ما الخطأ في جميع خرائطنا؟
منوعات علمية >>>> منوعات
قد تجدُ هذا صعبَ التصديقِ، ولكنَّ أغلب الخرائط الّتي نعتمد عليها اليومَ خاطِئةٌ، وخرائطُ غوغل ليست استثناءً لهذه القاعدةِ.
إنَّ كونَ الخرائِطِ ثنائيّةُ الأبعادِ هو ما يجعلها خاطِئةً، فالأرضُ ثلاثيةُ الأبعادِ، ممّا يجعل من المستحيل إسقاطُها على مستطيلٍ ثنائيّ الأبعادِ. ماذا ... ألا تصدقنا؟ لماذا لا ترى بنفسك؟ .. حاول تقشيرَ برتقالةٍ سليمةٍ تمامًا بحيث ينتج لديك مستطيلٌ مسطّحٌ.
تُعدُّ خريطةُ ميركاتور 1569 الخريطةُ الأكثرُ استخدامًا في العالم. فهي الخريطة التي نراها في الفصول الدراسيّةِ في جميع أنحاءِ العالمِ، وهي كذلك الّتي تصوغ أفكارَنا الأساسيّةَ عن شكل كوكبنا.
وللأمانةِ فخريطةُ ميركاتور مريحةٌ، فشكلُ الخريطةِ المستطيلِ يجعلها مناسبةً للطِّباعة، كما أنَّ البلدان محددةٌ بشكلٍ جيّدٍ، أمّا خطوط الطول والعرض فهي مستقيمةٌ ومتقاطعةٌ عموديًا، أين المشكلة إذًا؟ تكمن مشكلةُ خريطةِ ميركاتور الأساسيّةِ في حجم البلدانِ النسبيّةِ، فعلى سبيلِ المثالِ: تأخذ البلدان القريبةُ من القطبين حجمًا أكبرَ بكثيرٍ مما هي عليه بالفعل، أمّا بقية المشاكل فسوف نذكرها تِباعًا:
1 - تبدو أمريكا الشماليّةِ في خريطة ميركاتور أكبرَ حجمًا من أفريقيا، ولكن تبلغ إفريقيا في الواقع ثلاثةَ أضعافِ حجمِ أمريكا الشماليّةِ، بحيث نستطيع أن نضع الولايات المتّحدة الأمريكية والهند وأوروبا والصين في أفريقيا، ولا تزال لديها مساحةٌ لليبيريا واليابان.
2 - تبدو غرينلاند على خريطةِ ميركاتور كبيرةً بحجمِ إفريقيا، ولكن في الحقيقة هي تبلغ فقط 1/14 من حجمِها !! ولا تقع غرينلاند في مكانٍ قريبٍ منها حتّى، وهي أصغرُ من جمهورية الكونغو الديمقراطيّةِ التي تمثّل إحدى 54 دولةً تشكّل أفريقيا .
3 - إنَّ ألاسكا أصغرُ من البرازيل ب 5 مرات لكنّها لا تبدو كذلك.
4 - حتى الهند تبدو أصغرَ بكثيرٍ ممّا هي عليه، ولكن يبلغ حجمُها الحقيقي ثلاثةَ أضعاف الدول الاسكندنافيّةِ مجتمعةً، وهذا هو السبب الّذي يمكّنها من أن تكون ثاني أكثر الدولِ احتوائًا للسكان في العالم.
5 - تظهر القارّةُ القطبيّةُ الجنوبيّةُ عادةً كمنطقةٍ أرضيّةٍ ضخمةٍ في الجزء السفلي من الخريطة ولكنّها ليست كذلك. ولأنَّ تشويه القارّةِ القطبيّةِ الجنوبيّةِ شديدٌ جدًا، فإنّ رسامِي الخرائِطِ يميلون إلى اقتصاصِ القارة. ومع ذلك، يؤدي هذا إلى مشكلةٍ جديدةٍ أخرى، فيبدو نصفُ الكرةِ الشماليّ في هذه الحالةِ أكبرَ من نظيرهِ الجنوبيّ.
يمكن اختصارُ مشاكلُ خريطة ميركاتور إذًا بأنّها تعمل على تضخيم المناطقِ الشماليّةِ من الكرةِ الأرضيّةِ وإعطائها حجومّاً غيرَ حقيقةٍ، وحتى نفهم سبب قيام الخريطة بذلك علينا أن نعود قليلًا في التاريخ.
