ والعلاجان الكيميائي والشعاعي أسسَ علاج الأورام، وفي العقدين الماضيين ظهرت العلاجات الهدفية Targeted therapy مثل مثبطات التيروزين كيناز وحجزت مكاناً لها في في خطط المعالجة المعيارية للعديد من الأورام. لهذا العلاجِ العديدُ من التأثيرات الجانبية الشديدة؛ فقد تضمّنت النشرة الدوائية المرفقة تحذيراً من حدوث متلازمة تحرير السيتوكينات، وهي عبارةٌ عن استجابةِ عاصفةٍ جهازيةٍ لتفعيل وتكاثر الخلايا اللمفاوية المعدّلة تقودُ إلى إطلاق كمّياتٍ كبيرة من السيتوكينات (الوسائط الالتهابية) مما يُسبِّبُ حدوث أعراضٍ تُشبه نزلة البرد وحُمّىً عالية الدرجة. إضافةً إلى إمكانية حدوث اختلاطاتٍ سُمِّيَّة عصبية خطيرة.
وفي السنوات القليلة الماضية ظهرت العلاجات المناعية Immunotherapy والتي تعتمد على تقوية جهاز المناعة لدى المريض، لكي يتمكن من مهاجمة الخلايا الورمية والتخلص منها. ويبدو أن دور هذه العلاجات المناعية قد أخذ بالتجلي، وكَثُر الحديث عن كونها "العماد الخامس" في علاج الأورام.
إحدى هذه المُعالجَات المناعية -والتي تُدعى نقل الخلايا التائية ذات مستقبلات المستضدات الخيمرية أو المهجنة- chimeric antigen receptor T cell therapy أبصرت النور وحصلت على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية للاستخدام في أنماطٍ معينة من أورام الدم.
"إعطاء CAR-t يشبه إعطاء المريض دواءً حيّاً" يقول البروفيسور بريتينس أحد رواد العلاج المناعي الجيني.
وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في شهر تشرين الأول من العام الحالي على استخدام علاجٍ مناعيٍّ جينيٍّ تحت اسم Yescarta لعلاج لمفوما لاهودجكن من نمط لمفوما الخلايا البائية الكبيرة المنتشرة لدى المرضى الناكسين أو الذين لم تحدث لديهم استجابة بعد استعمال خطين علاجيين على الأقل.
يُعتبر Yescarta الدواءَ الثاني من نمط العلاجات المناعية الذي حصل على الترخيص بعد دواء Kymriah الذي حصل على الترخيص في شهر آب الفائت لعلاج بعض أنماط الابيضاض اللمفاوي الحاد . كما يُعتبر أولَ دواءٍ في علاج مثل هذه الحالات من لمفوما لاهودجكن.
لمفوما الخلايا البائية الكبيرة المنتشرة هي أشيع نمطٍ من اللمفوما عند البالغين، إذ يتم تسجيل حوالي 72 ألف حالة جديدة من لمفوما لاهودجكن في الولايات المتحدة سنوياً؛ ثُلثُها تقريباً من نمط لمفوما الخلايا البائية الكبيرة المنتشرة.
تم ترخيص استعمال هذا الدواء عند المرضى الذين لم يستجيبوا لخطين علاجيين سابقين على الأقل، وكان لديهم لمفوما الخلايا البائية الكبيرة المنتشرة في المنصف أو لمفوما الخلايا البائية عالية الدرجة أو لمفوما الخلايا البائية الكبيرة المنتشرة الناشئة على أرضية اللمفوما الجريبية. ولكنّ هذا الدواء غيرُ مستطبٍّ في علاج لمفوما الجهاز العصبي المركزي البدئية.
كيف يعمل هذا العلاج؟
كلُّ جرعةٍ من دواء Yescarta هي عبارةٌ عن علاجٍ مُخصَّصٍ تم إنتاجه باستعمال خلايا الجهاز المناعي للمريض نفسه لتساعد في القضاء على اللمفوما، إذ يتم قطف أحد أنماط خلايا الجهاز المناعي -وهي الخلايا التائية- ثم تعديلها جينياً من خلال إدخال مورثاتٍ معينةٍ إلى مجينها عبر فيروسات معطَّلة معدَّةٍ لهذا الغرض، على أن تصبح هذه الخلايا التائية من خلال المورثات التي تم إدخالها، قادرةً على إنتاج مستقبلاتٍ تُمكِّنها من الارتباط بخلايا اللمفوما والقضاء عليها. بعد ذلك يعاد حقن هذه الخلايا المعدَّلة في المريض نفسه.
الفعالية والأمان
لقد تمَّ اختبار فعالية هذا الدواء من خلال دراسةٍ تجريبيةٍ متعددةِ المراكز على أكثر من مئة مريضٍ ممن لديهم لمفوما لاهودجكن من الأنماط سابقة الذكر المعندة أو الناكسة، وكانت نسبة تحقيق الاستجابة الكاملة أو الهدأة حوالي 51 بالمئة.
تشمل الآثارُ الجانبية الاُخرى التأهبَ للإنتانات الخطيرة ونقص الكريات البيض وإضعاف الجهاز المناعي بشكلٍ عام. تَظهر هذه الآثار عادةً خلال أسبوعٍ أو أسبوعين من العلاج، مع إمكانية ظهور اختلاطاتٍ متأخرة.
لذلك؛ اشترطت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية حصولَ المشافي والعيادات التي تطبّق هذا العلاج على ترخيصٍ بذلك، من خلال تدريب كوادرها على التعامل مع إعطاء هذا العلاج وتدبير اختلاطاته.
كما طلبت من الشركة المصنعة إجراء الدراسات ما بعد التسويقية لمعرفة فعالية هذا الدواء وأمان استعماله على المدى الطويل.
التكلفة:
يجب ألا تخفى عليك -عزيزي القارئ- التكلفةَ الباهظة لهذا الدواء؛ إذ تبلغ كلفةُ العلاج للمريض الواحد حوالي 375 ألف دولار أمريكي.
ختاماً؛ لا بُدَّ من القول أن هذا الدواء وغيرَه من العلاجات المناعية قد منحت أملاً جديداً في علاج الحالات المستعصية من أورام الدم.
هل ستثبت هذه العلاجات نجاعتها؟ هل ستكون متوفرة بشكل أيسر حول العالم؟ هل يمكن أن يكون لها دورٌ في علاج الأورام الصلبة مستقبلاً؟ هل ستتحول من نمط الطب المعدل فردياً لتُنتَج على نطاقٍ واسعٍ ولكميةٍ كبيرة من المرضى؟
علَّ قادمات الأيام تجيبنا عن هذه التساؤلات.