رغيفُ الخبز؛ عدوُّ البيئة!!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> زراعة
يُقدَّرُ الاستهلاكُ اليومي للخبزِ في المملكةِ المتّحدةِ وحدَها بقرابة 12 مليونَ رغيف؛ ممّا يضعُه في مقدّمةِ السِّلَعِ الرّئيسيّة؛ الأمرُ الّذي دعا فريقاً من الخبراءِ إلى دراسةِ عمليّةِ إنتاجِ هذِه السّلعةِ بتفصيلٍ أكبر، وسلّطَ الضّوءَ على الأثرِ البيئيِّ لهذِه العمليّة، وكشفَ - بالنّتيجةِ - مساهمةَ العمليّةِ في إطلاقِ غازاتِ الدّفيئة.
إذ حلّلَ الفريقُ -من مركزِ جرانثام للمستقبلِ المُستدامِ في جامعةِ شيفيلد- العمليّةَ الإنتاجيّةَ ككلٍّ بدءاً بزراعةِ القمحِ وانتهاءً بإنتاجِ الخبزِ الجاهزِ للبيع، وقد بيّنتِ النّتائجُ مساهمةَ سمادِ نتراتِ الأمونيوم المستخدمِ في زراعةِ القمحِ بقرابةِ نصفِ انبعاثاتِ غازاتِ الدّفيئةِ؛ متجاوزاً كلَّ الأجزاءِ الأُخرى من العمليّة، وكذلكَ أشارَ أحدُ أعضاءِ الفريقِ إلى جهلِ معظمِ المستهلكينَ بالأثرِ المُصاحبِ لبعضِ العمليّاتِ الإنتاجيّة، وخاصّةّ عمليّاتِ إنتاجِ الطّعام؛ إذ إنَّ الأهمَّ هو الحصولُ على سلعةٍ ممتازةٍ و صحيّةٍ بغضِّ النّظرِ عنِ الأثرِ السّلبيِّ المُرافقِ للإنتاج.
ربّما نملكُ إدراكاً كافياً لتأثيرِ بعضِ العمليّاتِ كالتّعبئةِ والتّغليفِ بالبلاستيكِ على سبيلِ المثال، لكنْ ستُذهلُنا نتائجُ هذِه الدّراسةِ إزاءَ ذاكَ التّأثيرِ واتّساعِه، فقد قُدّرَ بأنَّ إنتاجَ كلَّ رغيفِ خبزٍ يُصاحَبُ بانطلاقِ غازاتِ دفيئةٍ نتيجةً السّمادِ المُستخدَمِ في الزّراعة، وتُحتسبُ تلك الغازاتُ على أساسِ الطّاقةِ اللّازمةِ لتصنيعِ السّمادِ أوّلاً؛ وكميّةِ أكسيدِ النتروزِ المُنطلقِ عندَ تحلّلِ السّمادِ في التّربة.
فكيف ننتجُ أطعمةً صحيّةً رخيصةَ الثّمنِ وكافيةً لعددِ السّكّانِ المتزايد؛ وخاضعةً في الوقتِ نفسِه إلى سياساتِ القرنِ الحادي والعشرينَ المُتعلّقةِ بحمايةِ البيئة؟
تُقدَّرُ نسبةُ المزروعاتِ الّتي تعتمدُ على الأسمدةِ بقرابةِ 60% من الكميّةِ الكليّة للمزروعاتِ في العالم، وحتّى مع قدرةِ تلكَ الأسمدةِ على تسريعِ نموِّ المحاصيلِ والخَضْرواتِ لتلبيةِ الطّلبِ المتزايدِ على هذِه المحاصيل؛ لكنّها تحوي مركّباتٍ وموادَّ كيميائيّةً من ضمنِها الميثانُ وثاني أكسيدُ الكربونِ والأمونيا والنّتروجين؛ والّتي تساهمُ في تشكيلِ غازاتِ الدّفيئةِ عندَ انطلاقِها.
ومن شأنِ هذِه الدّراسةِ أن تلقيَ الضّوءَ أيضاً على أحدِ التّحدّياتِ الكبيرةِ في مسألةِ الغذاءِ العالميّةِ؛ المتعلّقِ بمنظومةِ زراعةِ محاصيلِ الغذاءِ صاحبةِ الهدفِ التّجاريِّ البحت، والبعيدةِ عن متطلّباتِ الاستدامةِ والبيئة، إذ تتطلّبُ الإنتاجيّةُ الزّراعيّةُ العاليةُ -الضّروريّةُ للمزارعينَ وشركاتِ الغذاءِ وصالاتِ التّوزيعِ- كميّاتٍ كبيرةً منَ الأسمدةِ رخيصةِ الثّمن، ومع استخدامِ ما يقاربُ مئةَ مليونِ طنٍّ من الأسمدةِ سنويّاً نلاحظُ تحوّلَ عمليّةِ الإنتاجِ إلى مشكلةٍ بيئيّةٍ عُظمى، ومع ذلك؛ لا توجدُ دوافعُ حقيقيّةٌ وملموسةٌ لتقليلِ استخدامِ تلكَ الأسمدة.
وفي السّياقِ نفسِه؛ فإنّ الوصولَ إلى أمنٍ غذائيٍّ عالميٍّ ليسَ أمراً تقنيّاً فحسبُ؛ إنّما يتعدّاهُ ليكونَ اقتصاديّاً وسياسيّاً أيضاً، ويتطلّبَ أبحاثاً متعدّدةَ الاختصاصات.
ومن شأنِ هذِه الدّراسةِ أن تُحدّدَ المسؤولينَ عنِ البدءِ بعمليّةِ التّخفيفِ أيضاً وهم: مصنّعو الأسمدة، والمزارعون، والبائعون له والمستهلكون له أيضاً.
إذ توجدُ العديدُ من العمليّاتِ الّتي تقعُ مسؤوليّتُها كليّاً على المُصنّعين؛ كونَهم يُحدِثونَ الأثرَ السّلبيَّ أساساً، إضافةً إلى المسؤوليّةِ المُشترَكةِ للمُنتِجِ والمستهلك، إذ يؤدّي المستهلكُ دوراً مهمّاً سواءٌ عبرَ دفعِ المزيدِ للحصولِ على مُنتَجٍ بيئيٍّ، أو عبرَ تغييرِ سياساتِ الاستهلاك، وتوضّحُ هذِه الدّراسة أيضاً الحلولَ المُتوفّرَةَ المُمكِنةَ لتقليلِ التّأثيراتِ السّلبيّةِ مستقبلاً.
ويرى الباحثونَ أنّ مشكلةَ السّمادِ قابلةٌ للحلِّ باستخدامِ موادَّ عضويّةٍ في الزّراعة، واعتمادِ تقنيّاتٍ جديدةٍ أكثرَ استدامةً لمراقبةِ محتوى التّربةِ من المُغذّياتِ الموجودةِ أساساً، وإعادةِ تدويرِ النّفاياتِ العضويّةِ واستخدامِها كمُغذيّات.
ولكن يبقى سؤالنا لكم؛ هل تؤيّدونَ زيادةَ الرّقابةِ على الإنتاجِ للحصولِ على منتجٍ بيئيّ؛ أم أنّ الكميّةَ اللّازمةَ لكفايةِ الغذاءِ أهمُّ من تأثيراتِه البيئيّة؟؟
المصادر:
هنا
هنا