انتشرت خريطةُ ميركاتور التّي نستخدمُها اليوم في عصرِ التوسّعِ الاستعماريّ، وفي وقتٍ سادَت فيه الإمبرياليُّة الغربيّةُ، وفي تلك الأيام كان الشغلُ الشاغلُ للدولِ الأوربيّةِ هو إجبارُ أكبر عددٍ ممكنٍ من البلدانِ وإخضاعِها لسيطرتِها، وخلال هذا الاندفاعِ المجنونِ لامتلاكِ ثرواتِ العالمِ، لم يكن الصواب السياسيُّ من أولوياتِهم.
إنَّ لوقت انتشارِ خريطةِ ميركاتور تأثيرٌ كبيرٌ عليها، ومع أنّها ليست الخريطةُ الوحيدةُ الّتي من الممكن أن نرسم الأرض من خلالها _ والّتي سنتكلّم عنها بعد قليل _ إلّا أنّه تمّ اعتماد خريطة ميركاتور وحدها، فلماذا؟ لأنّها بكلِّ بساطةٍ تماشت مع نظرة القِوى العُظمى وقتها فهي تجعل تلك القوى في مركز الخريطة وفوق كُلِّ العالمِ، وتساعدبالتالي في تأكيدِ السلطةِ الإمبرياليّةِ القديمةِ على حسابِ البلدانِ والقاراتِ الناميةِ مثل إفريقيا.
ليست خريطةُ ميركاتور الخريطةَ الوحيدةَ!
نعم ليست هي الطريقة الوحيدة الّتي يمكن بها رسمُ الكرةِ الأرضيّةِ، فهنالك الخريطة الّتي تعتمد على إسقاطِ بيترز، والّذي تم نشره في عام 1974 من قبل الدكتور أرنو بيترز، وهي خريطةٌ تحاول إظهارَ المناطِقِ بمساحاتِها الحقيقيّةِ، واشتُقّت هذه الخريطةُ من عمل الاسكتلندي جيمس غال في القرن التاسع عشر، وهي طريقةٌ تهدف إلى خلقِ انعكاسٍ أكثرَ توازناً.
ليس بالضرورةِ أنّ تكون أوروبا هي مركزُ العالم، وهذا ما يذكّرنا بإحدى الخرائِط الّتي رُسمت بالصين، ولن يكون صعبًَا علينا أن نخمّن الدولةَ الّتي كانت في مركزِ العالم، فالبطبع هي الصين، وقدّ رُسمت بقيّةُ الكرةِ الأرضيّةِ كجزرَ صغيرةٍ حول الصين الّتي احتلّت أغلبَ أجزاءِ الكرةِ الأرضيّةِ.
كما أنَّ الخريطةَ لا تحتاج بالضرورة إلى أن تكون مستطيلةً لتحقيق الشكلِ الصحيحِ والحجم والمسافة وهناك عددٌ من الطرقِ لتمثيلِ الخريطةِ بطريقةٍ أفضلَ، كالشكلٍ الدائريّ والبيضويّ وحتّى المثلثيّ وغيرها.
كما أنَّ هنالك أيضًّا خريطةُ غالس-بيترس، وهي خريطةٌ تقوم على تشويه المسافاتِ بدلًا من الأحجام النسبيّة للبلدان. إذًا ليست خريطةُ ميركاتور هي الخيارُ الوحيدُ لرسمِ الكرةِ الأرضيّةِ، وهذه الخرائط مختلفةٌ بشدّةٍ ولكن يجمعها شيئٌ واحدٌ هو أنّها كلها محكومٌ عليها بأن تكون خاطِئةً نظراً لكون الأرض ثلاثيّةُ الأبعاد.
الخلاصة أنّه ليس هناك منظورٌ واحدٌ يمكن من خلالِه رؤيةُ الأرضِ، وبغضِّ النظرِ عن ما نقوم به، فإنَّ تحيزاتنا الاجتماعيّة والسياسيّة سوف تظهر، ولا نقول أنّه ينبغي علينا جميعاً أن نغيّر خرائطنا بين عشيّةٍ وضحاها، لأنَّ ذلك لن يكون له معنى بعد كُلِّ هذا الوقت. ولكنَّ وضع خرائطَ جديدةٍ أفضل لن يكون شيئًا سيّئًا كذلك.
المصدر:
هنا
هنا